كيف تكون الحرب “وشيكة” على إيران والجولة الخامسة إيجابية!

د. محمد شمص*

خمس جولات من المفاوضات النووية المعقدة التي ينتظر نتائجها المنطقة والعالم وليس فقط الإيرانيون والأميركيون لما لها من تأثير كبير على مسار الإقليم ومستقبله وازدهاره، وملفات المنطقة الشائكة، والتصعيد المتواصل من خلال الحرب الأميركية الإسرائيلية على دول المنطقة وشعوبها بدءً من غزة وصولا الى طهران.

انقسم العالم حول المعضلة النووية الإيرانية المفتعلة إلى إرادتين:

الأولى إسرائيلية ومعها شركاء في واشنطن، وأدوات وأبواق خليجية وعربية كانت ترجو دائما ان يخرج الدخان الأسود من قاعة مفاوضات روما النووية ليبدأ بعدها العدوان الإسرائيلي على منشآت إيران النووية واندلاع حرب شاملة في المنطقة، ويُمنّون النفس بأن تكون “ساحقة ماحقة” تغير المعادلات الاستراتيجية، وتجهز على رأس محور الممانعة والمقاومة في الجمهورية الإسلامية.

هؤلاء طال انتظارهم لعقود من الزمن وهم يرددون في كل محطة أن الحرب على إيران “وشيكة” علماً بان المفاوضات بين إيران والغرب انطلقت منذ عام 2003 أي أكثر من 22 عاما وما تزال برأيهم “وشيكة”، ويرفعون شعارات كبيرة براقة مخادعة مثل ” القرار اتُخذ” و “العالم تغير” و ” المحور بات أضعف” وغيرها من العناوين، إلا ان آمالهم كانت تخيب في كل مرة، وكانوا يستيقظون على واقع موازين القوة الإقليمية التي عجزت الدول العظمى و “الغرب الجماعي” على تغييرها.

أما الإرادة الثانية، فهي ترى في المفاوضات النووية والحلول الدبلوماسية بارقة أمل للمنطقة لتنعم بنوع من الهدوء والاستقرار والازدهار، وعودة الحياة الطبيعية الى دولها وشعوبها، يدعم هذا الخيار الدبلوماسي إرادة جامعة في طهران رغم الشكوك بالنوايا الأميركية، والتفاؤل المشوب بالحذر، والدعوات بان “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”، ومعها دول الخليج التي تدرك حجم الكارثة والمخاطر إذا ما فشلت المفاوضات وانهارت بصورة دراماتيكية، أما في واشنطن فقد تغلبت حتى الساعة قناعة وإرادة الرئيس دونالد ترامب ونائبه وفريق من الجمهوريين والديموقراطيين بأن الخيار الدبلوماسي مع إيران هو السبيل الوحيد لتأمين المصالح الأميركية او بعضها. ويواجه هذا الفريق مساعي اللوبي الصهيوني لإفشال المفاوضات، والفريق المعارض لها ويتمثل في وزيري الدفاع والخارجية وقائد المنطقة الأميركية الوسطى الجنرال مايكل كوريلا.

الجولة الخامسة: إيجابية وتقدم غير محسوم

بعد أيام من التصعيد في المواقف الأميركية التي تتناقض مع ما يطرح في المفاوضات واعتبرتها طهران مراوغة  أميركية وازدواجية، وكان أهمها تصريح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بان “على إيران تصفير تخصيب اليورانيوم”، والرد الإيراني الذي جاء من أعلى مستوى قيادي الامام السيد علي الخامنئي حيث قال إن لدى إيران ثوابت” ونحن لا ننتظر إذناً من أحد” للتخصيب، وبعد نشر تسريبات أمنية مقصودة في شبكة CNN الأميركية عن رصد تحركات وإشارات لتحضيرات إسرائيلية لشن عدوان على إيران، عُقدت الجولة الخامسة من المفاوضات النووية الإيرانية الأميركية في روما برعاية وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي. جولة وصفها الوسيط العُماني في تغريدة له على منصة X بأنها حققت” تقدماً غير محسوم” مشيراً الى أجواء إيجابية وأضاف” نأمل في توضيح القضايا المتبقية في الأيام المقبلة.. للوصول الى اتفاق مستدام” ما يعني ان هناك جولة سادسة من المفاوضات.

الوزير عراقجي رحب بما وصفه الاقتراح العُماني معلقاً على تغريدة البو سعيدي قائلا”: ” طرح وزير الخارجية العُماني بعض الأفكار ومن المتوقع ان يعرض كلا الجانبين وجهات نظرهما”. وقد وصف الوزير الإيراني الجولة الخامسة بأنها كانت “هادئة في أجواء معقولة” و “الأكثر مهنية وتعقيدا”، هذه الإيجابية عبر عنها موقع اكسيوس الأميركي الذي كشف تفاصيل المفاوضات وقال إنها كانت” مثمرة للغاية” واستغرقت 3 ساعات. ويبدو واضحاً أن الإعلام الأمريكي المتصل بالقرار في البيت الأبيض حريص على إشاعة الأجواء الإيجابية للمفاوضات.

المفاوضات النووية والموساد

في خطوة لافتة، وقبل موعد الجولة الخامسة بساعتين التقى المبعوث الأمريكي الخاص الى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف مع رئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع في روما استمر الاجتماع 40 دقيقة وفق موقع اكسيوس، ما أدى الى تأخر وصول ويتكوف الى قاعة المفاوضات بنحو عشرين دقيقة.

لقاء ويتكوف مع الموساد كان لافتاً في توقيته، وفي الشكل أيضاً حيث كان معلناً خلافاً للقاءات السابقة المغلقة والسرية، والهدف أولاً طمأنة الإسرائيليين على مسار المفاوضات عبر إشراكهم بالتفاصيل والاستماع الى مشورتهم ورأيهم، وثانيا، لجم نتنياهو واندفاعته نحو افتعال حرب مع إيران يورط فيها الأميركيين، ولا يفضلها دونالد ترامب.

