العالم يصمت والاحتلال يقصف: قتل وتهجير وحصار مستمر فأين اتفاق وقف النار في غزة؟

هدنة من طرف واحد.. الاحتلال الإسرائيلي يخرق الاتفاق ويعمّق المأساة الإنسانية في غزة

اتفاق بلا التزامات: غزة تنزف رغم دخول الهدنة شهرها الثاني

الحقيقة ـ جميل الحاج

دخلت غزة شهرها الثاني منذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، لكن المشهد الميداني والإنساني في القطاع يكشفان بوضوح أن الاتفاق بقي حبراً على ورق، والتطبيق الفعلي اقتصر على جانب واحد فقط، هو فصائل المقاومة الفلسطينية، بينما استمر الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ عملياته العسكرية من قصف وقتل وتهجير ومنع للمساعدات، في انتهاك فاضح لكل بنود الاتفاق ولقواعد القانون الدولي الإنساني.

وفي وقت يُفترض فيه أن يشكّل الاتفاق خطوة أولى نحو التهدئة ومنح المدنيين متنفساً بعد أكثر من عامين على العدوان، تُظهر الوقائع العكس تماماً، إذ يعيش القطاع تحت القصف والحصار، فيما يشاهد العالم المشهد بصمت، وكأنها الأيام الأولى للعدوان.

وتزيد خطورة ما يجري أن أطرافاً دولية يفترض أن تكون ضامنة للاتفاق وعلى رأسها الولايات المتحدة وتركيا وقطر ومصر، ولكنها تمارس صمتاً وتواطؤاً واضحين، بل وتبرّر في كثير من الأحيان عمليات الاحتلال، وتُسوّغ قيوده على دخول المساعدات، رغم أن هذه البنود كانت أساسية في الموافقة على تنفيذ الاتفاق.

 خروقات الاحتلال: أكثر من 250 خرقاً موثّقاً

تشير بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن الاحتلال ارتكب أكثر من 250 خرقاً موثقاً منذ بدء تنفيذ وقف إطلاق النار، توزعت بين قصف مباشر، واستهداف منازل، وإطلاق نار على أطراف المدن والمزارعين والعمال، إضافة إلى استمرار سياسة نسف المنازل في ما يسمى «الخط الأصفر» شرق القطاع.

وتؤكد الوقائع على الأرض أن إسرائيل تستخدم الاتفاق كغطاء سياسي وإعلامي لمواصلة جرائمها، دون أي التزام فعلي، في وقت تلتزم فيه المقاومة بالاتفاق بالكامل، رغم التوتر المتصاعد وارتفاع عدد الشهداء نتيجة الخروقات.

شهداء وجرحى رغم الاتفاق

تُظهر أرقام وزارة الصحة في غزة حجم المأساة المتواصلة:

242 شهيداً منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار.

622 إصابة جراء استهدافات مختلفة.

انتشال 529 جثماناً من تحت الأنقاض خلال الفترة ذاتها، ما يكشف استمرار القصف وعمليات التدمير.

وتُضاف هذه الأرقام إلى حصيلة العدوان منذ 7 أكتوبر 2023، والتي بلغت 69,179 شهيداً و170,693 إصابة، في أرقام غير مسبوقة في تاريخ المنطقة.

وتعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إلى العديد من الضحايا، بسبب استمرار القصف، ومنع الاحتلال وصول الفرق الطبية إلى بعض المناطق، خصوصاً الشرقية والشمالية منها.

 ميدانياً: دمار متجدد وقصف ممنهج

خان يونس… قصف وتفجيرات واسعة

شهدت مدينة خان يونس جريمة جديدة، حيث وصل إلى مستشفى ناصر شهيدان نتيجة قصف إسرائيلي شرق المدينة، وأكّد شهود عيان وقوع عمليات تفجير واسعة نفذتها قوات الاحتلال في المناطق الشرقية، تلاها تصاعد كثيف للدخان، في مشهد بات يتكرر بشكل شبه يومي.

ويؤكد مواطنون أن جيش الاحتلال يتعمد تدمير ما تبقى من المنازل في تلك المناطق لإقامة «منطقة عازلة» واسعة على الحدود الشرقية، وهي خطوة تشكل انتهاكاً صارخاً للاتفاق وللقانون الدولي.

غزة المدينة… غارات على مناطق مدمّرة

لم تسلم مدينة غزة من الخروقات، إذ شنّ الطيران الحربي عدة غارات على مناطق خاضعة لسيطرة قواته، ما يكشف أن الهدف ليس استهداف خلايا مسلحة، بل توسيع رقعة الدمار. وتركزت الغارات في حي الزيتون، ما أدى إلى تدمير منازل جديدة، وسط تحليق مكثف للطائرات المسيّرة.

