اليمن يحتفي بالمولد النبوي الشريف: ملحمة إيمانية وجماهيرية تعانق فلسطين وتصوغ وعي الأمة
ارتفع اليمن في الثاني عشر من ربيع الأول 1447هـ إلى مقام استثنائي حين تحولت ساحاته إلى نهر بشري متدفق يفيضُ محبةً وتوقيرًا للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. لم يكن المشهد حدثًا عابرًا، بل محطة تاريخية كبرى قدّمت للعالم صورة متفردة لمعنى الارتباط بالرسول، حيث خرجت الملايين في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، رافعة رايات الولاء ومعلنةً التمسك بنهج المصطفى في مواجهة طواغيت العصر والانتصار للمستضعفين وفي مقدمتهم فلسطين.
حشود لا يحدها نظر توجه رسالة للعالم
بدت الساحات الممتدة في صنعاء وبقية المحافظات كبحر لا يُحدّ طرفاه. ملايين الوجوه المضيئة، ورايات خضراء تتمايل في ولاء صادق، وأصوات تملأ الأفق بالصلاة على النبي الأكرم. ارتفعت المديحيات والأناشيد المحمدية، وتعانقت الألوان والأصوات لتجعل من الساحات فضاءً روحانيًا مفتوحًا يذوب فيه الفرد في الجماعة، وتتوحد فيه الأمة حول رمزها وقائدها ومعلمها الأول.
ولم يكن الاحتفال مجرد طقس ديني، بل إعلان موقف. اليمنيون حولوا المناسبة إلى رسالة للعالم بأنهم ماضون على خطى رسول الله، وأنهم أوفياء لقضية الأمة المركزية: فلسطين.
وفيما انشغلت بعض الأنظمة العربية بالتطبيع مع الاحتلال، رفع اليمنيون أعلام فلسطين وصور شهدائها في قلب المولد النبوي، لتغدو المناسبة جسرًا يربط بين الولاء المحمدي والوفاء لدماء المقاومين.
خطاب السيد القائد: المولد محطة وعي وموقف
في كلمته بالمناسبة، رسم السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي ـ يحفظه الله ـ معالم الرؤية اليمنية، مؤكدًا أن نصرة فلسطين جزء أصيل من الولاء للرسول. ربط السيد القائد بين الروحانية الإيمانية والواجب السياسي، موضحًا أن التمسك برسول الله يعني رفض مشاريع الهيمنة الأمريكية والصهيونية ومواجهة كل صور الاستكبار.
الحشود تفاعلت مع الخطاب برفع التكبير والتهليل، فبدا المشهد كأنه وحدة إيمانية هادرة تُترجم الخطاب إلى فعل جماهيري. المولد النبوي، كما أعلنه السيد القائد، ليس مجرد ذكرى بل محطة تحشيد سياسي وروحي، ترفع الأمة إلى مستوى المسؤولية في معركة التحرر.
الروحانية المتوهجة
كل ساحة من ساحات اليمن تحولت إلى مدرج إيماني يفيض بالروحانية. أصوات الصلاة والسلام على النبي تعانقت مع القصائد والأناشيد، لتجعل من الذكرى مساحة يستعيد فيها اليمنيون صورة الرسول وهو يقود الأمة من العتمة إلى النور.
في ذات اللحظة، حملت الاحتفالات مضمونًا سياسيًا واضحًا: رفض التطبيع، التضامن مع فلسطين، إعلان العداء للكيان الصهيوني، وتأكيد الانتماء لمحور المقاومة. هذه الثنائية بين الروحانية والموقف المقاوم أعطت المشهد اليمني فرادته، ليغدو المولد النبوي محطة سياسية بامتياز.
صعدة: مشاهد إيمانية مهيبة
شهدت محافظة صعدة مسيرة جماهيرية كبرى في ساحة الشهيد القائد، حيث اكتظت الساحة بالآلاف الذين توافدوا من كل القرى والمديريات.
الهتافات لم تقتصر على الصلاة على النبي، بل تضمنت شعارات منددة بجرائم العدو الصهيوني في غزة، لتغدو المناسبة جسرًا يربط بين ذكرى النبي ومعركة الأمة المعاصرة.
