الحضارة الغربية: شعارات إنسانية وعدوان ممنهج

الحقيقة _ رياض راصع

تتجلى الحضارة الغربية اليوم كقوة عظمى تسعى لفرض نفوذها على الشعوب والأمم، متخفّية وراء شعارات براقة عن الحرية وحقوق الإنسان. غير أن هذه الشعارات لا تعدو أن تكون أدوات لتبرير التدخلات وإعادة تشكيل الدول بما يخدم مصالح الغرب، بعيدا عن أي اعتبار لكرامة الإنسان أو حق الشعوب في تقرير مصيرها. ومع كل احتلال، أو حصار، أو تدخل ، تتكشف الطبيعة الحقيقية لهذه الحضارة: واجهة تزعم الإنسانية، بينما عمليا تقوم على السيطرة، والقهر، وإسكات إرادة الشعوب.

الحضارة الغربية بين الهيمنة والشعارات الزائفة

قال السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي خلال لقاء موسع لتدشين فعاليات المولد النبوي الشريف 1442هـ: “إن الحضارة الغربية ليس فيها ذرة من الرحمة، فهي تدوس المجتمعات البشرية، وتصادر حريات الشعوب، وتنهب ثرواتهم، وتحتل بلدانهم، ثم تأتي لتتحدث عن حقوق الإنسان”. وتكشف هذه الممارسات عن الطبيعة الحقيقية للحضارة الغربية، التي تقدم نفسها للعالم كحاملة للقيم الإنسانية بينما تمارس في الواقع سياسات قائمة على القهر والسيطرة وإسكات إرادة الشعوب. فشعارات الحرية وحقوق الإنسان لم تعد سوى واجهة براقة لتبرير التدخلات ونهب الثروات وفرض الهيمنة، كما يظهر جليا في ما تدأب عليه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية من ترويج حضاراتهم على أنها حضارات الرقي والتطور والحرية، رغم تناقض التاريخ والحاضر وارتكابهم جرائم إنسانية بحق شعوب كثيرة.

وفي كلمته بذكرى عاشوراء 1445هـ، أكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن “الحضارة الغربية حضارة همجية تتنكر للأخلاق والقيم الإنسانية وتظلم وتبطش وتجور ولا ترع للمقدسات حرمة”، مشددًا بذلك على طبيعة هذه الحضارة الحقيقية التي تتناقض مع شعاراتها المعلنة. كما أشار السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في كلمة له خلال تدشين الدورات الصيفية 1445هـ إلى أن “حضارة الغرب يغلب عليها الهمجية والإجرام والاستباحة لكل شيء”، ما يعكس جوهر هذه الحضارة وأسلوب تعاملها مع الشعوب والمجتمعات.

إن الحضارة الغربية لا تكتفي بالقهر المباشر، بل تعمل على تزييف وعي الشعوب وتسويق نمط حياة غربي يبعدها عن هويتها وقيمها الأصيلة. فهي تسعى لفرض ثقافة وأخلاق تتناقض مع الدين والموروث الاجتماعي، وتخلق حالة من الاضطراب والانقسام داخل المجتمعات، ما يؤدي إلى تفككها وفقدان استقلاليتها. ولذلك، فإن مواجهة هذا المشروع تتطلب تمسك الشعوب بقيمها الدينية والثقافية، والوعي الكامل بالمخاطر التي تمثلها السياسات الغربية الزائفة، وعدم الانجرار وراء الشعارات الرنانة التي تخفي وراءها القهر والاستغلال ونهب مقدرات الأمم.

