سرّ النصر العظيم.. كيف قلبت اليمن معادلة الحرب مع أكثر الجيوش تقدمًا؟
لم ينجح اليمن في زيادة تكلفة عمليات التحالف السعودي الإماراتي والقوات الغربية بشكل حاد فحسب، بل نجح أيضًا في ترسيخ مكانته كلاعب فاعل في معادلات أمن البحر الأحمر، ووفقًا لعدد من الصحف الإخبارية، فقد هاجم الكيان الصهيوني الغاصب، يوم الخميس الماضي، صنعاء، عاصمة اليمن، بعشرين طائرة مقاتلة، ردًا على الهجوم اليمني الناجح والقوي بطائرات مسيرة على ميناء أم الرشاش (إيلات) وبئر السبع في الأراضي المحتلة، وبالطبع، ووفقًا لمصادر يمنية، قوبل هذا الهجوم اليائس، الذي استهدف بشكل رئيسي المناطق السكنية والبنية التحتية الحضرية، بمقاومة شرسة من دفاعات الجيش اليمني.
لقد نجح اليمن، بقيادة حركة أنصار الله، ورغم الحصار الجوي والبحري الشديد، في تطوير أنظمة دفاع محلية واعتماد استراتيجية حرب غير متكافئة، ليس فقط لزيادة تكلفة العمليات بشكل كبير على التحالف السعودي الإماراتي والقوات الغربية، بل أيضًا لترسيخ مكانته كلاعب فاعل في معادلات أمن البحر الأحمر. في هذا الموجز، سنحلل القدرات الرئيسية والتكتيكات العملياتية والعواقب الاستراتيجية لهذا التطور.
تمكن اليمن من إعادة بناء بنيته الدفاعية بفعالية من خلال توظيف ثلاثة ركائز رئيسية، وقد أثبتت هذه الركائز الثلاث عمليًا كيفية الصمود أمام أحدث الأنظمة العسكرية بأقل الموارد.
1ـ الدفاع المتحرك والخفي:
من خلال إعادة توظيف الصواريخ القديمة وإنشاء أنظمة متحركة، أنشأ اليمن بنية دفاعية مرنة وغير متوقعة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك تحويل صواريخ جو-جو روسية مثل R-27 إلى أنظمة سطح-جو اختراقية، عادةً ما تُركّب هذه الأنظمة على مركبات خفيفة ويمكن نقلها بسرعة بعد إطلاقها، تجلّت فعالية هذه الاستراتيجية بوضوح في إسقاط مقاتلة سعودية من طراز F-15SA عام 2024، بالإضافة إلى طائرة أمريكية مسيرة من طراز MQ-9 Reaper. يكمن سر نجاح هذه الأنظمة في “المفاجأة العملياتية” و”تقليل احتمالية التعرض لهجوم أولي” من قِبل العدو.
2 ـ الحرب الإلكترونية والاعتراض
أثبت اليمن أن التفوق التكنولوجي لا يعني بالضرورة التفوق الميداني، فقد نجح في استهداف طائرات مسيرة متطورة، مثل طائرة “كاراييل” التركية، باستخدام أنظمة حرب إلكترونية محلية أو مُعدّلة، بما في ذلك أجهزة تشويش كيان تحديد المواقع العالمي (GPS) وأنظمة اعتراض اتصالات الأقمار الصناعية، في هذه الحالات، تحطمت الطائرة المستهدفة بعد فقدان الاتصال بمحطة التحكم الأرضية، تُمكّن هذه القدرة اليمن من تحييد أسلحة العدو التي تُقدّر بملايين الدولارات بتكلفة منخفضة للغاية.
3 ـ الطائرات المسيرة الهجومية والدفاعية:
يستخدم اليمن الطائرات المسيرة كأداة هجومية وكيان دفاعي في آنٍ واحد، تُستخدم الطائرات المسيرة الانتحارية لمهاجمة الأهداف البرية والبحرية، بينما صُممت الطائرات المسيرة الاعتراضية، مثل “الصاعقة”، لمواجهة طائرات وطائرات العدو المسيرة، لقد أتاحت هذه القدرة لليمن توسيع نطاق تهديداته في عمق أراضي العدو، وتوفير رادع استراتيجي.
