اليمن في مواجهة الخنوع والتهديد: مشروع قرآني يصنع معادلات جديدة للصراع

الإيمان كقوة استراتيجية: كيف تحوّل اليمن إلى أبرز المدافعين عن غزة؟
اليمن نموذجاً للأمة: حين يتحوّل القرآن إلى مشروع نهضة

الحقيقة ـ جميل الحاج

في زمنٍ اختلطت فيه الحسابات السياسية بالضغوط الدولية، ابتعدت فيه الأمتين العربية والإسلامية عن القرآن الكريم، وانحرفت فيه بوصلة معظم الأنظمة عن مظلومية الشعب الفلسطيني، برز اليمن قيادةً وشعباً كواحد من أكثر الأصوات حضوراً وتأثيراً في ساحة الصراع مع الهيمنة والغطرسة الأمريكية والإسرائيلية.

ومع استمرار حصار غزة وإبادتها على مدى عامين كاملين، كانت صنعاء تقدّم نموذجاً مختلفاً: نموذج مستمد من الثقة بالله، والتمسك بالحقائق الإلهية، ومشروع قرآني صاغه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه”.

الحقائق الإلهية في مواجهة خطاب الخنوع

أسّس الشهيد القائد حسين الحوثي “رضوان الله عليه” منهجه على ضرورة أن يبني المسلمون موقفهم تجاه العدو على الحقائق الإلهية، باعتبارها مصدر القوة والحكمة والصلابة، فالصراع مع العدو ليس مادياً صرفاً، بل هو صراع وعي، وصراع انتماء، وصراع على بقاء الإنسان في صف الحق.

ويشير إلى أن فقدان الحكمة والرؤية الإيمانية هو ما جعل الأمة تعود إلى “الأمية” رغم وفرة الكتب والمكتبات والتعليم، الأمية هنا ليست أمية القراءة، بل أمية البصيرة.

وفي هذا المنهج، الإيمان ليس حالة شعورية فقط، بل موقف عملي في السياسة والجهاد والتربية والحياة العامة، وهو ما يجعله رافعة للتحرر من الطغيان، ووسيلة لبناء وعي حضاري قادر على مواجهة الهيمنة.

ويؤكد المشروع القرآني على ضرورة أن يكون المسلمون منطلقين في تعاملهم مع أعدائهم وفقًا للحقائق الإلهية، لما في ذلك من قوة وصلابة ترفض الذل والخنوع، وأن يكون المسلمون منطلقين في تعاملهم مع أعدائهم وفقًا للحقائق الإلهية، لما في ذلك من قوة وصلابة ترفض الذل والخنوع.

إلى جانب وجوب اتخاذ موقف ثابت لا يتزعزع، ينسجم مع الواقع ويتحلى بالقوة المستمدة من الإيمان، مما يدفع عن الأمة الكثير من الأخطار والشرور.. وأن الصراع مع العدو، سواء كان يهوديًا أو نصرانيًا، يجب أن يُفهم على أنه صراع له أبعاد إلهية، وأن المواجهة وفقًا لهذه الحقائق هي الطريق الصحيح لصدّ شرهم.

ويربط الشهيد القائد بين الانتصار وبين قوة الإيمان والثقة بالله، فحين تزداد الأزمات، يشتد يقين المؤمن، بينما يضعف من لم يرتكز على وعي إيماني عميق.. وفقا لقولة تعالي {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، ويقوم المشروع القرآني على ثلاث ركائز محورية، الأمة، القيادة، المشروع، وهي التي تصنع الصمود والانتصارات.

الثقة بالله… القوة التي تهزم الخوف وتصنع الانتصار

يرى الشهيد القائد “رضوان الله عليه” أن الثقة بالله هي الركن الأكبر الذي تنهض عليه الأمم، وإنها ليست مجرد راحة نفسية، بل قوة سياسية واجتماعية وجهادية، تمنح الإنسان القدرة على التغيير، وتحرره من الخضوع للعدو.

ويؤكد أن النصر الحقيقي يبدأ من لحظة الاقتناع بأن الله حاضر مع عباده: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ}.

ويشير الشهيد القائد “رضوان الله عليه” في أحد محاضرته إلى أن الثقة بالله هي من أهم ما ركز عليه القرآن الكريم، وأن الحق هو الذي يعزز الثقة بالله، ويعزز الثقة بكتابه، ويؤكد صدق كتابه، ويكشف صدق كتابه.. وتتجلى الثقة بالله كقضية وجودية، تحررية، سياسية، وأخلاقية، إنها رفض للطواغيت، وتحرر من هيمنتهم، وإيمان بأن الله لا يدير شؤون عباده إلا بحكمة ورحمة وعدل.. والثقة بالله، في فكر الشهيد القائد، ليست حالة وجدانية فقط، بل موقف عملي في الحياة، في السياسة، في الجهاد، في التربية، وفي كل ميادين المواجهة.

