واشنطن وحرب الإبادة في غزة.. دعم عسكري وغطاء سياسي بلا حدود

الحقيقة ـ جميل الحاج

منذ الثامن من أكتوبر 2023، اتخذت الولايات المتحدة موقع الشريك الكامل في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مسخّرة قوتها العسكرية والمالية والدبلوماسية لحماية حليفها الاستراتيجي، ومستخدمة حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن لإجهاض أي قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار أو التحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية.

على مدار عامين من الحرب، بدا الدعم الأمريكي عاملاً مركزياً في استمرار العدوان، وضمان تفوق جيش الاحتلال، ومنحه الغطاء السياسي لارتكاب واحدة من أكثر المآسي الإنسانية دموية في التاريخ الحديث.

دعم ممتد منذ تأسيس الكيان

منذ إعلان قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948، كانت واشنطن الحليف الأول له سياسيًّا وعسكريًّا ودبلوماسيًّا.

قدّمت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين مساعدات تجاوزت 310 مليارات دولار، وهو أعلى رقم لدولة أجنبية منذ الحرب العالمية الثانية، شمل تمويل أنظمة الدفاع مثل القبة الحديدية وتجديد الذخائر وبرامج الصواريخ المتطورة.

ويشكل التمويل الأمريكي أكثر من 16% من ميزانية الدفاع الإسرائيلية، فيما تتيح الصفقات الطارئة تجاوز مراجعة الكونغرس لتسريع شحن الأسلحة أثناء الحروب، كما حدث خلال العدوان على غزة.

مليارات الحرب على غزة

منذ السابع من أكتوبر 2023، تعهّد الرئيسان جو بايدن ودونالد ترامب بتقديم دعم كامل للكيان الإسرائيلي بمليارات الدولارات، إلى جانب المساعدات السنوية المعتادة البالغة 3.4 مليارات دولار.

وقدّمت واشنطن للكيان خلال الحرب قنابل وذخائر دمرت البنية التحتية لقطاع غزة، وقتلت أكثر من 67 ألف من المدنيين، ناهيك عن أكثر 170 ألفا من المصابين، في حين استمرت الإمدادات العسكرية رغم تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان التي وثّقت جرائم حرب واسعة النطاق.

وتشير تقارير معهد “كوينسي للأبحاث” ومشروع “تكاليف الحرب” إلى أن الدعم العسكري والمالي الأمريكي للحرب الإسرائيلية بلغ 21.7 مليار دولار، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف المبلغ الذي كانت ستحصل عليه “إسرائيل” بموجب اتفاق المساعدات السابق الموقع في عهد الرئيس باراك أوباما (38 مليار دولار على عشر سنوات).

ووفق التقرير ذاته، وصلت أسلحة تزيد قيمتها على 4 مليارات دولار من المخازن الأمريكية إلى الكيان خلال أشهر قليلة من بدء الحرب.

قنابل بعرق العمال الأمريكيين

تؤكد صحيفة نيوزويك أن الولايات المتحدة أنفقت نحو 30 مليار دولار على حرب غزة والصراعات المرتبطة بها في الشرق الأوسط، منها 21 ملياراً دعماً مباشراً لـ“إسرائيل”، بينما خُصص الباقي لعمليات في اليمن وإيران ومناطق أخرى.

وبين أكتوبر 2023 وسبتمبر 2025، خصصت الإدارة الأمريكية 21.7 مليار دولار كمساعدات عسكرية للكيان، إلى جانب ما بين 9.6 و12 مليار دولار إضافية لعمليات مرتبطة بالصراع.

ووفق دراسة “مشروع تكاليف الحرب” بجامعة براون، فإن هذا الدعم مثّل عبئاً ضخماً على دافعي الضرائب الأمريكيين الذين يدفعون من عرقهم ثمن القنابل التي تُسقط على رؤوس الفلسطينيين، رغم اتساع رقعة المعارضة الداخلية للحرب.

ففي استطلاع أجرته صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا، أبدى 36% من الأمريكيين تعاطفهم مع فلسطين، مقابل 34% فقط مع إسرائيل، وهو تحوّل غير مسبوق في الرأي العام الأمريكي.

نفاد المخزون الأمريكي من الصواريخ

بحسب تقرير مشترك لمعهد كوينسي وموقع “ريسبونسيبول ستيت كرافت”، لم تكن “إسرائيل” لتخوض حربها بهذه الوتيرة لولا الدعم الأمريكي في الصيانة وقطع الغيار لمقاتلات F-15 وF-16 وF-35 ومروحياتها الهجومية.

لكن هذا الدعم أدى إلى استنزاف مخزون الأسلحة الأمريكي، إذ أكد التقرير أن الجيش الأمريكي دفع 10 مليارات دولار لشركة لوكهيد مارتن لتسريع إنتاج الصواريخ لصالح كل من “إسرائيل” وأوكرانيا.

وأشار التقرير إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية ضاعفت معدلات إنتاج 12 نوعاً من الصواريخ، بينها باتريوت، ثاد، ستاندرد ميسايل-6، والصواريخ المشتركة جو-أرض.

في حين قُدرت خسائر المخزون الأمريكي بـ 33% من صواريخ SM-3 و17% من صواريخ SM-6 نتيجة الاستخدام المفرط في الحرب على غزة والهجمات المرتبطة بها في المنطقة.

