الأمة الإسلامية من التطويع إلى التركيع

الحقيقة
واقع أمتنا اليوم واقع غير سليم واقع يبعث على الأسى وينكأ الجراح، ويعزز من حالة اليأس والإحباط، واقع لا تقبله حتى الحيوانات فهي تدافع عن نفسها بفطرتها بينما أمة الإسلام اليوم تقف خانعة ذليلة مهزومة تشاهد بعين الخذلان نساء الإسلام وأطفاله وأهله في غزة وفي فلسطين يتعرضون للقتل والتهجير والتجويع والتدمير وبصورة لا مثيل لها صورة مقززة ومشاهد وحشية على أيد قتلة الأنبياء من لعنهم الله وضرب عليهم الذلة والمسكنة، وللأسف لقد وصل الحال بأمة الإسلام إلى مستويات من الذلة  والجبن والخور التيه لربما أشد مما ضربه الله على بني إسرائيل الذين هم اليوم يستعبدون أمتنا ويمتهنون كرامتها بلا رادع اللهم إلا قلة قليلة ممن ليس بيدهم ما يستطيعون به إيقاف الصلف الصهيوني وإجرامه الوحشي.. فما الذي حصل لهذه الأمة، الأمة التي أراد لها الله أن تكون خير أمة أخرجت للناس الأمة التي كان المراد منها أن تنصر المظلومين في مختلف بقاع الأرض، وأن تقف في وجه الظالمين..

لقد كرم الله هذه الأمة بني هو خاتم الأنبياء وأعظمهم وكتاب هو خلاصة الكتب السماوية ولقد منحها من التكريم ومن أسباب الرفعة ما يجعلها فوق الأمم، لكن هذه الأمة هي التي ابتعدت عن هداه ابتعدت عن القرآن وقرنائه ابتعدت عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-، ثم انطلقت في الميدان مجردةً من سلاحها الحقيقي، من هديها، من هداتها، من قادتها. ثم انطلقت لتصارع فهُزمت وأُذلت، وأصبحت أمةً تحت أقدام اليهود والنصارى.

النظرة القاصرة إلى الإسلام وإلى نبي الإسلام

مشكلة الكثير من أَبْـنَـاء الأُمَّــة وجماهير الأُمَّــة أن نظرتَهم إلَى الإسْــلَام وإلى رسالة الإسْــلَام وإلى الرَّسُــوْل صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ نظرةٌ ناقصة ينقصها الكثير والكثير، السائد اليوم في الذهنية العامة أن الإسْــلَام هو مجرد تلك الطقوس فقط، وأمة الإسْــلَام هي تلك الأُمَّــة التي بقي لها من إسْــلَامها صلاة وصوم وزكاة وحج وشيء يسير من هامش هذا الإسْــلَام من هنا أَوْ هناك، بينما غُيِّبَ من واقع الإسْــلَام أَسَــاسياتٌ هي التي تُعطي قيمةً حتى للصلاة وفاعلية للزكاة وفاعلية للمسجد وقيمة لما بقي، فحينما ضُيّعت من واقع الأُمَّــة تلك الأَسَــاسيات بقي لها إسْــلَامٌ لا طعم له لا روح له لا أثر له لا نفع له لا يحق حقاً لا يبطل باطلاً.

غياب الإنسانية وانتشار ظاهرة التوحش

ثم نجد ظاهرة التوحش اليوم في واقعنا الذي هو فعلاً جاهلية أُخْــرَى تحدث عنها الرَّسُــوْلُ فيما سبق حينما قال: بُعثت بين جاهليتين أُخراهما شرٌّ من أولاهما”؛ لِأَن هذه الجاهلية فيما يمتلكُه قادتها وفيما يمتلكه رجالها وفيما تمتلكه جيوشُها وفيما يمتلكه أربابها وأصحابها هي أسوأ وأكثر خطورةً وضرراً وشراً على البشرية مما كانت الجاهلية الأولى، الجاهلية الأولى لم يكن الجاهليون فيها يمتلكون من الإمْكَانات العسكرية والإعْــلَامية وغيرها مثل ما هو قائم في واقعنا اليوم، اليوم المسألة بشكل كبير جد خطيرة ووصل سوؤها إلَى حدٍّ فظيع، ومعاناة البشرية من ويلاتها وكوارثها ومآسيها على نحوٍّ لا يخفى على أحد.