أما حي الشجاعية، فشهد عمليات إطلاق نار كثيفة من الدبابات الإسرائيلية، منعاً لعودة الأهالي إلى منازلهم أو تفقد ما تبقى منها. كما طاولت الخروقات الأطراف الشرقية لوسط القطاع، في إطار سياسة تهدف إلى إفراغ المنطقة من سكانها.

ملف الجثامين: جريمة مضاعفة

أعادت سلطات الاحتلال مؤخراً 15 جثماناً لشهداء فلسطينيين عبر الصليب الأحمر، ليرتفع عدد الجثامين المُسلّمة منذ بدء الاتفاق إلى 315 جثماناً.

لكن الصدمة كانت أكبر من مجرد الأرقام، إذ تشير وزارة الصحة إلى أن معظم الجثامين تحمل آثار تعذيب وتنكيل، مثل:

ـ تقييد الأيدي.

ـ ربط على الوجه والعينين.

ـ آثار رصاص من مسافة قريبة.

ـ علامات خنق بالحبال.

وتعكس هذه المشاهد جريمة مركّبة، إذ لا يقتصر الأمر على قتل الأسرى أو الجرحى، بل يمتد إلى إخفاء الجثامين وتركها تتحلل قبل تسليمها، في انتهاك لكل المواثيق الدولية المتعلقة بالأسرى والشهداء.

وبسبب التشويه الشديد، تمكنت العائلات من التعرف على 91 جثماناً فقط من أصل 315، بينما جرى دفن عشرات الجثامين مجهولة الهوية.

ويأتي تسليم الجثامين الـ 15 بعد تسليم المقاومة جثمان الضابط الإسرائيلي هدار غولدن، ما يوضح أن الاحتلال يتعامل مع ملف الجثامين كأداة ابتزاز سياسي، وليس قضية إنسانية كما يجب.

 المساعدات.. بند على الورق وحصار على الأرض

رغم نص الاتفاق على السماح بدخول 600 شاحنة مساعدات يومياً، يواصل الاحتلال التحكم بشكل كامل فيما يدخل إلى القطاع، ولا يسمح إلا بكميات ضئيلة للغاية، ما يؤدي إلى استمرار الأزمة الإنسانية وتفاقمها.

وفي ظل شتاء قاسٍ، أعلنت اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة وصول أول دفعات خيام الإيواء ضمن الجسر البري الذي أطلقته الدوحة، وتشمل الشحنة الأولى جزءاً من 87,754 خيمة مخصصة لإيواء أكثر من 436 ألف نازح.

غير أن هذه الجهود تصطدم بواقع مرير، حيث يواصل الاحتلال منع دخول مواد البناء، والوقود، والمعدات الطبية، ما يجعل مواجهة آثار العدوان شبه مستحيلة.

 شتاء يهدد حياة مئات الآلاف

مع بداية الأمطار، تؤكد جهات محلية ودولية أن غزة بحاجة إلى 300 ألف خيمة إضافية لإنقاذ النازحين الذين يعيشون في مخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحماية.

وفي رفح، حذرت البلدية من «أزمة إنسانية غير مسبوقة»، حيث يعيش عشرات الآلاف في مخيمات مكتظة ومفتوحة، معرضة للغرق في أي منخفض جوي.

ويقول رئيس بلدية رفح أحمد الصوفي إن أي موجة أمطار قد تؤدي إلى مأساة حقيقية، خاصة للأطفال وكبار السن، الذين يعيشون في ظروف لا تتوافق مع الحد الأدنى من المعايير الإنسانية.

اتفاق بلا ضمانات… وغزة على حافة الكارثة

ـ تشكّل المعطيات السابقة مجتمعة صورة قاتمة:

ـ وقف إطلاق النار غير مطبّق فعلياً.

ـ القتل والتدمير مستمران.

ـ المساعدات مُقيّدة.

ـ النازحون يعيشون فصلاً جديداً من المأساة.

وفي ظل غياب رقابة دولية أو إرادة سياسية حقيقية لفرض تنفيذ الاتفاق، تبقى غزة تحت رحمة قوة عسكرية لا تلتزم بأي ضوابط، بينما يكتفي العالم بالفرجة.

دخل الاتفاق شهره الثاني… لكن غزة ما زالت تنزف، وأهلها ما زالوا ينتظرون موقفاً دولياً يوقف المأساة، ويعيد للاتفاق معناه، وللحياة حقها.

قد يعجبك ايضا