أما صفقة البنتاغون الأخيرة مع لوكهيد، فتبلغ نحو 10 مليارات دولار لتصنيع 2000 صاروخ اعتراضي من طراز PAC-3، بتكلفة ملايين الدولارات للصاروخ الواحد، بينما يبلغ سعر صاروخ SM-6 الواحد حوالي 4.3 ملايين دولار.

الغطاء السياسي والدبلوماسي

لم يقتصر الدعم الأمريكي على الإمداد العسكري، بل شمل غطاءً دبلوماسياً مكثفاً في مجلس الأمن.

فقد استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو) أكثر من خمس مرات لمنع قرارات تدعو إلى وقف الحرب أو التحقيق في المجازر الإسرائيلية، مانحة الكيان الإسرائيلي حصانة كاملة من المساءلة الدولية.

وركّز الخطاب الأمريكي الرسمي على إدانة عملية السابع من أكتوبر، مع منح الكيان “الحق في الدفاع عن النفس”، وتجاهل المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين.

كما شنّت الإدارة الأمريكية حملات ضغط دبلوماسي ضد الدول الداعمة لفلسطين، وهاجمت المحكمة الجنائية الدولية لنيّتها التحقيق في جرائم الحرب، مهددة بفرض عقوبات على مسؤوليها.

وفي عهد ترامب، بلغ الانحياز ذروته، إذ أعلن القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، ووقّع مرسومًا يعترف بسيادة “إسرائيل” على هضبة الجولان السورية، فيما تبنّت إدارته سياسات دعم الاستيطان وتوسيع الضم.

القوانين والهيمنة الناعمة

رافقت الحرب حملة أمريكية داخلية لحماية الكيان من الانتقادات.. فقد سَنّ الكونغرس قوانين تُجرّم مقاطعة (إسرائيل)، وتمنع المؤسسات التعليمية والشركات من اتخاذ مواقف مناهضة لها.

كما تعرّضت الجامعات الأمريكية التي أعلنت دعمها لفلسطين لضغوط هائلة، وأُجبرت بعضها على إنهاء التعاون مع المؤسسات الفلسطينية مقابل تعزيز شراكاتها مع الجامعات الإسرائيلية.

وفي الوقت ذاته، استثمرت شركات تصنيع الأسلحة مئات الملايين من الدولارات في الضغط السياسي وتمويل الحملات الانتخابية، لضمان استمرار تدفق المساعدات العسكرية، عبر ما يُعرف بـ”الباب الدوار” الذي يربط بين البنتاغون، وشركات السلاح، والكونغرس.

سلاح المال والنفوذ

أظهر بحث “مشروع تكاليف الحرب” أن شركات الأسلحة الأمريكية حصلت بين عامي 2020 و2024 على عقود من البنتاغون بقيمة 2.4 تريليون دولار، أي نحو 54% من الإنفاق التقديري للوزارة خلال تلك الفترة.

ويشمل هذا التمويل حملات دعائية ونفوذاً سياسياً واسعاً يضمن استمرار الحرب، إذ تُعد “إسرائيل” من أبرز المستفيدين من هذا الاقتصاد الحربي القائم على الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط.

وتواصل واشنطن دعمها العسكري والدبلوماسي لـ“إسرائيل”، مانعة أي مساءلة أو إدانة في المحافل الأممية.

ومع دخول الحرب عامها الثاني، يبدو أن الولايات المتحدة لا تموّل فقط حرباً على غزة، بل تديرها بالوكالة دفاعاً عن مشروعها الاستراتيجي في المنطقة، وباسم “الأمن الإسرائيلي” الذي أصبح ذريعة دائمة لاستمرار المجازر.

إنها حرب “إسرائيلية” بسلاح أمريكي ومال أمريكي، تُدار من واشنطن وتُنفّذ في غزة، والعالم يشهد على مأساةٍ لا تنتهي.

غزة تمثل جريمة أمريكية إسرائيلية مشتركة

وكان السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطابته يؤكد بأن الحرب على غزة تمثل جريمة أمريكية إسرائيلية مشتركة، إذ تُنفذ بأسلحة أمريكية وبغطاء سياسي غربي، لافتًا إلى أن العدوان أدى إلى قتل وجرح ما نسبته 11% من أهالي القطاع في نطاق جغرافي محدود، وهي النسبة الأعلى في العصر الحديث.

وأشار إلى أن الأمريكي تحرَّك في مسارين متوازيين، ومعه- كما قلنا- أنظمة غربية بكل إمكاناتها، وعلى كل المستويات.

مسار تقديم كل أشكال الدعم للعدو الإسرائيلي:

الدعـــم العسكـــري: على الفور بدأ الجسر الجوي الأمريكي؛ لنقل كل أشكال السلاح والعتاد الحربي القاتل إلى العدو الإسرائيلي، وكذلك إرسال خبراء عسكريين، والكثير ممّن يمكن أن يسهموا عسكرياً من الضباط الأمريكيين، والخبراء في الجيش الأمريكي؛ للاشتراك مباشرةً في إدارة الموقف العسكري… وعلى كل المستويات.

أضاف حشد الأمريكي  قواته إلى المنطقة: إلى البحر الأبيض المتوسط على المستوى البحري، إلى البحر الأحمر، إلى الخليج… إلى كل منطقة، واستنفر كل قواعده العسكرية في بلدان أُمَّتنا، في البلدان العربية والبلدان الإسلامية؛ لتكون مسهمة مع العدو الإسرائيلي بكل أشكال الدعم، مخازنها لتزويد العدو الإسرائيلي، نشاطها، رقابتها، الجهوزية العسكرية لها، تحرُّك بِجِدِّيَّة واهتمام.

قد يعجبك ايضا