الانحراف والتقصير

إن واقع الأمة اليوم متأثر إما بالانحراف الكبير أو التقصير الكبير وكلاهما نتاجهما وأثرهما سلبي على الكثير من أبناء الأمة الذين لم يتحرجوا أبدا أن يتحركوا اليوم في الوقت الذي هم ينتمون إلى الإسلام تحت الراية الأمريكية والإسرائيلية  راية الطاغوت والاستكبار راية الظلم والعدوان راية الفساد والإجرام وحملوا لواء النفاق والفتنة في داخل الأمة ليقدموا للإسلام وللعروبة شكلا نفاقيا يدجن الأمة لأعدائها الحقيقيين الطامعين وهذا المستوى من الانحراف المفضوح المكشوف الواضح يستقطب إلى جانبه من كل فئات الأمة كما أن البعض أيضا لم يتحرجوا أن يصمتوا وأن يقعدوا وأن يداهنوا وأن يتنصلوا عن المسؤولية في مرحلة نكبت فيها الأمة وتعاظمت فيها المحنة وكبرت فيها المظلمة وتجلت فيها الحقيقة وكأننا أمة ننتمي إلى دين مبادئه وقيمه وأخلاقه ورمزه وقدوته تسمح بالتجند في صف الطاغوت أو تقبل بالظلم وتتغاضى عن الجريمة والعدوان وليس الدين الذي يقوم على القسط والعدل والحق والدين الذي هو مسؤولية وكلما فيه يعزز هذه المسؤولية مبادئه وقيمه وأخلاقه وتعاليمه كما أنه يقدم أعظم وأرقى قدوة في تحمل المسؤولية والنهوض بها والتحرك بها الذي هو رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله والمرتكزات الأساسية لهويتنا وانتمائنا واحد منها وأهمها هو الإيمان الصادق برسول الله محمد -صلى الله عليه وعلى آله- إيمان التصديق والولاء إيمان المحبة والاهتداء إيمان الاتباع والاقتداء إيمان من يستشعرون عظمته ويعرفون قدره ويدركون نعمة الله علينا به.

 

العمالة لأعدائها

كل هذا الإجرام الذي نشاهده اليوم بحق أبناء غزة ليس بجديد وليس من تلقاء نفسه بل نتيجة استكانة هذه الأمة أمام الهجمة الغربية الاستكبارية عليها منذ بداية القرن الماضي وفي مقدمة هؤلاء المتآمرون اليهود الصهاينة وبكل ثقلهم وتأثيرهم على الدول الغربية التي امتلكت زمام المبادرة ونهضت صناعيا وعسكريا لتستهدف هذه الأمة بكل الأساليب وفي مقدمتها وأخطرها أسلوب التطويع، تعميم وتوسيع دائرة العمالة في داخل الأمة، وعدم الاقتصار على نظام هنا وهناك بل تحرك الأمريكي مع الإٍسرائيلي، لإيجاد أكبر شريحة ممكنة من العملاء من الأوساط الشعبية، فقد سعى لفرض حالة العمالة والولاء لأمريكا وإسرائيل لتكون حالة شاملة في واقع الأمة بكلها، واعتبار من يشذ عن ذلك من الأنظمة والحكومات أو من داخل الأوساط الشعبية، مارقاً وكافراً وكل ما أردت أن تصفه من أوصاف سيئة أو ألقاب يُنبَز بها إلى غير ذلك، وهو يستحق التعذيب والاغتيال والقتل وأن يحارب من الجميع، وأن تحرك عليه الجبهة الداخلية، من قبل نظام بلده، وكذلك من الأوساط الشعبية تحرك أي تيارات يمكن أن تستجيب لمواجهتك تحت عناوين وتبريرات، ونشاط إعلامي، وثقافي، وفكري، بأساليب متعددة وشاملة، ولهذا ترى أمريكا وإسرائيل أن ما يمكن أن يوصلها إلى أهدافها بالسيطرة التامة على هذه الامة وعلى بلدان هذه الأمة وعلى ثروات هذه الأمة هو سياسة التطويع كسياسة رئيسية، تتحول هذه الأمة إلى أمة مطيعةً لهم، مذعنةً لهم، متجندة معهم، تتحرك لهم، على حساب نفسها، على حساب قيمها، على حساب أخلاقها ومبادئها ومصالحها إلى آخره.. إلى غير ذلك وهذا مما مزق الأمة وأضعفها أمام عدوها، وخسّرها عظماءها وقادتها وجعلها  يائسة ذليلة مقهورة لا تملك لنفسها حولا ولا قوة.