حضارة الغرب وتشريع الانحراف الأخلاقي

تتبنى الحضارة الغربية سياسات تهدف إلى تقويض القيم الأخلاقية، وصولاً إلى تحويل الانحراف الأخلاقي إلى مسألة مقننة ومقبولة اجتماعياً، بما يخدم أهداف الهيمنة الفكرية والثقافية على الشعوب. وقد أشار السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في كلمته خلال تدشين الدورات الصيفية 1445هـ إلى أن “حضارة الغرب تشطب الأخلاق من الواقع الإنساني وصولاً إلى أن تتحول مسألة الشذوذ الأخلاقي إلى مسألة مقننة”، مؤكدا الطبيعة الهمجية لهذه الحضارة التي تتنكر للقيم والأخلاق الإنسانية. وأضاف السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد (عليه السلام) 1445هـ إلى أن “الترويج لفاحشة الشذوذ الجنسي هو استهداف للأسرة والنسل البشري، ويعملون على تفكيك المجتمع بشكل تام وتمييعها للسيطرة عليه واستعباده”. فالترويج لنمط حياة يتعارض مع الدين أصبح أداة لاستنزاف المجتمعات وإبعادها عن هويتها وقيمها الأصيلة، فيما تُستخدم وسائل الإعلام والمنصات الثقافية الغربية لإقناع الرأي العام بقبول هذه الممارسات، ما يخلق بيئة خصبة لتهميش المبادئ الأخلاقية وترويج الفوضى الاجتماعية. ومن خلال هذا المسار، يتحقق الهدف الأكبر للغرب: إنشاء مجتمع خاضع، ضعيف، متفكك، بعيد عن جذوره الدينية والثقافية.لذلك يصبح وعي الشعوب بخطر هذه السياسات والتمسك بالأسس الدينية والثقافية ضرورة ملحّة للحفاظ على الهوية وصون قيمها الأصيلة أمام محاولات الغرب لخلق نموذج يتناقض مع طبيعتها.

الحضارة الغربية ودعمها المطلق للعدو الإسرائيلي

تظهر وحشية الحضارة الغربية بوضوح في دعمها الكامل والواسع للكيان الإسرائيلي، حيث أصبح الأمريكي ومعه الدول الأوروبية شريكاً أساسياً في استمرار إجرام العدو الإسرائيلي واحتلاله. وهذا ما أكد عليه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في كلمة له حول مستجدات العدوان على قطاع غزة 5 ربيع الأول 1447هـ حين قال: “إن من يتأمل ما يقدمه الغرب للعدو الإسرائيلي يدرك أن الحضارة الغربية هي أكبر داعم للعدو الإسرائيلي بوحشيته وإجرامه وطغيانه”.

فالولايات المتحدة وحدها صرفت نحو 17.9 مليار دولار كمساعدات عسكرية خلال عام واحد منذ بداية العدوان على غزة، وفق تقرير معهد “Costs of War”. كما أعلنت مصادر عدة أن الدعم الأمريكي وصل إلى 22 مليار دولار منذ أكتوبر 2023، شملت تزويد الكيان الصهيوني بأنظمة دفاع صاروخي، وقنابل دقيقة، وطائرات ومروحيات هجومية. ويشير تقرير آخر إلى أن نحو 78% من الأسلحة التي استلمها كيان العدو الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة جاءت من الولايات المتحدة. هذا الدعم لا يقتصر على صفقات كبيرة فقط، بل يمتد عبر آليات متعددة مثل التمويل العسكري المباشر والمبيعات المباشرة وأسلحة من مخزونات أمريكية.

وأكدت وزارة حرب العدو الإسرائيلي أن أكثر من 1000 طائرة، معظمها أمريكية، محملة بالمعدات العسكرية هبطت في “إسرائيل” منذ بداية الحرب على غزة، إضافة إلى 150 سفينة نقلت أكثر من 120000 طن من الأسلحة والمعدات العسكرية، ما يعكس حجم الدعم الغربي غير المسبوق الذي يمكّن العدو الإسرائيلي من تنفيذ عملياته العسكرية دون عائق. وبفضل هذا الدعم الكبير والهائل، الذي يتلقاه العدو الصهيوني من الغرب، يستمر في عربدته واستباحته وقتله لأبناء الشعب الفلسطيني والأمة، وتنفيذ عملياته العسكرية بحرية تامة، ما يفضح ازدواجية الحضارة الغربية التي تدّعي الدفاع عن القيم الإنسانية بينما ترمي بثقلها لتمكين العدو الصهيوني من مقدرات شعوب أمتنا وثرواته.

خاتمة

لقد أظهر الدعم الغربي المطلق للعدو الإسرائيلي، مقرونا بازدواجية شعاراته حول الحرية وحقوق الإنسان، حقيقة الحضارة الغربية التي تتخفّى خلف الأقنعة الإنسانية بينما تعتمد في جوهرها على القهر والهيمنة وإخضاع الشعوب. فكل ما تمارسه من انحياز أعمى وعدوان سياسي وعسكري يكشف طبيعتها الحقيقية البعيدة عن كل القيم التي تدّعي تمثيلها.
وفي مواجهة هذه السياسات والمخططات، يصبح وعي الشعوب بحقيقة ما يجري، وتمسكها بدينها وثقافتها وهويتها، والعودة الصحيحة إلى القرآن، هو السلاح الأقوى لحماية مقدراتها وصون كرامتها، وإفشال كل مشاريع الطغاة والمستكبرين.

قد يعجبك ايضا