العرب ما بين منهجية «القُدوة» الواحدة ومبدأ تعدد «القدوات».. اليمن والسعوديّة أُنموذج
عبدالمنان السنبلي
على مدى أكثر من شهر كامل والبلدان يستعدان على المستوى الرسمي والشعبي لاستقبال حدثين مختلفين تمامًا، حدثين مهمين وغير عاديين:
اليمن يحشد ويستعد لاستقبال ذكرى مولد الرسول الأعظم عليه وعلى آله أزكى الصلاة وأتم التسليم..
والشقيـقة الكبرى تحشد وتستعد بدورها لاستقبال الدورة الرابعة أَو الخامسة ـ لا أدري ـ من موسم الرياض..
السعوديّون، في هذه الأثناء، ينظرون إلى ما يجري في اليمن على أَسَاس أنه منكرٌ وبدعة..
واليمنيـون، بدورهم، ينظرون إلى ما يجري في السعوديّة على أَسَاس أنه فضيحة وعار..
أليس هذا هو ما يحصل..؟
طيب..
ما سر هذا التباين والاختلاف، برأيكم، في بلدين يعد أحدهما امتدادًا للآخر جغرافيًا واجتماعيًا وثقافيًّا وقبليًا وعرقيًا ومن كُـلّ النواحي تقريبًا..؟
هل هو أمر طبيعي، يعني..؟
أم هو ظاهرة غريبة ونادرة الحدوث..؟
أم ماذا يا ترى..؟
والحقيقة، بصراحة، أنه فعلًا أمر طبيعي..
أمر طبيعيٌ جِـدًّا نتج عن تغير «دراماتيكيٍ» في النظرة السعوديّة لمفهوم «القُدوة»
ففي حين يحرص اليمنيون على تبني مفهوم «القُدوة» القرآني الثابت والغير قابل للتغير أَو التبدل، والذي يقول: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة»..
يؤيد هذا الطرح، بالطبـع، ويؤكّـد عليه هذا الإصرار اليمني على الاحتفاء والاحتفال بمولد الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بهذه الصورة وهذا الزخم الكبير والفريد من نوعه الذي نراه منهم في كُـلّ عام، وذلك كنوع من التعبير عن تجديد الولاء وتأكيد الانتماء والاقتدَاء بقدوتهم واسوتهم محمد ـ عليه وعلى آله أزكى الصلاة وأتم التسليم.
في المقابل، نجد السعوديّين قد ذهبوا، وبفعل مؤثرات وثقافات أجنبية، إلى تبني مفهوم مغاير تمامًا يقوم على أَسَاس مبدأ تعدد «القدوات»..
يعزز هذا الطرح ويؤكّـد عليه، بالطبع، هذا الإصرار السعوديّ الرسمي العجيب والغريب الذي نراه اليوم على إشاعة ثقافة الانحلال والسقوط الفكري والأخلاقي والقيمي في وأساط المجتمع السعوديّ، وإعادة توجيهه وربطه بأسماء وشخصيات ومشاهير يتم استقدامهم وتقديمهم له كرموز تستحق منه أن يتأثر بها، وأن تستحوذ على جميع اهتماماته وتفكيره..
أو هكذا يفعلون..!
لذلك، ليس غريبًا أن نرى الناس في اليمن اليوم، وخلال استعداداتهم لإحياء وإقامة احتفالات وفعاليات المولد النبوي الشريف، لا حديث لهم فقط سوى عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم:
عن سيرته المطهرة..
أين وكيف عاش طفولته..
ومن كفله..
ومتى كانت بعثته وهجرته..
وكيف كانت أخلاقه العظيمة..
وعن جهاده وغزواته..
وعن كُـلّ ما يتعلق بحياته وسيرته ـ صلى الله عليه وآله وسلـم..
كذلك الأمر بالنسبة للسعوديّة، ليس غريبًا أن نرى الناس لا حديث لهم اليوم، وخلال فترة استعدادهم لاستقبال موسم الرياض سوى عن تركي الشيخ:
ماذا أعد هذا الموسم من مفاجآت..!
ومن سيدعو هذه المرة من المشاهير..!
هل سيدعو «شاكيرا» في هذا الموسم مثلًا، أم أنه فقط سيكتفى بدعوة «صافيناز»..!
ومن من الفنانين والفنانات والمغنيين والمغنيات والراقصين والراقصات سيقوم بتكريمهم في هذا الموسم..
وأشياء كثيرة من هذا القبيل..
يعني، باختصار، ومن الآخر:
ما يجري سواء في اليمن أَو في السعوديّة أمر طبيعي جِـدًّا، نشأ عن تبني كُـلّ بلد منهما فهمًا خاصًا مغايرًا ومختلفًا تمامًا لمفهوم «القُدوة»..
وهناك فرق طبعًا بين المفهوم القرآني «للقُدوة» الذي يتبناه وحده اليمن، وبين مفهوم تعدد «القدوات» الذي تتبناه السعوديّة؛ الأمر الذي ترتب عليه هذا الانفصام السلوكي الشاذ والعجيب الذي تعيشه الشقيقة الكبري..