وبدلاً من أن نرى الأنظمة والحكومات الإسلامية تواجه الخطر الصهيوني كما تواجه شعوبها بالقمع والتنكيل ذهبت لما هو أخطر على الجميع بدون استثناء: وهو القبول بمعادلة الاستباحة لمصلحة الإسرائيلي والأمريكي، هذه مسألة خطيرة جدًّا، هذه معناها التنازل- كما قلنا- عن الكرامة الإنسانية، عن العِزَّة، عن الاستقلال، عن الحُرِّيَّة… عن كل شيء، قضية خطيرة للغاية ؛ لأن العدو الإسرائيلي هو عدوٌ مجرم، وحقود، ومستهتر بالدماء، وإذا أصبحت يده مطلقة لفعل ما يشاء في هذه المنطقة؛ فهو لن يتردد في فعل أسوأ الأشياء، وأقبح الأشياء، يمارس أشد الظلم والإجرام، يرتكب أقبح، وأشنع، وأفظع الجرائم دون اكتراث، وتكون الأُمَّة ضحية، ولا مبرر لأن تقبل بذلك أبداً، هو عدوٌ مستهتر، بدون الردع لن يتوقف عن الإجرام.

الموقف السلبي تجاه النماذج الناجحة من أبنائها

إن الواقع العربي، الذي تأثر بالإخفاقات في مرحلة معينة، لم يكن إيجابياً تجاه حالات النماذج الناجحة، وبدايتها النموذج اللبناني، المتمثل في حزب الله والمقاومة اللبنانية، الذي وفقه الله “سبحانه وتعالى” لصناعة أول وأكبر انتصار حقيقي بقي صداه وثباته، وبقيت مكاسبه، وانعكاساته الإيجابية مستمرة منها دحر العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام ٢٠٠٠، كنتاج عمل تراكمي، وتضحيات، هذا النموذج الناجح، ثم يليه النموذج الناجح في المقاومة الفلسطينية، وفي المقدمة في غزة، لم يتجه العرب والعالم الإسلامي لنصرتها بشكل فعال، ما عدا المجاهدين في اليمن  والعراق وحزب الله في لبنان  والجمهورية الإسلامية في إيران؛ أما البقية على المستوى الرسمي، وعلى المستوى السائد في الساحة العربية والإسلامية، فليس هناك توجه بالشكل المطلوب، للاستفادة من هذه النماذج الناجحة، ومساندتها واحتضانها، وتأييدها، والوقوف إلى صفها كما ينبغي، بل بدأت المؤامرات من بعد أن تجلى النجاح، وتبين أن هذه نماذج ناجحة، صامدة، استطاعة أن تهزم العدو الصهيوني هزائم منكرة فانطلق كثير من الأنظمة العربية والاسلامية العميلة وفي مقدمتها النظام السعودي والإماراتي إلى مساندة العدو والوقوف إلى صفه ضد أبناء غزة المظلومين والمحاربين بأبشع  أنواع الإبادة الجماعية نكاية منهم بالمقاومين من أبناء غزة فبدلا من أن يتجهوا للاستفادة من التراكم المعرفي والخبراتي لهؤلاء المجاهدين لسنوات عديدة ضد ألد أعداء الأمة من اليهود والنصارى اتجهوا للتنكيل بهم والعمالة ضدهم وتقديمهم قرابين للعدو الإسرائيلي ويكفينا من الأدلة أن سجون النظام السعودي والإماراتي يغص بالعشرات من قادة المقاومة الفلسطينية وبكل عربي وإسلامي شريف له موقف جاد ضد العدو الصهيوني.

هذا الموقف أخل بثبات الأمة في وجه اليهود وحرم أبناءها من الاستفادة الجادة من عمل هذه النماذج التي أثبتت نجاحها في مواجهة العدو الإسرائيلي وأجلى الشواهد هو موقف النظام السعودي والإماراتي من الحرب التي يقودها اليمن في البحر الأحمر ضد السفن التي لها صلة بتقديم الدعم والمدد للكيان الغاصب.

التطبيع عنوان مخادع وجريمة بحق الأمة

بالرغم من وضوح حقيقة أنهم أعداء، خَطِرون، وألِدَّاء، وسيئون…إلخ. فالبعض ممن ينتمون إلى الإسلام، ينطلقون على أساس رؤيتهم القائمة على الترويج لأولئك أنهم أصدقاء، والتوجه للتعامل معهم على هذا الأساس، وإقامة علاقات وتحالفات معهم، تحت عنوان التطبيع، وفي سبيل ذلك يتجهون إلى خطوات سيئة ضد شعوبهم، وضد أمتهم، وضد شعب فلسطين، مثلما حصل من آل خليفة في البحرين، مثلما حصل من النظام الإماراتي، من النظام السعودي، من النظام المغربي، الذي اتجهوا إلى خطوات عملية، لخدمة أولئك الأعداء، للتودد إليهم، لفتح المجال أمامهم للتأثير حتى على شعوبهم، ويسعون حتى للتأثير على شعوبهم لتتقبل الولاء لأولئك، النظرة إلى أولئك كأصدقاء، هم يركزون على هذه النقطة، يتنكرون لآيات الله، لكتاب الله، وللحقائق القائمة في الواقع، الواضحة جدًّا، على أنهم أعداء سيئون للغاية..

