الغماري.. القائد الذي جعل الأقصى بوصلته والميدان محرابه.؟ ..بقلم /جمال أبو مكية

يُعدّ الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري واحداً من أبرز القادة العسكريين الذين جسّدوا قيم الإيمان والثبات، وجمعوا بين الرؤية الواعية والقيادة الميدانية الفاعلة، لم يكن مجرد قائدٍ في الميدان، بل كان ركيزةً من ركائز الصمود الوطني، ورمزاً للإقدام والوفاء، واسماً ارتبط بمسيرةٍ طويلةٍ من العطاء والبصيرة، لا يُذكر إلا مقروناً بالعطاء والإخلاص.

منذ انطلاق المسيرة القرآنية، كان الغماري حاضراً في صفوفها الأولى، مؤمناً بأن المعركة لا تُحسم بالسلاح وحده، بل بالوعي والإيمان والبصيرة، يحمل همّ الأمة في قلبه، ويغرس في نفوس المجاهدين يقيناً لا يتزعزع، ويربّي فيهم روح الانضباط والثقة بالله، ليجعل من الجبهة ميدانًا للوعي قبل أن تكون ميداناً للقتال، قاد جبهات القتال بروحٍ إيمانيةٍ عالية، وكان يرى في كل معركة ميداناً للاختبار والتمحيص، وفي كل نصرٍ برهاناً على صدق الارتباط بالله ووعده للمؤمنين.

غرس في رجاله مبدأ الطاعة والولاء لله ورسوله، وللقيادة التي استمدّت منهجها من القرآن الكريم، فرأى في ذلك سرّ النصر ومفتاح الثبات، ومن صدق تسليمه لقيادته تفجّرت حكمته، وتعمّقت بصيرته، وتألق نوره، حتى ارتسم في شخصه توازنٌ نادر بين العقل العسكري والروح الإيمانية، فكان قائداً يُلهم العزيمة، ويوقظ في القلوب جذوة الإيمان والثبات.

تميّز الغماري بحضوره المستمر في الخطوط الأمامية، فلم يكن قائداً يوجّه من بعيد، بل كان في قلب المعركة، يواجه الخطر قبل جنوده بثقة وإيمان، فيزرع الطمأنينة في نفوسهم ويُشعل فيهم روح الحماس والتوكل على الله، إمتاز بحنكته العسكرية التي أفشلت مخططات العدوان في أكثر من جبهة، ما جعله أحد العقول الميدانية الموثوق بها في المواقف المصيرية، جمع بين الحزم والرحمة، فكان صلباً أمام العدو، رحيماً بالمؤمنين، كما وصف الله أولياءه: {أشداء على الكفار رحماء بينهم}.

في معركة طوفان الأقصى، برز الغماري كأحد القادة الذين أدركوا عمق التحولات في موازين الصراع، وتعاملوا معها بعقليةٍ استراتيجيةٍ دقيقة، حيث أشرف على تطوير منظومات الرصد والاستطلاع، ورفع الجاهزية االقتالية، وساهم في تعزيز القدرات الصاروخية والدفاعية، مؤمناً بأن المبادرة يجب أن تبقى بيد الأحرار لا الأعداء، ورأى في طوفان الأقصى نقطةَ تحوّلٍ تاريخيةٍ فاصلةٍ بين زمن الضعف والتشتّت وزمن القوة والوحدة، معتبراً أن المعركة لا تخص جبهةً بعينها، بل هي معركة الأمة بأسرها ضد الكيان الغاصب، تستوجب وحدة الموقف وتوحيد القرار.

وحين ارتقى الغماري شهيداً، لم تخسر اليمن قائداً فحسب، بل فقدت الأمة أحد أعمدتها الذين صنعوا من الإيمان سلاحاً، ومن التضحية طريقاً إلى الخلود، رحل الجسد، وبقي فكره ومبادئه ووصاياه وجهاده نبراساً يهتدي به المجاهدون، ودروساً ينهل منها الأحرار في كل زمان ومكان، إن استشهاده لم يُضعف المسيرة، بل أضاءها نوراً وعزيمة لا تنطفئ، وقد ترك وراءه رجالاً يحملون رايته بثبات وإصرار، يواصلون السير على الدرب الذي رسمه بدمه الطاهر.

سلامٌ على شهيدنا الغماري.. القائد الذي جعل الأقصى بوصلته والميدان محرابه، وجمع بين البصيرة والإقدام، وصاغ من حياته سيرةً تُروى للأجيال، ومن عطائه جسراً تعبر عليه الأمة نحو فجر الحرية والعزّة والكرامة.

قد يعجبك ايضا