ثورة 21 سبتمبر: مرحلة ما بعد إسقاط الوصاية
شكّل يوم الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر عام 2014 نقطة تحول مفصلية في التاريخ اليمني الحديث، إذ مثّل لحظة الانتقال من مرحلة طويلة من التبعية والوصاية الخارجية إلى مشروع تحرري وطني حاول أن يرسم ملامح يمن مستقل، رغم ما واجهه من تحديات محلية وإقليمية ودولية. هذه الثورة، التي دخلت عامها الحادي عشر، لم تُغلق فقط صفحة عقود من الخضوع للهيمنة، بل فتحت الباب أمام إعادة صياغة المشهد اليمني على أسس مغايرة، حيث برزت صنعاء كقوة أمر واقع يصعب تجاوزها في أي قراءة لمستقبل واحد من أهم الممرات البحرية العالمية.
في خطابه بمناسبة الذكرى الحادية عشرة، وصف قائد حركة أنصار الله، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، ثورة 21 سبتمبر بأنها “أعظم إنجاز على مستوى المنطقة” و”انتصار تاريخي عظيم حققه الشعب اليمني”. وأوضح أن أبرز ما يميز الثورة هو “أصالتها وخلوّها من أي تبعية أو تأثير خارجي”، إذ انطلقت من إرادة يمنية خالصة وبتمويل يمني بحت، عبر القوافل الشعبية التي كانت تسير لدعم المقاتلين والمتطوعين.
وأشار السيد الحوثي إلى أن سر نجاح الثورة يكمن في اعتماد الشعب على الله وثقته به، ثم في “جهده وعطائه وتضحياته ووعيه بأهمية ما يقوم به”، مؤكداً أن هذه الروح هي التي أثمرت النتائج الكبرى. وشدد على أن الثورة كانت في جوهرها ثورة تحررية هدفت إلى “إنهاء السيطرة والوصاية الخارجية التي كانت مفروضة على اليمن”، مبيناً أن هذه السيطرة بلغت حد أن السفير الأميركي في صنعاء كان يتصرف كـ”رئيس الرئيس”، متحكماً في السياسات والقرارات بما يخدم واشنطن على حساب السيادة الوطنية.
وانتقد بشدة القوى المحلية التي كانت في السلطة قبل الثورة، واصفاً إياها بأنها “مرتهنة للخارج ارتهاناً كاملاً” ومكّنت التدخل الأميركي من السيطرة على مفاصل الدولة. ومن هنا، اعتبر أن ثورة 21 سبتمبر تمثل انتصاراً على الوصاية والتبعية، وتحولاً جذرياً في معادلة القوة داخل اليمن.
وفي سياق إبراز طابعها، أكد السيد الحوثي أن الثورة “نموذج للتحرر” بإرادة وأداء داخليين نابعين من الشعب، وأنها تميزت بانضباط عالٍ في تعاملها حتى مع خصومها. وقال إن الثورة لم تشهد أي “اعتداءات أو تجاوزات ظالمة”، ولم تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية أو الشخصية، بل حرصت فور انتصارها على توفير الأمن والاستقرار لكل اليمنيين على اختلاف انتماءاتهم.
ولم يكتف السيد الحوثي بوصف الثورة، بل قارن بين مشروعها الوطني ومشروع خصومها الذين وصفهم بأنهم “أدوات لأمريكا وإسرائيل” تعمل بتمويل إقليمي. وأوضح أن هذه الأدوات لا تملك مشروعاً يخدم اليمن، بل تنشط عبر الإعلام والسياسة لإثارة “النعرات الطائفية والمناطقية والعرقية”، مستهدفة تمزيق النسيج الاجتماعي اليمني، مؤكداً أنها “مفلسة من أي مشروع صحيح يدعو للأخوة والتعاون”.
وأضاف: “ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر هي ثورة نظيفة لم تشبها الشوائب التي لدى الآخرين من الأدوات الخاضعة للعدو”، مشيراً إلى أن الثورة طرحت مشروع “السلم والشراكة” الذي وُقّع من جميع القوى وحظي باعتراف دولي وإقليمي، لكن الأدوات المحلية “انقلبت عليه بأمر من الخارج انقلاباً تاماً وتنكروا له بوضوح”.
هنا تكمن إحدى المفارقات الجوهرية: فعلى الرغم من أن حكومة صنعاء لم تنل بعد الاعتراف الدولي، فإنها أصبحت بفعل الثورة وما تلاها من تحولات قوة أمر واقع يفرض نفسه على الجغرافيا والسياسة. فلا يمكن الحديث عن مستقبل اليمن، أو عن معادلات البحر الأحمر وباب المندب أحد أهم الممرات الاستراتيجية في العالم، من دون رسم خريطة يكون لصنعاء موقع ثابت فيها.
إن مرور أحد عشر عاماً على ثورة 21 سبتمبر يثبت أن الحدث لم يكن مجرد انتفاضة عابرة أو موجة غضب ظرفية، بل تحول إلى مشروع سياسي وعسكري واجتماعي، أفرز واقعاً جديداً لا يمكن تجاوزه. وبينما يواصل السيد الحوثي التأكيد على استقلالية الثورة وخلوّها من أي وصاية خارجية، يزداد حضور صنعاء في المشهد الإقليمي باعتبارها لاعباً رئيسياً، شاءت القوى الدولية أم لم تشأ.
إن ذكرى 21 سبتمبر محطة لإعادة قراءة اليمن الجديد الذي خرج من رحم هذه الثورة: يمن يحاول أن يبني استقلاله رغم الحصار والحرب، ويكرس نفسه كقوة صاعدة لا يمكن تجاهلها في معادلات المنطقة وممراتها الاستراتيجية.