ويصل الحال في خطواتهم العملية، إلى أن يتنكروا لدينهم، لقيمهم، لأخلاق دينهم، يصل الحال إلى أن يظلموا أمتهم، أن يتآمروا على شعوبهم، في شعب البحرين، آل خليفة يجردون أبناء الشعب البحريني المسلم من جنسيتهم، فيمنحون الجنسية للصهاينة، في الإمارات فعلوا ما يشبه ذلك، وفتحوا المجال لخدمتهم، سواءً هنا، أو هناك، في البحرين، في الإمارات، في المغرب، يخدمونهم بأكثر مما يخدمون شعوبهم، يقدمون لهم من التسهيلات، ما لا يتعاملون بمثله تجاه أبناء أمتهم الإسلامية..

يتورطون بسبب ذلك في النفاق؛ لأن التولي لأولئك يعتبر في الإسلام نفاقًا، والظلم، والتذلل المخزي، إلى درجة العار، في المغرب حصلت فظائع مخزية جدًّا، في تقديم بنات مسلمات للصهاينة، لجريمة الفاحشة والعار، وانتشرت تلك الأخبار المخزية، أمور مخزية للغاية.

وسعي لحرف بوصلة العداء عن الأعداء الحقيقيين إلى من؟ إلى من يتصدى لهم من أبناء الأمة، إلى من يقف بوجههم من أبناء الأمة: إلى أحرار فلسطين، إلى المجاهدين في فلسطين، كم توجهت ضدهم من حملات إعلامية دعائية مسيئة، بل وإلى الشعب الفلسطيني عمومًا، قنوات، وسائل إعلام، تغريدات في مواقع التواصل الاجتماعي، بوسائل كثيرة، في الصحف، إساءات وتشويه للشعب الفلسطيني، إساءات وحملات تحريضية، وتعبئة عدائية، في الطرح الإعلامي والتناول الإعلامي، ضد حزب الله في لبنان، ضد أحرار الأمة بشكلٍ عام، سعي بجهد جهيد لحرف بوصلة العداء عن العدو الأساسي، العدو الحقيقي للأمة، الذي أخبر الله- وهو الأعلم بأعدائنا- أنهم أعداء، وأنهم {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً}[المائدة:82]، إلى من يتصدى لهم من أبناء الأمة، إلى من يقف بوجههم ووجه مؤامراتهم من أبناء الأمة..

أمَّا اتجاه السكوت والتخاذل فهو غير مفيد للأمة، ولا ينبغي أبدًا أن يكون خيارًا بديلًا عمَّا هدى الله إليه في القرآن الكريم، هداية الله هي الأولى، الله مثلما قال “جَلَّ شَأنُهُ” عن نفسه: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء:45]، أعلم بهم مَن هم، أعلم بما ينبغي، وما علينا أن نفعل في التصدي لمؤامراتهم، ما هي السياسة الحكيمة، ما هو الموقف الصحيح، الذي يقي الأمة، يقيها، يدفع عنها الخطر، السكوت معناه: تمكين الأعداء، من الوصول إلى تحقيق أهدافهم، وأي خيارات بديلة عمَّا هدى الله إليه في القرآن الكريم، هي ضياعٌ للأمة، وخطرٌ عليها..

إذًا من خلال العودة إلى القرآن الكريم، وما هدى الله إليه في القرآن الكريم، وما كشف به طريقتهم، وأساليبهم، واستراتيجيتهم التي يعتمدون عليها، لاستهداف الأمة، وفي مقدمتها التطويع، وكسب الولاء، نتحرك لمحاربتهم بدءًا في هذه النقطة المهمة، كما ذكرنا، عن طريق: التعبئة، التوعية، تحريك حالة السخط في أوساط الأمة، تفعيل توجهات الأمة في كل مجال على هذا الأساس، واليقظة تجاه كل مؤامراتهم..

عندما أخبرنا الله أنهم يريدون أن يطوعوا الأمة، وأن يكسبوا ولاءها، ليردوها عن إيمانها، عن مبادئه، عن قيمه، عن أخلاقه، البنَّائة، التي تبني الإنسان، وتبني الحضارة الإسلامية الراقية، التي هي إنسانية، لا تقوم على أساس هدم القيم الفطرية الإنسانية، بيّن الله لنا في القرآن الكريم أنهم يسعون- بشكلٍ تفصيلي- إلى إضلالنا، وإلى إفسادنا.

قد يعجبك ايضا