اللافت أيضا انه قبيل انتهاء جولة المفاوضات بعشرين دقيقة خرج ويتكوف، متذرعا بما قيل “جدول رحلاته الجوية” ولم تكن مقنعة لأحد، فيما واصلت الفرق التقنية مناقشاتها، ما ترك انطباعاً لدى البعض بان المفاوض الأمريكي غير مرتاح لسير المفاوضات، إلا ان التسريبات التي ظهرت لاحقا عن الطرفين تحدثت عن أجواء إيجابية.

المعضلة النووية في التخصيب

وتبقى المعضلة الأساس محل الخلاف بين إيران وأمريكا هي تخصيب اليورانيوم داخل إيران، بعض المعلومات أشارت الى ان طهران ألمحت الى إمكانية تقديم ضمانات كبادرة حسن نية عبر إيقاف التخصيب مدة ثلاث سنوات، وتحتفظ لنفسها باستئناف التخصيب إذا تملص الجانب الأميركي من تعهداته والتزاماته، والاقتراح الآخر الأكثر ترجيحا هو السماح لشركات غربية المشاركة في عمليات تخصيب اليورانيوم داخل إيران، إلا ان هذه المعطيات غير مؤكدة وقد بددها كلام الإمام الخامنئي الأخير حين قال للأمريكي: ” من انت لتأذن لي” بالتخصيب، ما يعني ان موضوع أصل التخصيب يبدو من الثوابت الإيرانية، ويمكن القول ان إيران متمسكة بثوابت أربعة أساسية وما دونها قابل للنقاش هي:

-تخصيب اليورانيوم داخل إيران.

-عدم السماح بتفكيك البرنامج النووي الإيراني على غرار البرنامج النووي الليبي.

-عدم المس بالسيادة الإيرانية لا سيما البرنامج الصاروخي البالستي.

-رفض النقاش حول علاقات إيران الخارجية لا سيما مع حلفائها في حركات المقاومة.

قد يتساءل البعض كيف تكون أجواء المفاوضات النووية في جولاتها الخمس إيجابية! وهل هناك تكافؤ بين أمريكا وإيران كي تستمر هذه المفاوضات؟ لماذا لا تشن أمريكا الحرب على إيران إذا كانت قادرة على ذلك؟

الإجابة عن هذه التساؤلات بالعودة الى قوة المفاوض الإيراني، والأهم الى  الإجراءات الإيرانية وأوراق القوة التي تمتلكها الجمهورية الإسلامية وألمحت، بل صرحت باللجوء اليها في حال اندلاع الحرب، واهمها:

-الإجماع الرسمي والشعبي في الجمهورية الإسلامية على الثوابت والتفاوض.

-تهديد عدد من القادة السياسيين والعسكريين بإغلاق مضيق هرمز الحيوي والاستراتيجي.

-التلميح بالذهاب الى امتلاك القنبلة الذرية وتغيير العقيدة النووية تحت ضغط المجتمع الإيراني.

-استنفار وجهوزية القوات المسلحة الإيرانية حرس الثورة والجيش والبسيج، ونشر إيران أصولها العسكرية، وكشفها عن امتلاك اكثر من مئة وخمسين مدينة صاروخية ضخمة تحت الأرض في كل انحاء إيران، وتركيب منصات صواريخ دقيقة ومنظومات الدفاع في جزر استراتيجية على مرمى حجر من دول الخليج وهي جزر طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى.

-إدراك الأميركيين ان لدى إيران الشجاعة والقدرة على استهداف السفن والبوارج وحاملات الطائرات الأميركية في الخليج وتدميرها (نموذج اليمن المصغر عن شكل الحرب اختبره الأميركيون في البحر الأحمر وقد فشل).

-القدرة على استهداف كافة القواعد العسكرية الأمريكية العشرة في المنطقة.

-القدرة العملية على استهداف وتدمير منشآت إسرائيل النووية ومنشآتها النفطية والغازية، والمواقع الحيوية داخل الكيان المؤقت( عملية الوعد الصادق 2 نموذج متواضع عن شكل الحرب الشاملة).

-توجيه إنذار شديد اللهجة للقادة السياسيين والعسكريين في دول الخليج مفاده أن الجمهورية الإسلامية ستعتبر هذه الدول شريكة في الحرب لان الأمريكي سيستخدم القواعد العسكرية الموجودة فيها، وسيستخدم الأجواء الخليجية، وبالتالي لن تستطيع هذه الدول منع الأمريكي او رفض طلبه خلافا لما يعلنه الحكام الخليجيون بانهم لن يقبلوا بان تكون دولهم منطلقا للحرب على إيران. التهديد الإيراني لا ينحصر بالقواعد العسكرية الأميركية في الخليج، بل يشمل المنشآت النفطية والحيوية فيها على قاعدة ان “النفط للجميع او لا لأحد”.

إذن هي مفاوضات جدية تتسم بالإيجابية على وقع قرع طبول الحرب بين الجانبين، ووضع إيران كل الخيارات وأوراق القوة لديها على الطاولة، فهل تستمر الإيجابية للتوصل الى اتفاق نووي مستدام (بالطبع لا سلام بين إيران وامريكا والحديث فقط عن تسوية نووية)، ام أن نتنياهو وشياطينه تكمن في التفاصيل؟

 

*الكاتب:

-إعلامي وباحث سياسي.

– استاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية.

-دكتوراه في الفلسفة وعلم الكلام.

– مدير ورئيس تحرير موقع الخنادق الالكتروني.

[email protected]

قد يعجبك ايضا