ووفقا لهذه الرؤية للمشروع القرآني تفتح للقرآن أفقًا حضاريًا واسعًا، وتُعيد له مكانته كمصدر للوعي والقوة والتحرر، لا مجرد كتاب تلاوة وشعائر، ومن هنا تنبع أهمية العودة الجادة لتدبر آياته، كما فَعَل الشهيد القائد، لنفهمها، ونعيشها، وننطلق بها نحو التغيير الحقيقي.

وتنظر المنهجية القرآنية إلى الثقة بالله والنصر الإلهي هو الكفيل بحماية الأمة، وأن العدو مهما بغى، لن يضرّ إلا بالأذى، وسيُولي الأدبار عند المواجهة الحقيقية، مستشهداً بالآية الكريمة: [ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى ]: ((فنحن إذا كنا ننطلق في محاربة اليهود والنصارى على وفق الحقائق الإلهية فإنه العمل الصحيح والموقف الثابت الذي ينسجم مع الواقع، والذي يدفع عن الناس الكثير، الكثير من خطرهم، والكثير من شرهم فيصبح شرهم بالنسبة لنا على النحو الذي ذكره الله في القرآن: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران:111).

التوكل: العمل لا التواكل

يقول الشهيد القائد “رضوان الله عليه” أن التوكل على الله لا يعني انتظار الفرج دون عمل، بل أن يكون الإنسان في ميادين المسؤولية، مجتهداً ومبادراً، مستعيناً بالله في كل خطوة.

ويري الشهيد القائد في أحد الدروس في قولة تعالي {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ومن الذي يحتاج إلى أن يتوكل على الله إلا من لديه اهتمام بأمر الله، من هو دائم اللجوء إلى الله، من هو عظيم الثقة بالله، فتصبح صفة لديه، وتصبح صفة لديهم، هؤلاء المؤمنين أنهم دائماً على ربهم يتوكلون، لكن ليس – كما قلنا سابقاً – إيْكَال الأمور إليه فلينطلق هو، فيكون واقعهم كما قال بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}. يتوكلون على الله وهم في ميادين العمل لإصلاح الأمة، والاهتمام بأمر الدين، وإصلاح أنفسهم، اتكالهم على الله، اهتداؤهم به، استرشادهم به، التجاؤهم إليه، رجاؤهم العظيم فيه، أن يوفقهم، ويرشدهم، ويهديهم، ويلطف بهم ويرعاهم.

منهج قرآني يحوّل اليمن إلى قوة إقليمية

تجلّت مبادئ المشروع القرآني في الموقف اليمني من الحرب على غزة، ففي الوقت الذي قدّمت فيه بعض الأنظمة الإقليمية خطاب التهدئة أو الصمت، اختار اليمن أن يكون في صف المظلوم، مستنداً إلى قيمه القرآنية.

وحول هذا الموضوع يوضح منهج الشهيد القائد حسين الحوثي “رضوان الله عليه” أن الانتصارات ترتبط ارتباطا وثيقًا بالإيمان الراسخ، والثقة بالله، والتوكل عليه، وتجسد هذه العناصر الهوية الإيمانية كمنهج عملي، قائلاً: “ترتبط الانتصارات ارتباطًا وثيقًا بالإيمان الراسخ، والثقة المطلقة بالله، والتوكل عليه، وتجسد هذه العناصر الهوية الإيمانية كمنهج عملي وليس مجرد شعارات، الانتصار ينبع من قوة الثقة بالله والتفكر في آياته لزيادة اليقين، في حين أن ضعف الإيمان يؤدي إلى الهزيمة عند أول اختبار. هذه العلاقة تعتمد على الركائز الأساسية للمشروع القرآني: الأمة، والقيادة، والمشروع”.

ومن منطلق المشروع القرآني، برز اليمن قيادة وشعبا كأقوى بلد مساند لمظلومية غزة، وذلك بفرضة حصار بحري على الكيان الصهيوني، وتنفيذ عمليات عسكرية بالصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيرة مستهدفا مواقع عسكرية حساسة للاحتلال الإسرائيلي في عمق المدن الفلسطينية المحتلة.

هذه المواقف والتحركات لم تكن مجرد ردود فعل سياسية، بل جزءاً من رؤية استراتيجية تستند إلى مفهوم النصر الإلهي وإلى واجب الأمة تجاه القضية الفلسطينية.

