اليمن في قلب الطوفان.. قراءة في خطاب السيد القائد: كيف تحوّل طوفان الأقصى إلى مسار أمّة
الحقيقة ـ جميل الحاج
خطاب السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة مرور عامين على “طوفان الأقصى” لم يكن مجرد عرضٍ لوقائع الدعم اليمني لغزة، بل وثيقة استراتيجية ترسم بوضوح معالم التوازن الجديد في المنطقة، وتؤكد أن اليمن لم تعد ساحةً هامشية في معادلات الصراع العربي الصهيوني، بل طرفًا فاعلًا في معادلة الردع والمواجهة ضد المشروع الأمريكي الإسرائيلي.
من بين السطور، يتبدى أن الخطاب حمل ثلاث رسائل مركزية: ترسيخ الوعي الجهادي في الأمة، وتثبيت شرعية الإسناد اليمني كجزء من معركة الأمة، وإعلان تحوّل اليمن من موقع التضامن إلى محور الفعل المباشر.
الإسناد اليمني.. من شعار إلى فعلٍ استراتيجي
حين تحدث السيد القائد عن “قرار حظر الملاحة على العدو الإسرائيلي” بوصفه قرارًا إيمانيًا وتاريخيًا، كان يؤسس لمفهوم جديد في الصراع: أن دعم فلسطين لا يكون فقط بالتعاطف أو التظاهر، بل بالفعل العملي الذي يمس مصالح العدو مباشرة.
ففي معادلة البحر الأحمر وباب المندب، نجح اليمن في تحويل الإسناد إلى سلاح ردع استراتيجي أجبر العدو على تغيير خرائطه التجارية والعسكرية، وأصاب اقتصاده بالشلل الجزئي. هذا القرار، كما أراد القائد أن يظهر، ليس قرارًا تكتيكيًا بل جزء من مسار قرآني ممتد يربط الإيمان بالفعل، والعقيدة بالتحرك.
الخطاب أضاء كذلك على البعد “الإعجازي” في صمود الشعب اليمني رغم الحرب والحصار، إذ أطلق 1835 عملية عسكرية خلال عامين ـ رقم يعادل نشاط جيوشٍ نظامية في دولٍ مستقرة.
الرسالة المضمَرة هنا أن اليمن لم يكتفِ بالدعم الرمزي، بل دخل ميدان الصراع بندّية وفاعلية، ليصبح الركن الثالث بعد غزة ولبنان في محور الإسناد العسكري.
شعب بحجم أمة
حين أورد السيد القائد الإحصاءات الضخمة للفعاليات الشعبية، أكثر من 49354 مسيرة و94478 فعالية و350633 وقفة طلابية – لم يكن يسعى إلى الاستعراض العددي، بل إلى ترسيخ صورة اليمن كأمة متحركة وواعية.
بين السطور، يمكن قراءة الإشارة إلى أن الزخم الشعبي اليمني لم يكن انفعالًا مؤقتًا بل “وعيًا جهاديًا مؤسسًا” نابعًا من العقيدة القرآنية، وهو ما جعله يصمد أمام الحرب النفسية والإعلامية الهائلة التي استهدفته.
الخطاب هنا يوجّه نقدًا مبطّنًا للأنظمة العربية التي تملك الإمكانات لكنها تفتقد الوعي، في مقابل شعب محاصر لكنه يمتلك البوصلة الإيمانية الصحيحة.
العدوان على غزة.. مرآة سقوط النظام العربي الرسمي
في توصيفه الدقيق لـ العدوان الأكثر دموية في هذا العصر، لم يكن السيد القائد يسرد أرقامًا عن الضحايا فقط، بل كان يرسم خريطة أخلاقية تكشف انهيار القيم الدينية والإنسانية في العالم العربي والدولي.
بين السطور، يتضح أن السيد أراد فضح الازدواجية العربية التي وقفت متفرجة أمام الإبادة، بل شاركت بالصمت أو بالتطبيع أو بتسهيل الإمدادات الاقتصادية للعدو.
فالخطاب لم يكتفِ بإدانة العدو الإسرائيلي، بل حمّل الأنظمة العربية وزر الشراكة في الجريمة من خلال دعمها اللوجستي والسياسي للكيان الصهيوني، مؤكّدًا أن التخاذل العربي هو الوجه الآخر للإجرام الصهيوني.
