“إسرائيل” وتكتيك تصغير المطالب.. دراما الكيان بين غزة ولبنان وسوريا
“إسرائيل” وتكتيك “تصغير المطالب”.. من القضايا الكبرى إلى فتات إنساني
من غزة إلى لبنان وسوريا.. الاحتلال يوظّف الدراما لتبديل الأولويات
الحقيقة ـ جميل الحاج
منذ عقود، يوظّف الاحتلال الإسرائيلي أسلوباً دبلوماسياً وإعلامياً دراماتيكياً في إدارة الملفات الإقليمية، يقوم على تقزيم المطالب وتحجيمها، وتحويل القضايا الكبرى إلى عناوين فرعية هامشية، بهدف شطب الحقوق الجوهرية للشعوب العربية.
هذا التكتيك لا يقتصر على غزة وحدها، بل ينسحب على سوريا ولبنان، في مشهد يعكس براعة العدو في قلب الطاولات وتحويل المجرّد من الحقوق إلى “مكاسب” يسوّقها للعالم على أنها تنازلات.
في الحرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، يواصل الاحتلال الإسرائيلي سياسة التجويع والحرمان عبر منع دخول المساعدات الإنسانية، مستخدماً الحصار كسلاح قاتل موازٍ للقصف والتدمير.
بدلاً من أن يبقى المطلب الدولي الأساسي هو وقف العدوان الهمجي ضد سكان غزة، عملت تل أبيب على خلق واقع جديد، بحيث باتت القضية الإنسانية، إدخال المساعدات الغذائية والدوائية هي المطلب الرئيسي الذي يتداوله العالم.
بهذا الأسلوب، يحوّل الاحتلال الإسرائيلي معركة وجود الشعب الفلسطيني في غزة إلى مجرد “معركة بقاء يومية” مرتبطة بسلال غذائية ومواد إغاثية، متجاهلاً المطالب الجوهرية بإنهاء حرب الإبادة، ورفع الحصار، ووقف سياسة التطهير العرقي التي تنفذها قواته.
الملف السوري بدوره لم يسلم من هذه الاستراتيجية.. فبدلاً من أن يكون المطلب السوري والعربي والدولي الواضح هو تحرير الجولان المحتل ووقف الانتهاكات الجوية المتكررة للسيادة السورية، لجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى تكتيك التوسع الميداني التدريجي.
خلال الأشهر الأخيرة، استغل تل أبيب هشاشة الوضع الداخلي السوري وظروف الحرب، لتفرض واقعاً جديداً عبر احتلال مناطق ومدن سورية وصولاً إلى جبل الشيخ المطل على دمشق.
وبهذا، تغيّر المطلب الدولي من تحرير الجولان إلى مطلب أقل بكثير: انسحاب الاحتلال من المناطق التي تقدم إليها مؤخراً.
هنا، تنجح (إسرائيل) في تقزيم المطالب، عبر إدخال المجتمع الدولي في جدل حول أراضٍ جديدة احتلتها، بينما يبقى ملف الجولان الأصلي طيّ النسيان.
أما في الساحة اللبنانية، فقد أدار الاحتلال الإسرائيلي ورقةً سياسية خطيرة برعاية أمريكية، تقوم على طرح ملف سلاح المقاومة كأولوية، بدلاً من التركيز على الأراضي اللبنانية المحتلة.
الورقة التي طرحتها واشنطن مؤخراً عُرفت إعلامياً بـ”ورقة براك”، وتقوم على تحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية نزع سلاح المقاومة، ما يشكّل فتيل فتنة داخلية، ويعيد إشغال الساحة اللبنانية بصراعات جانبية، بعيداً عن المطلب الحقيقي المتمثل في انسحاب الاحتلال من الأراضي اللبنانية المحتلة، وآخرها النقاط الخمس التي تقدم إليها جيش العدو الإسرائيلي مؤخراً.
بهذا الأسلوب، يحوّل الاحتلال النقاش من ملف الانسحاب إلى ملف داخلي لبناني شديد الحساسية، ليصبح العنوان: “سلاح حزب الله”، بدلاً من “الاحتلال الإسرائيلي”.
يرى المراقبون أن هذه السياسة ليست جديدة على الاحتلال الإسرائيلي، لكنها اليوم تكتسب زخماً أكبر بفعل الدعم الأميركي والغربي المفتوح.
فمنذ مفاوضات أوسلو مروراً بكامب ديفيد، وحتى الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية الحديثة، اعتمدت تل أبيب على فن إدارة الصراع بدلاً من حله.
وتقوم هذه الاستراتيجية على:
ـ تصغير سقف المطالب من قضايا كبرى (تحرير أرض – وقف عدوان – إنهاء حصار) إلى قضايا إجرائية وإنسانية.
ـ إطالة أمد الأزمات حتى يعتاد المجتمع الدولي على الواقع الجديد.
ـ توظيف الوسطاء الدوليين، خاصة الولايات المتحدة، لتثبيت المعادلات الجديدة وإعادة توجيه النقاش.
في غزة، يتحول مطلب وقف الحرب إلى مجرد “إدخال مساعدات”.
في سوريا، يتحول مطلب تحرير الجولان إلى “انسحاب من جبل الشيخ”.
في لبنان، يتحول مطلب الانسحاب من الأراضي المحتلة إلى “نزع سلاح المقاومة”.
هذا هو جوهر الاستراتيجية الإسرائيلية: إغراق المنطقة في التفاصيل وإبعادها عن الحقوق الأساسية، عبر لعبة دراماتيكية تحاكي الإعلام والديبلوماسية، لكنها تخفي حقيقة الاحتلال الإسرائيلي وإرادته في التوسع والسيطرة.