ميليشيات الاحتلال في غزة .. أدوات رخيصة محكومة بالفشل ومصيرها الزوال

في شوارع غزة التي ما زالت تعيش آثار الحرب الأخيرة، بقي ملف المليشيات المسلحة المتعاونة مع إسرائيل حاضراً في الأروقة. ومنذ اللحظات الأولى لدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بدأت المقاومة الفلسطينية بملاحقة عناصر هذه المليشيات.

وتؤكد التقارير الإعلامية المتلاحقة أن هذه العصابات لم تولد عفويًا، بل جاءت جزءًا من استراتيجية إسرائيلية واضحة.

وبحسب تحقيقات مجلة Responsible Statecraft الأميركية، تهدف المليشيات إلى تفكيك البنية الأمنية والسياسية الفلسطينية وخلق بدائل محلية قابلة للتحكم.

الجيش الشعبي: من مجرم إلى زعيم مليشيا

ياسر أبو شباب، المعروف سابقًا بأنه مجرم، ومن ثم قاطع طريق أصبح زعيم ما يعرف بـ”الجيش الشعبي”، إحدى أبرز المليشيات في القطاع.

وفقًا لتقارير متطابقة، تشكلت هذه المجموعة بعد اجتياح قوات الاحتلال لمدينة رفح في مايو 2024، وشرعت في تنفيذ عمليات خاصة شملت اختطافات، تصفيات للقيادات الميدانية في المقاومة، ونهب المساعدات الإنسانية.

المصادر المحلية تؤكد أن جيش الاحتلال وفر لها حماية مباشرة، بما في ذلك غطاء جوي ولوجستي، ما مكّنها من العمل بحرية في مناطق محددة.

مليشيات أخرى.. امتداد للسيطرة الإسرائيلية

بعد ظهور عصابة أبو شباب، برزت عصابة العميل حسام الأسطل في خانيونس، و”مليشيات أشرف المنسي شمال غزة، وجميعهم أدوات للاحتلال الصهيوني لتنفيذ مهماته القذرة والتربح من السرقات والسطو.

هذه المليشيات نفذت عمليات ميدانية حساسة، من اقتحام المنازل وفحص الأنفاق، إلى مراقبة المناطق الحدودية.

وتحليل خبراء محليين ودوليين يشير إلى أن وجودها يعمّق الانقسام الداخلي ويضعف أي جهود لإعادة بناء سلطة أمنية موحدة.

وهنا يطرح الكثيرون السؤال التالي لماذا تعد هذه المليشيات سلاحًا مؤقتًا؟

أولًا، الهدف الاستراتيجي: وفق تحقيق Responsible Statecraft، هذه المليشيات ليست مشروعًا أمنياً محلياً، بل أداة إسرائيلية لتفتيت البنية السياسية الفلسطينية وخلق كيانات صغيرة يسهل التحكم بها، مع إبقاء صورة العنف الداخلي الفلسطيني كذريعة لاستمرار السيطرة الأمنية.

ثانيًا، غياب الشرعية الشعبية: السكان يعدونها عصابات نهب واستغلال، لا قوى تحمي المجتمع، ما يضع أي دور مستقبلي لها في إطار هش.

ثالثًا، الاعتماد على تغذية خارجية: التمويل والغطاء اللوجستي من جهات إسرائيلية يجعلها غير قادرة على الاستقلال السياسي أو الأخلاقي، ويحولها إلى أداة مؤقتة لا أكثر.

مصير محكوم بالفشل

ووفق محللين سياسيين تتعدد أسباب فشل هذه التشكيلات، ومن ذلك عمليات النهب والتجاوزات تخلق أعداء محليين أكثر من موالين، والصراعات الداخلية والولاءات العشائرية والقيادات المتنافسة تؤدي سريعًا إلى تفككها، وأي تصادم مع فصائل المقاومة سيضعف هذه المليشيات. كما أن الاعتماد على نهب المساعدات والسوق السوداء غير مستدام، إلى جانب غياب الأفق السياسي، حيث لا يمكنها تولي مهام إعادة الإعمار أو الحكم المحلي، ما يجعل مشروعها بلا مستقبل طويل الأمد.

حماس والمجتمع المحلي: ضبط الفوضى

في المقابل، أعادت حركة حماس تنظيم صفوفها بالتعاون مع فصائل فلسطينية أخرى، لفرض الأمن الداخلي عبر حملات ميدانية مشددة.

وفق تصريحات إسماعيل الثوابتة، المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد أكد أن الأجهزة الأمنية تعمل على تفكيك شبكات النهب والابتزاز، ومراقبة توزيع المساعدات، وإصلاح النسيج الاجتماعي وحل النزاعات العشائرية، لمنع استغلال الاحتلال لهذه الثغرات مستقبلًا.

وقال الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي علاء الريماوي: إن الاحتلال الإسرائيلي ينظر إلى مليشيات غزة التي يدعمها باعتبارها جزءاً من منظومة أمنية تسعى إلى تثبيت وجوده في المناطق الحدودية، ضمن ما يسمى “منطقة الحماية الإسرائيلية”.

وأضاف الريماوي، أن قيادة جيش الاحتلال تدرس خيار الإبقاء على هذه المجموعات في المرحلة المقبلة، لتتولى مهمات الأمن داخل ما تصفه (إسرائيل)  بـ”المناطق العازلة”، مشيراً إلى أن هناك نقاشات داخل المؤسسة الأمنية حول جدوى استمرار هذا النموذج، حيث تشير بعض المصادر إلى أنه يحقق أهدافاً أمنية مرحلية. وفق العربي الجديد.

وبرأي الكاتب، فإن المشهد في قطاع غزة لا يزال ضبابياً في ظل غياب وضوح بشأن مستقبل التهدئة، ولذلك تتجنب (إسرائيل)  حرق أوراقها بالكامل، ولفت إلى أنه رغم تسريبات عن تخلّي الاحتلال عن بعض المليشيات المسلحة وتركها في مناطق الانسحاب، إلا أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تواصل تصنيف هذه التشكيلات وفق قوتها وقدرتها الميدانية، وسط محاولات لدمج بعض العائلات فيها.

وبيّن الريماوي أن المشروع الإسرائيلي لم ينجح بعد في تفكيك الروابط الاجتماعية التي تعيق سيطرة تلك المجموعات على الأرض، لكنه يظل قيد التطوير بمشاركة أجهزة أمنية وسيادية إسرائيلية عدة، لافتاً إلى “أن الاحتلال، في حال قرّر الخروج من غزة، سيترك خلفه هذه المليشيات لتقوم بدور أمني بديل، أما إذا بقيت الاتفاقيات على حالها، فسيُبقي على هذه التشكيلات بصفتها قوة أمنية محلية لا تتبع لأي سلطة فلسطينية، لضمان وجود حاجز ديمغرافي وأمني يفصل بين غزة ومناطق الغلاف”.

سلاح اليوم وفشل الغد

الملف هنا واضح، هذه المليشيات أداة تكتيكية مؤقتة، مرتبطة بدعم خارجي، بلا شرعية محلية، بلا اقتصاد مستدام، ومعرّضة للانهيار داخليًا وخارجيًا. كما أن وجودها قد يعيد توتير الشارع ويعرقل مسارات الإغاثة، لكنه محكوم عليه بالفشل على المدى المتوسط والطويل.

ولكن فيما يبدو فإن غزة وأهلها وإن كانوا قد خرجوا من حرب قاسية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فقد قررت استئصال الورم السرطاني المتمثل بهذه المليشيات.

المركز الفلسطيني للإعلام

قد يعجبك ايضا