انتعاش الرهانات السعودية القديمة: اليمن قابل للهزيمة
تُمعن السعودية في المماطلة بتنفيذ التزاماتها تجاه اليمن، متمسّكة بسياسة الإنكار والرهان على وهن «أنصار الله»، بما يهدّد بإطالة أمد الحرب وتعميق أزماتها.
لا تبدو السعودية في عجلة من أمرها لتسوية استحقاقات حربها على اليمن، وهو ما تعكسه مماطلتها في تنفيذ التزاماتها الإنسانية والاقتصادية بموجب الهدنة الممدّدة منذ عام 2022، والتي تآكلت تدريجياً عقب انخراط اليمن في حرب الإسناد دعماً لقطاع غزة. وليست هذه المرة الأولى التي تتباطأ فيها المفاوضات حول هذين الملفَّين أو تصل إلى نقطة حرجة؛ فقد شهدت المراحل السابقة صعوداً وهبوطاً متكرّرين، وغالباً ما كانت التسويات تأتي بعد أن تقتنع الرياض بجدّية التهديد اليمني ردّاً على المراوغة والمماطلة. ورغم أنه لم يَصدر عن المستوى السياسي السعودي أي موقف رسمي حتى الآن في هذا الشأن، فإن إعلام المملكة، أو ذلك المموَّل من قبلها، يعكسان بوضوح حقيقة الموقف الممانع لأي تسوية عادلة تنهي آثار الحرب على اليمن، لا بل رهاناً على ما تفترض المملكة أنه هزيمة تعرّضت لها حركة «أنصار الله» بفعل الضربات الأميركية والإسرائيلية التي وُجّهت إليها، وأدّت إلى فراغات قيادية وارتباك في صفوفها وصعوبات في التنسيق بين الجبهات العسكرية التابعة لها.
في الإطار نفسه، ورغم البيانات الرسمية الصادرة عن الوكلاء المحليين في عدن والمخا، التي تحدّثت في الأسابيع الأخيرة عن ضبط شحنات أسلحة إيرانية وصينية موجّهة إلى صنعاء، مرفقة بصور ومقاطع فيديو، فإن الإعلام السعودي يركّز على تسويق رواية تراجع الدور الإيراني الإقليمي وتأثيره في صنعاء. وتُنشر، في هذا السياق، محتويات ومواد دعائية تزعم وجود نقص في الدعم المالي والعسكري، وتوقّف التدريب ونقل الخبرات بين طهران وصنعاء، وذلك في محاولة لتصوير الأخيرة كعاصمة معزولة عن العالم، بما فيه «أصدقاؤها» الإيرانيون والعراقيون واللبنانيون. أيضاً، تهمل السعودية حقيقة اتجاه البوصلة الاقتصادية لصنعاء شرقاً، وتحديداً نحو الصين، والذي أشار إليه تقرير الأمم المتحدة الأخير بشأن الواردات والاحتياجات اليمنية، وتسعى إلى استغلال عناصر هامشية ليست موضع رهان يمني أصلاً، عبر الزعم أن «المجتمع الدولي»، عبر فرضه مزيداً من العقوبات على حركة «أنصار الله»، يثقل كاهل العاصمة ويزيد من عزلتها الدولية. أمّا استحقاقات الحرب على اليمن، فلا يُتعامل معها بوصفها محور مسار تفاوضي سعودي مباشر مع «أنصار الله»، بل غالباً ما تُربط بالتحالفات الإقليمية وأزمات البحر الأحمر والعلاقات مع إيران، في حين يتمّ التركيز على حصرية تمثيل «الشرعية اليمنية»، مقابل «عدم اعتراف العالم» بحكومة صنعاء.
هكذا، يبدو أن الرياض عادت مجدّداً إلى سياسة الإنكار التي تحول دون قراءتها الواقع الميداني والسياسي بدقة، وقد تدفع بها نحو رهانات خاطئة من شأنها إطالة أمد الأزمة وتعميق كلفتها السياسية والإنسانية. والظاهر أن هذه المكابرة امتدّت عدواها إلى صفوف حلفائها في اليمن، حيث برزت موجة واسعة من المواقف الرافضة لأي اتفاق محتمل بين صنعاء والرياض، بدعوى أن أي تسوية سياسية مع «أنصار الله» تعدّ «جريمة وطنية وسياسية» لا يمكن تبريرها أو تمريرها تحت أي ذريعة، وأن ما يُروَّج له باسم «خارطة الطريق» ليس سوى «محاولة لتبييض صفحة الحركة» و«إعادة تأهيلها سياسياً»، وتكريس الأمر الواقع الذي فرضته بقوة السلاح. كذلك، وصفت القوى والشخصيات المعارضة للتقارب السعودي – اليمني، أي صفقة محتملة بأنها «اتفاق استسلام» بكل المقاييس، لأنه «يتجاوز المؤسسات الرسمية الشرعية، مقابل وعود فضفاضة لا تُلزم الحوثيين بإنهاء سيطرتهم أو تسليم السلاح أو الخضوع لأي رقابة دولية حقيقية».
وبحسب محللين يمنيين معارضين، فإن هذه المواقف تعبّر عن مأزق حقيقي داخل معسكر «الشرعية»، الذي يخشى، رغم عودة الرهان السعودي على هزم «أنصار الله»، من أن تؤدي المفاوضات إلى تعرّضه لضغوط إقليمية (سعودية) تدفع نحو التسوية الشاملة، ولا تراعي مصالحه الخاصة. وبدا ذلك واضحاً في حديث ناشطين وإعلاميين عن أن الرياض تسعى عبر هذا المسار إلى «إغلاق ملف الحرب بأي ثمن»، حتى لو كان تثبيت سلطة «أنصار الله» شمالي البلاد، وتفتيت ما تبقّى من مؤسسات الدولة جنوباً، معتبرين أن هكذا اتفاق «سيؤسّس لمرحلة طويلة من عدم الاستقرار ويفتح الباب أمام صراعات جديدة بوجوه وأسماء مختلفة».