صنعاء.. قلب المشهد وأيقونة الحضور
شهدت العاصمة صنعاء أضخم احتفال جماهيري على مستوى المنطقة والعالم، حيث عجز ميدان السبعين عن استيعاب السيول البشرية المتدفقة منذ الصباح الباكر.
الميدان الذي تزيّن باسم النبي تحوّل إلى بحر بشري ممتد على عدة كيلومترات، غمرته الأعلام الخضراء والرايات المحمدية، وتعالت فيه الهتافات والمدائح النبوية، لتعلن صنعاء أن الإيمان حين يسكن القلوب يترجم حضوراً هادراً يصنع التاريخ.
الحديدة.. البحر الأحمر يزدان بمحبة المصطفى
غصّت ساحتا الشهيد الصماد بمدينة الحديدة والرسول الأعظم في الحسينية بمديرية بيت الفقيه، بملايين المحتشدين الذين جاءوا من مختلف المديريات، رافعين رايات الولاء ومرددين الأهازيج والمدائح.
جسّد أبناء تهامة حضوراً فريداً طبع المشهد بأجواء روحانية بهية، عبّرت عن ارتباطهم العميق بالنبي الكريم وتجديد العهد على المضي في نهجه.
إب.. هطول المطر يبارك الحشود
على وقع زخات المطر، توافدت الحشود إلى ساحات جامعة إب والاستاد الرياضي، ومربعات يريم والعدين.
في مشهد مهيب امتلأت الساحات بالرايات الخضراء واللافتات المحمدية، فيما تعالت أصوات الأناشيد والمدائح والقصائد، مؤكدة أن اليمنيين ماضون على خطى الرسول الأعظم مهما كانت التحديات.
البيضاء.. وفاء يجدد العهد
احتشدت جموع البيضاء في ساحة الرسول الأعظم بمديرية السوادية، بمشاركة جماهيرية ورسمية واسعة.
رددت الحشود الهتافات المؤكدة على حب النبي والتمسك بهديه، مجددة العهد بالسير على درب الجهاد ونصرة الشعوب المستضعفة، وعلى رأسها فلسطين.
المحويت.. أجيال تتوارث الولاء
اكتظ الملعب الرياضي بالمحويت بالحشود القادمة من مختلف المديريات، في مشهد جسّد صدق الانتماء والتمسك بسيرة الرسول الكريم.
كما شهدت الساحات النسائية مشاركة لافتة عبّرت عن الحضور الإيماني للمرأة اليمنية في الدفاع عن هوية الأمة وقضاياها.
حجة.. مشاهد غير مسبوقة
شهدت محافظة حجة ثلاث فعاليات مركزية في مركز المحافظة ومستبأ وعبس.
السيول البشرية التي احتشدت هناك، رفعت رايات الوفاء وأعلنت بصوت واحد استعدادها لمواصلة النهج المحمدي ودعم المقاومة الفلسطينية حتى تحقيق النصر.
الضالع.. أيقونة الولاء رغم التحديات
تدفقت الحشود إلى ساحات دمت والحشاء، في لوحة إيمانية أكدت أن أبناء الضالع، رغم ظروفهم وتحدياتهم، هم جزء أصيل من الحضور اليمني الجامع في هذه المناسبة.
تعالت الهتافات المساندة لفلسطين، وترددت المدائح النبوية لتؤكد أن محبة المصطفى راسخة في وجدان اليمنيين جيلاً بعد جيل.
الجوف: ولاء يتدفق من السهول والجبال
في ساحتي الحزم والمراشي احتشد أبناء الجوف في مشهد غير مسبوق. خرجت الجموع من كل العزل والقرى مرددة أناشيد الولاء ومعلنةً التمسك بنهج النبي في مواجهة الطغيان.
ورفرفت أعلام فلسطين إلى جانب الأعلام الخضراء، لتجسد وحدة الموقف الإيماني والسياسي.
ذمار: ثلاث ساحات تفيض بالمحبة
أحيا أبناء ذمار المناسبة في ثلاث ساحات مركزية: جامعة ذمار، محصوبة بوصاب، وساحة هران للقطاع النسوي. المشهد كان نابضًا بالحياة، حيث تمازجت الأصوات بالمديحيات والشعارات المناهضة لأعداء الأمة، ليؤكد أبناء ذمار التزامهم بخط النبي في الصمود والتحدي.