طوفان الأقصى.. كسر المسار الأمريكي
في قراءة القائد لمعركة طوفان الأقصى، يظهر البعد التحليلي العميق؛ إذ اعتبرها محطة كونية غيّرت اتجاه التاريخ، وأوقفت مسار “صفقة القرن” ومشاريع التطبيع الشامل.
السيد القائد أوضح أن “الطوفان” لم يكن بداية صراع، بل استكمال لمسار مقاوم عمره 75 عامًا، وأن هذه العملية أعادت تعريف الصراع من كونه نزاعًا حدوديًا إلى كونه معركة تحرر أممية.
وبين سطور الخطاب، يتبدّى أن الطوفان بالنسبة له هو لحظة ولادة جديدة للأمة، لا تقل شأنًا عن بدر أو كربلاء، وهو ما يفسر وصفه لها بأنها محطة فاصلة في التاريخ الإسلامي المعاصر.
مشروع الهيمنة الإسرائيلية.. قراءة تحذيرية
الخطاب لم يتوقف عند حدود غزة، بل كشف عن خريطة أوسع للمخطط الأمريكي الإسرائيلي الذي يسعى إلى السيطرة على المياه والاقتصاد والمناهج والاتصالات في المنطقة.
تحذيره من قناة “بن غوريون” البديلة عن قناة السويس، ومن مشروع ربط الاقتصاد العربي بالعدو الإسرائيلي، هو قراءة سياسية متقدمة لما يمكن أن تكون عليه “إسرائيل الكبرى” بصيغتها الحديثة: هيمنة اقتصادية وثقافية لا عسكرية فقط.
من بين السطور، يرسل القائد تحذيرًا واضحًا للنخب العربية: التطبيع ليس تسوية، بل استعباد شامل للأمة عبر تغيير المناهج وتحريف المفاهيم القرآنية وتطويع الأجيال الجديدة نفسيًا لقبول الصهيوني كـ “جار طبيعي”.
التحالف المقاوم.. معادلة الردع الجديدة
في تناوله لجبهات الإسناد في لبنان والعراق وإيران، قدّم السيد القائد رؤية موحدة لمحور المقاومة بوصفه كيانًا متكاملًا، تتوزع أدواره بين الإسناد العسكري والإعلامي والسياسي.
من بين السطور، أراد أن يقول إن المقاومة اليوم لم تعد جزرًا منفصلة، بل شبكة ردع إقليمية تُدار بإيقاعٍ منسق وروحٍ إيمانية واحدة.
وأكد أن اليمن في هذه المنظومة ليس تابعًا أو هامشًا، بل فاعل رئيسي يملك قراره المستقل، ويربط موقفه بالله لا بالسياسة.
تجميد الأمة.. أخطر ما أنتجه التخاذل العربي
حين تحدث السيد القائد عن “تجميد الأمة”، فهو لم يصف حالة سياسية فحسب، بل أطلق تشخيصًا حضاريًا لأزمة العالم الإسلامي.
الأمة، كما أوضح، تم تجميدها عبر أنظمتها الرسمية حتى غدت بلا رد فعل إلا التصريحات والبيانات، في حين كان الأعداء يملؤون السماء والسواحل والسفن بالسلاح لإسناد (إسرائيل).
بين السطور، الرسالة قاسية: العدوّ تحرك بجسر جوي، بينما الأمة تحركت بجسر بيانات.
الخطاب في بعده الرسالي
في النهاية، يمكن القول إن خطاب السيد القائد لم يكن سياسيًا بالمعنى التقليدي، بل بيانًا قرآنيًا يستنهض الأمة من سباتها.
لقد أعاد تعريف الموقف الإيماني في زمن التطبيع، وأثبت أن الإسناد اليمني لغزة ليس عملاً تضامنياً بل تجسيد الموقف وفق التوجه القرآني والجهاد في سبيل الله.
فمن بين سطور الخطاب، يبرز اليمن كـ ضمير الأمة وقلعة كرامتها الأخيرة، ومن بين كلماته يطل المستقبل بملامح أمة تتشكل من جديد، تحمل البندقية في يدٍ والمصحف في اليد الأخرى، تسير بثبات نحو معركة التحرر الكبرى.