الصرخة والتثقيف القرآني والمقاطعة.. أسلحة مواجهة الهيمنة

قدّم الشهيد القائد في المشروع القرآني الذي أسسه ثلاثة محاور أساسية شكلت أساس المواجهة مع الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.. وهي التثقيف القرآني، والصرخة في وجه المستكبرين” بشعار البراءة من أمريكا وإسرائيل، وهو شعار [الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام]، والدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية.

وبهذه العناصر الثلاثة للتثقيف القرآني كانت هي الأسس في مقابل الهجمة الأمريكية والإسرائيلية والغربية غير المسبوقة على أمتنا الإسلامية في المنطقة العربية وغيرها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي خططت لها الصهيونية لتجعل منها ذريعة لحملة عدوانية شاملة تهدف إلى استحكام السيطرة الأمريكية والإسرائيلية والغربية على أمتنا، واجتياح أوطانها، وطمس هويتها والسيطرة على ثرواتها، لافتاً إلى أن “الأنظمة الرسمية آنذاك سارعت لفتح المجال والخضوع لأمريكا وفتح كل الأبواب أمامها في كل المجالات، وبما يمكنها من السيطرة التامة، وأن السلطة في اليمن آنذاك كانت من المسارعين إلى ذلك، حيث سارعت تحت عنوان التحالف مع أمريكا لمحاربة الإرهاب، وفتحت للأمريكيين كل المجالات ليتدخلوا في كل شيء”.

أن المشروع القرآني هو النموذج المفيد لبقية الأمة، وإسهامه فيما يتعلق بواقع الأمة بشكل عام، لأنه مشروع ليس مؤطراً في مستوى هذا البلد، وكانت المواقف الإسرائيلية واضحة في حجم القلق الكبير عبر المجرم نتنياهو وغيره عن ذلك، كذلك الأمريكية، ولكن الأمريكي وكأسلوبه يسعى دائماً لتوريط الآخرين.. وهو ما أكده السيد القائد في أحد خطاباته.

وقد شرح السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن هذه الأدوات لم تكن مجرد شعارات، بل حائط صدّ أمام الموجة الأمريكية الإسرائيلية بعد أحداث 11 سبتمبر، حين سارعت الأنظمة إلى فتح أبوابها أمام واشنطن.

الاستقلال السياسي.. وصناعة اليمن الحر

يركّز المشروع القرآني على تحرير القرار الوطني من الهيمنة الأجنبية، وهو ما يؤكده السيد القائد في أكثر خطاباته أن اليمن لا يمكن أن يكون بلداً حراً إلا إذا امتلك قرارَه وسيادته، ورفض الوصاية الخارجية.

وقد مثّل هذا المبدأ حجر الأساس في المواقف اليمنية خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً في مواجهة النفوذ الإسرائيلي والغربي في المنطقة، وقد تجلّى هذا المبدأ في العمليات العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن ومواجهة المشاريع الاستعمارية الجديدة، وحماية الهوية الدينية والثقافية للمجتمع اليمني.

ويشدد السيد القائد على أن المشروع القرآني ليس شأناً يمنياً محضاً، بل هو دعوة للأمة كلها للعودة إلى القرآن كمنهج نهضة وتحول حضاري.

ومع ما يشهده العالم من أزمات سياسية واقتصادية، يبدو المشروع القرآني بقيمه ومبادئه ومواقفه من بين أكثر المشاريع قدرة على إعادة تشكيل واقع الأمة، وبناء نموذج استقلالي يرفض التبعية.

اليمن.. حين يصبح الإيمان قوة تصنع التاريخ

من خلال المشروع القرآني، ومنهج الثقة بالله، ورؤية الشهيد القائد، استطاع اليمن أن يتحول إلى فاعل إقليمي مؤثر في موازين الصراع، مقدماً نموذجاً يثبت أن الأمة قادرة على النهوض إذا عادت إلى القرآن واعتمدت على الله وتحررت من الخوف والخضوع.

هذا النموذج ليس مجرد مواقف أو عمليات عسكرية، بل مسارٌ حضاري وإيماني يعيد تشكيل الهوية ويرسّخ الإيمان بأن الأمة قادرة على صناعة مستقبلها بعيداً عن الهيمنة.

ووفقاً لرؤى الباحثين والمفكرين، فإن المشروع القرآني في اليمن يمثّل فرصة تاريخية للأمة الإسلامية لاستعادة دورها الريادي، ويشكّل عقبة كبرى أمام القوى الاستعمارية لأنه يطرح نموذجاً استقلالياً عميق الجذور، واضح الرؤية، شديد الارتباط بالقرآن.

قد يعجبك ايضا