عمران: لوحات محمدية متدفقة
في ساحة الرسول الأعظم بمدينة عمران، تقاطرت الحشود من كل المديريات المحيطة. ترددت الهتافات التي تؤكد التمسك بالقرآن والرسول كمنهاج حياة، لتجعل من المناسبة تجسيدًا عمليًا لمعنى “الإيمان يمان والحكمة يمانية”.
تعز ولحج: وحدة الجنوب بالشمال
في ساحة مفرق ماوية وساحة الشهيد القائد بمقبنة، احتشد أبناء تعز ولحج في مشهد وحدوي. لم تقتصر الفعاليات على الهتافات، بل تضمنت أوبريتًا فنيًا وقصائد شعرية وأهازيج شعبية، لتؤكد أن حب النبي يتجلى في الفرح كما في المقاومة.
ريمة: ابتهاج يلتقي بالموقف
احتشد أبناء ريمة في ساحتين مركزيتين بالجبين والجداجد. الشعارات المرفوعة مزجت بين الولاء للرسول ورفض العدوان الصهيوني. المشاركون أكدوا أن دماء الشهداء، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ووزراؤه الذين استهدفهم العدو مؤخرًا، ستكون دافعًا لمزيد من الصمود.
مأرب: روح المقاومة تتدفق
في ساحتي صرواح والجوبة، تدفقت الحشود من مختلف المديريات، رافعة اللافتات التي تجسد الولاء للنبي ورفض الاستكبار العالمي. أصوات الهتاف ضد أمريكا وإسرائيل ارتفعت مع التكبير والتهليل، لتجعل من المناسبة منصة سياسية بامتياز، تجدد ارتباط اليمنيين بالرسول والقرآن.
لم تغب فلسطين عن أي ساحة من ساحات اليمن. صور الشهداء الفلسطينيين، أعلام المقاومة، والهتافات من أجل غزة، كلها حضرت بقوة. بدا المولد النبوي كحدث جامع يربط بين قداسة النبي وقضية الأمة المركزية، ليؤكد أن الطريق إلى القدس يبدأ من التمسك بالرسول ونهجه.
في وقت هرولت فيه بعض الأنظمة نحو التطبيع، جاء صوت اليمن من ساحات المولد ليعلن رفض كل أشكال الخضوع. الهتافات واللافتات كانت رسالة مباشرة: اليمن ثابت في خندق المقاومة، وأن الارتباط برسول الله لا ينفصل عن مواجهة مشاريع الاستعمار الحديث.
الاحتفال اليمني بالمولد لم يكن مجرد طقس شعبي، بل تجلٍّ لهوية راسخة ترى في النبي محور الوجود. الملايين التي خرجت لم تكتفِ بإحياء ذكرى ميلاد الرسول، بل أعادت صياغة هويتها كأمة مقاومة ترفض الذل والهيمنة.
وبهذا المشهد الجماهيري غير المسبوق، وضع اليمن نفسه في موقع القيادة الروحية والسياسية.
الحشود المليونية أكدت أن اليمن قادر على أن يكون منارة مواقف وأفقًا للمقاومة، في وقت تتراجع فيه كثير من العواصم العربية والإسلامية أمام ضغوط الخارج.
وفي الختام.. المولد النبوي الشريف في اليمن عام 1447هـ لم يكن مجرد مناسبة دينية، بل حدث جامع حمل أبعادًا روحية وسياسية وحضارية. لقد تحولت الساحات إلى منابر نهضة، حيث الروحانية تتعانق مع الموقف المقاوم، وحيث الولاء للرسول يلتقي بالولاء لفلسطين.
اليمنيون أكدوا أن ميلاد النبي هو ميلاد نهضة متجددة، وأن الاحتفال الحقيقي بالرسول هو التمسك برسالته ومواجهة الطغاة. وهكذا، خرجت الملايين من الساحات وهي أكثر وعيًا وصلابة، تحمل مشروعًا يتجاوز حدود اليمن ليصوغ معادلة أمة تستعيد قوتها ومكانتها.