من صرخة الحناجر الى صرخة الحديد. || صادق البهكلي
“ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده، بل وفي أماكن أخرى، وستجدون من يصرخ معكم – إن شاء الله – في مناطق أخرى” كان يخاطبهم بكل إيمان وجدية وهو يلقي عليهم محاضرة ” الصرخة في وجه المستكبرين ” كانوا مجموعة من شباب منطقة مران التي تقع في اقصى غرب محافظة صعده .. مران لم تكن مدينة مترامية الاطراف ولا كانت حياً سكنياً متخماً بالمباني الحديثة بل هي مجموعة من المنازل القديمة والبسيطة لمواطنين بسطاء تتناثر على قمم جبل شاهق حولته أناملهم الى مدرجات زراعية تؤمن لهم ابسط مقومات الحياة .. مجموعة صغيرة قد لا تتجاوز حدود الخمسين شخص يقف أمامهم شخص تعلو عليه هيبة المتواضعين بسيط مثلهم ويتكلم بلهجتهم يلقي عليهم كلمات تنساب برقتها لتذوب داخل صدورهم فتشعل فيها جذوة الإيمان ليكونوا رغم بسطاتهم حملة مشروع عظيم سيدخلهم من أوسع أبواب التاريخ.
ليلة الخميس 17 يناير 2002 كان يقول لهم في تلك القاعة البسيطة سيكون لكم شرف عظيم “نحن يجب أن نكون سبّاقين، ونحن – في هذه القاعة – متعلمون وطلاب علم ومتدينين ووجهاء، أن نكون سبّاقين، ليكون لنا فضل السبق، فلنكن أول من يصرخ بهذا الشعار” هتفت الحناجر وتردد لأول مره صدى “شعار الصرخة” في اجواء تلك القاعة لتعلن تلك المجموعة مع ذلك الرجل العظيم آخر لحظة في زمن الخنوع والصمت المذل .. جبل مران الشاهق لم يكن ليدرك انه على موعد جديد ليكون له شرف المفاخرة بأنه حمل أكبر مشروع تحرر في القرن الواحد والعشرين وهل كان لجبل مران الذي تتدحرج من على قممه حتى ذرات صخوره القدرة لينوء بعبء تحمل هذه الأمانة التي أبت السماوات والأرض أن يحملنها.. لعلك تلمس في صمود جبل مران لأعتى العوادي وغضب الحاقدين ويفاجئك بانه لا زال يختزن في باطنه الكثير من العظماء وهو الجبل الذي يكاد يتمايل من نسائم ربيعية دافئة لتصدق هذه الحكاية لكن الحقيقة ان جبل مران يحتضن رجال يحملون في صدروهم جبال من الإيمان والثبات لا تقدر السماوات والارض على حملها ولو لم يكن له من شرف سوى أن رجلاً كالسيد حسين بدر الدين الحوثي يخطو على ثراه..
ليعذرني القارئ لان أتخطى الحديث عن الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي فانا لا املك شرف الحديث عنه ولنترك الحديث عنه لتجليات ما قدمه من حقائق اثبت الواقع انه رجل ثاقب البصر والبصيرة..
لكن لنتساءل معاً عن السر وراء صرخة الحديد التي كانت امتدادا لصرخة حناجر اولئك الشباب وذلك القائد.. ان القادة العظماء هم من يقودون اتباعهم للإيمان بتلك المقولة بأنه ” لا يوجد هدف مستحيل ما دمت مؤمناً به” وهذا ما رسخه الشهيد القائد في أعماق أتباعه متكئ على حقائق قرآنية ووعد رباني لا يمكن ان يختلف او يتبدل ما دامت النفوس باقية على الخط لم تتغير ولم تتبدل .. والا ما الذي كان يملكه السيد حسين في تلك القاعة ماذا يمكننا ان نتصوره، جهاز ميكروفون ومسجلة صغيرة وشريط كاسيت لا غير وربما كان يوجد كاميرا تصوير متواضعة جداً لأنه لم يكن يملك قيمة آلة تصوير جيدة يوثق بها محاضراته لتقّدم للأجيال المتعاقبة بالجودة المتعارف عليها.. وهل كان في تلك القاعة شاب يستطيع ان يمسك الكاميرا ويختار الزاوية المناسبة للتصوير؟ لم يكن في تلك القاعة سوى البساطة بكل معنى الكلمة بساطة النفوس وبساطة المكان وفقط ما يخرج من لسان الشهيد القائد الذي اثبتت الوقائع والأحداث بعد اكثر من 13 عام من ليلة القاء المحاضرة بانه الكلام العظيم والمنطق المشهود..
الحديث عن المعجزة معجزة بحد ذاتها وكما قلت الحديث عن الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي ( رضوان الله عليه ) لا أملك أدواته، فهو شخص عظيم بكل ما تعنيه الكلمة وحينما نقول ” عظيم ” فلأنه من الرجال الذين أنار الله بصائرهم ومنحهم الحكمة وفصل الخطاب وكان يعرج في سلم الكمال الى حيث الرقي والمعرفة الصحيحة، عرف الله فأحبه ووثق به فأحبه الله ومن يحبه الله لا يمكن الا أن يصنع منه رجلاً عظيماً..
لنعود الى الحديث عن ” شعار الصرخة” بعد ان كان يتردد في عام 2002 في قاعة صغير في جبل مران صار اليوم يتردد على كل الخارطة اليمنية وربما تجاوز حدود اليمن و صدحت به حناجر الاف من الشباب وسقوه بدمائهم الزكية ليخلدوه شعاراً بل سلاحاً لكل حر فمن كان يقول في عام 2002 م “الآن الشعار سلاح، الآن الشعار سلاح، وما دام باستطاعة الكل يرفعوه يرفعوه، هو الآن سلاح، هو الآن مؤثر, ومطلوب من الكل أن يستخدموا هذا السلاح المؤثر والسهل والذي هو في متناولهم, أن يهتف بشعار ما هو في متناوله؟ دقيقة واحدة في الأسبوع، أولئك يتحركوا دائماً يسهروا ويتعبوا دائماً وهم يحاولوا كيف يضربونا” [الشعار سلاح وموقف] ويعتبره سلاح في مواجهة البوارج الامريكية وهو لم يتجاوز عن تعبير صوتي فلأنه كأن يؤمن بأن أثر رفع الشعار سيهيئ الاشياء التي يمكن فعلاً ان تضرب البوارج الامريكية وها نحن نسمع اليوم بمنظومة صواريخ ” الصرخة ” وهو ما نعنيه بصرخة الحديد .. اضافة الى منظومة ” الزلزال” بجيليها الأول والثاني التي صارت اليوم سلاحاً نوعياً بأيدي ” المكبرين” ومن صنعهم.
أنها مفارقات تحتاج الى تعميق النظر فيها لأنها تحمل درساً بليغاً وتعطينا رؤية صحيحة عن مشروع قرآني ناجح تخطى الكثير من الحواجز والموانع اجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً ليصبح رقم فوق ما كنا نتصور ويقفز قفزة نوعية في زمن قياسي ليواجه أمريكا الى جانب صرخة الحناجر بصرخة الحديد ومباشرة وجهاً لوجه بعد ان كانت توظف ما بأيديها من عملاء ولازالت الطريق كما يقول ” المكبرين ” طويلة فمشروعهم كما يقدموه هدفه تقديم هدى الله للناس .. لا يمكن تأطيره بحدود المكان والزمان .. لا يبتغون من وراء ذلك لا سلطة ولا تسلط..