الدور السعودي المدمر في لبنان هو سبب القرار ضد سلاح المقاومة

يقف لبنان من جديد، وهو الذي عانى طويلاً من التدخلات الخارجية والتناقضات الداخلية، على حافة اضطراب خطير. فموجة التصعيد السياسي الأخيرة، التي تتمحور حول سلاح المقاومة، ليست وليدة المجتمع اللبناني، ولا تعكس إرادة غالبية شعبه، بل هي ثمرة حملة سعودية مُدبّرة بعناية، نُفّذت ميدانياً من خلال مبعوثها إلى بيروت، يزيد بن فرحان.

وتحت شعارات “دعم الدولة” و”تعزيز السيادة”، تسخّر الرياض العديد من أدواتها الإعلامية والسياسية، وتستغل انهيار لبنان الاقتصادي لتحقيق هدفها الأسمى: نزع سلاح حزب الله. وبدلًا من تنفيذ واجبها في تعزيز الاستقرار، يؤدي تدخل السعودية إلى تفاقم الانقسامات وتصعيد التوترات، وتشجّع على اتخاذ قرارات حكومية متهورة، قد تودي البلاد نحو المواجهة حتماً خارجياً بل وحتى داخلياً.

وربما تكون السعودية أيضاً هي المموّلة لهذه المواجهة، خاصةً بعد تصريح عضو المجلس السياسي في حزب الله منذ أسابيع، عن قيام أمريكا بتسليح القوات اللبنانية وبعض الأطراف الداخلية في لبنان بتمويل عربي (دون تحديد هذه الجهة). كما لا ننسى ما كشفه سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله منذ أعوام، حيث قال خلال مقابلة إعلامية لقناة الميادين بأنه استناداً إلى “معطيات” فإن السعودية تحرّض على اغتياله منذ وقت طويل، وبالحد الأدنى منذ الحرب على اليمن، وأن معطياته تقول بأنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طرح خلال إحدى زيارته إلى واشنطن مسألة اغتياله (أي السيد نصر الله)، مضيفاً بأن الأميركيين وافقوا على الطلب السعودي باغتياله، على أن تنفذه إسرائيل، لافتاً بأن السعودية تعهدت بدفع تكاليف الحرب في حال حصولها.

وعليه فإن أجندة حكام السعودية في لبنان لا تتركّز حول السيادة أو الإصلاح أو إعادة إعمار ما تهدّم في العدوان الإسرائيلي، بل حول إضعاف محور المقاومة في المنطقة وتحديداً حزب الله، ومواءمة لبنان مع أولويات إسرائيل وأمريكا الأمنية، واستعادة هيبة السعودية بعد سنوات من الإخفاقات الاستراتيجية.

تعيين يزيد بن فرحان مبعوثاً للسعودية الى لبنان: الخطوة التمهيدية

منذ لحظة تعيينه، أوضح يزيد بن فرحان أن مهمته هي “إحياء” النفوذ السعودي في بيروت. وعنى هذا الأمر عمليًا، تقوية الأحزاب والشخصيات المناهضة لحزب الله، والضغط على المؤسسات اللبنانية لتبني نهج الرياض، وإدخال السعودية في صميم عمليات صنع القرار، وصولاً الى فرضها أسماء الرؤساء والتعيينات وغيره من أدوات صنع القرار، تمهيداً لتنفيذ المهمة الأصعب، وهي محاصرة المقاومة سياسياً وإعلامياً وربما حتى مالياً وأمنياً وعسكرياً، تمهيداً لخطوات أخرى لا يُستبعد مشاركة أطراف خارجية فيها مثل إسرائيل والحكومة الحالية في سوريا برئاسة أحمد الشرع الجولاني.

ومن خلال زياراته المتكررة للمسؤولين اللبنانيين، وما يتكشف من أدواره عن التحريض ضد سلاح المقاومة (مثل الضغط على المبعوث الأمريكي توماس برّاك)، واستخدامه لأساليب تجمع بين الترغيب والترهيب، استطاع الضغط على السلطة التنفيذية اللبنانية لاستصدار قرار يتعلق بسلاح المقاومة. فمن جهة، لوّح بوعودٍ بتقديم مساعداتٍ مالية سعوديةٍ للدولةٍ اللبنانيةٍ المُفلسة. ومن جهةٍ أخرى، هدّد بعزلةٍ دبلوماسيةٍ وخنقٍ اقتصاديٍّ في حال عدم امتثال بيروت.

أهداف السعودية من نزاع سلاح حزب الله

1)إضعاف النفوذ الإقليمي للجمهورية الإسلامية في إيران (تمهيداً للاعتداء العسكري عليها من جديد في المستقبل القريب كما حصل في حزيران / يونيو الماضي). فحزب الله هو أقوى حليف للجمهورية الإسلامية ورمز لمحور المقاومة.

2)تأمين الجبهة الشمالية للكيان المؤقت: فلبنان بدون حزب الله، وسوريا بوجود السلطة التي تحكمها اليوم، لا يشكّلان أي خطر على إسرائيل.

3)استعادة الزعامة السنية: من خلال القضاء على الميزة العسكرية لحزب الله، تأمل السعودية في استعادة الهيمنة السياسية السنية في لبنان تحت رعايتها.

الخلاصة: مسؤولية الرياض عن التصعيد في لبنان

لا يُمكن تفسير التصعيد الحالي في لبنان دون الإقرار بالدور المحوري للسعودية. من خلال مبعوثها يزيد بن فرحان، سيطرَت الرياض على الأجندة السياسية اللبنانية، ودفعت الحكومة إلى تبني سياسة متهورة لنزع السلاح، وفاقمت الاستقطاب الطائفي. وبدلًا من تعزيز الاستقرار، أصبحت السعودية المحرك الرئيسي للتوتر.

كما لا يمكن رهن مستقبل لبنان بطموحات الجهات الخارجية. فالشعب اللبناني يستحق دولة تُعطي الأولوية للتعافي الاقتصادي والتماسك الاجتماعي والسيادة الحقيقية – لا حكومةً ترقص على أنغام الإملاءات السعودية.

موقع الخنادق

قد يعجبك ايضا