إن الجمع بين هذه الركائز الثلاث – الدفاع المتحرك، والحرب الإلكترونية، والطائرات المسيرة – يُنشئ مثلثًا دفاعيًا فتاكًا، يُمثل استجابة منخفضة التكلفة وعالية الفعالية للتفوق الجوي للخصوم، تُوفر هذه البنية الدفاعية الجديدة نموذجًا يُمكن للجهات الفاعلة غير الحكومية الأخرى أو الدول ذات الموارد المحدودة اعتماده، وعند دراسة فعالية تكلفة العمليات الدفاعية لليمن، نرى نمطًا غير مسبوق من عدم التوافق بين تكلفة الأسلحة المستخدمة وقيمة الأهداف المدمرة. يُشكل هذا النمط جوهر استراتيجية الحرب غير المتكافئة لليمن.
الف) مواجهة الطائرات المقاتلة المتطورة: باستخدام أنظمة دفاع محلية الصنع مثل “فاطر” أو “ساقب”، والتي تكلف إنتاجها أو تعديلها حوالي 100 ألف دولار، تمكّن اليمن من استهداف مقاتلات F-15SA السعودية، التي تبلغ قيمة كل منها حوالي 100 مليون دولار، هذا يُترجم إلى نسبة قتل 1:1000 لمصلحة اليمن، حتى لو لم تُدمّر بالكامل، فإن إتلاف هذه المنصة المتقدمة سيُكلّف العدو تكاليف الإصلاح والتعافي والرفع المعنوي.
ب) إسقاط الطائرات المسيرة المتطورة: أُسقطت طائرات استطلاعية-هجومية، مثل الطائرة الأمريكية MQ-9 Reaper، التي تكلف حوالي 32 مليون دولار، بواسطة صواريخ دفاعية يمنية رخيصة أو أنظمة حرب إلكترونية، تُقدّر تكلفتها التشغيلية بحوالي 50 ألف دولار، يُمثّل هذا النجاح نسبة قتل 1:640، ما يُظهر فعالية استراتيجية “القضاء على أصول العدو الهجومية-الاستخباراتية باهظة الثمن بتكلفة منخفضة”.
ج) تهديد الأسطول السطحي: يُعد استهداف مدمرات فئة أرلي بيرك، التي تُقدر قيمتها بحوالي 1.8 مليار دولار، بواسطة طائرات يمنية مُسيّرة أو صواريخ كروز مضادة للسفن، والتي قد لا تتجاوز تكلفة إنتاجها 50 ألف دولار، المثال الأبرز، حتى لو لم يُسفر هذا عن تدمير كامل، فإنه يُؤدي إلى نسبة قتل محتملة تبلغ 1:36 ألف، ما يُعرّض السفن التي تُقدر قيمتها بمليارات الدولارات لهجمات منخفضة التكلفة.
أدى هذا الخلل في التكاليف إلى أزمة استراتيجية لأعداء اليمن، من الناحية الاقتصادية، أصبح استمرار الصراع غير مُجدٍ اقتصاديًا على الإطلاق للتحالف الذي تقوده السعودية وحلفائه الغربيين، من الناحية العملية، يتعين عليهم إنفاق موارد ضخمة على الدفاع لحماية أصولهم الباهظة، بينما يُمكن لليمن أن يُشكّل تهديدًا مُستمرًا بتكلفة منخفضة للغاية، هذا هو أساس “الردع القائم على الحرب غير المتكافئة” الذي طبّقه اليمن بنجاح.
أ) تغيير ميزان القوى في البحر الأحمر
تعطيل الممرات الملاحية الدولية: أجبرت قدرة اليمن على استهداف السفن المرتبطة بـ”إسرائيل” القوات البحرية الغربية على تخصيص موارد ضخمة لحماية الممرات الملاحية، لذلك، اضطرت الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف “حارس الرخاء”، ما يُظهر نجاح استراتيجية الضغط الأقصى التي تنتهجها اليمن.
ب) نموذج جديد للحرب غير المتكافئة ضد التفوق الجوي
في الواقع، غيّر اليمنيون نموذج الدفاع التقليدي، فقد أثبت اليمن أن أنظمة الدفاع باهظة الثمن (مثل كيان إس-400) ليست ضرورية بالضرورة لمواجهة أسطول جوي متقدم، كما ذكرنا، يرتكز ركيزة الدفاع في اليمن على الدفاع المتحرك، والحرب الإلكترونية، والطائرات المسيرة، تُشكل هذه الجوانب الثلاثة مثلثًا دفاعيًا جديدًا ضد الجيوش التقليدية.
الوقت التحليلي