حزب الله وسلاحه… لبنان وإشكالية نزع السلاح المستحيلة

في اليوم الخامس من شهر أغسطس عام 2025، انعقد مجلس الوزراء اللبناني في جلسة مفصلية برئاسة “جوزيف عون”، رئيس الجمهورية، وكان أبرز ما تضمنه جدول الأعمال مسألة “حصر السلاح بيد الجيش اللبناني”، في إشارة جلية إلى نزع أسلحة المقاومة الإسلامية حزب الله.

امتدت الجلسة لخمس ساعات، انسحب خلالها وزراء “الثنائي الشيعي” (حزب الله وحركة أمل) من قاعة المداولات، وقد طُرح في هذا الاجتماع قرار رسمي بشأن “حصر السلاح” على الدولة والجيش اللبناني وفق جدول زمني محدد المعالم.

ومع أن اتخاذ قرار بشأن تجريد حزب الله من سلاحه قد يبدو للحكومة اللبنانية أمراً ميسوراً، إلا أن إنفاذ مثل هذا القرار ليس بالأمر الهين ولا بالمتاح بيُسر وسهولة.

المآرب الأمريكية تنطق بها ألسنة الحكومة اللبنانية

على الرغم من إقرار الحكومة اللبنانية مسألة نزع سلاح حزب الله، إلا أن هذا القرار الحكومي ليس في حقيقته سوى وثيقة رسمية استجلبها المبعوث الأمريكي من المسؤولين اللبنانيين، فقبل شهرين من هذا التاريخ، قدّم “توم باراك”، مبعوث واشنطن، رسالةً للحكومة اللبنانية مطالباً فيها بالتزامات لبنانية بنزع سلاح حزب الله مقابل خطوات صهيونية تتمثل في الانسحاب من خمس نقاط حدودية، ووقف الغارات البرية والجوية، وترسيم الحدود، ودعم قدرات الجيش اللبناني، وقد صرح باراك آنذاك عقب لقائه رئيس الجمهورية اللبناني بأنه يستشعر نسائم الأمل وفرصةً سانحةً، وأن على لبنان التكيف مع مستجدات المنطقة ومتغيراتها.

إن إقرار نزع سلاح حزب الله في مجلس الوزراء اللبناني، ما هو إلا أحد بنود الوثيقة الأمريكية التي قدّمها باراك، وفي واقع الأمر، اتخذت الحكومة اللبنانية قرارها تحت وطأة الضغوط ووعود واشنطن لتصعيد الضغوط على المقاومة، يأتي هذا في وقتٍ لا يزال فيه حزب الله أقوى فاعل عسكري في الساحة اللبنانية، وتنفيذ قرار الحكومة بنزع سلاح هذه المنظمة بالقوة، قد يفتح أبواب لبنان على مصراعيها أمام دوامة من الفوضى الأمنية واضطراب الأحوال.

الأبعاد الإقليمية في ميزان القوى

ترتبط مسألة نزع سلاح حزب الله على الصعيد الإقليمي، ارتباطاً وثيقاً بسلوك ثلاثة فاعلين ذوي تأثير بالغ:

إيران: ينبغي الإلماح إلى أن إيران، بوصفها الداعم الأول للمقاومة، وعلى الرغم من الخسائر التي تكبدتها في العدوان الأخير الذي امتد لاثني عشر يوماً، لا تزال محتفظةً بنفوذها في أرجاء المنطقة، وتسعى طهران أيضاً إلى توسيع نفوذها الإقليمي أثناء مفاوضاتها مع واشنطن بشأن برنامجها النووي، وإذا أسفرت هذه المباحثات عن نتائج إيجابية، فقد تؤثر على مكانة حزب الله ودوره في الساحة اللبنانية، وعليه، تُعد إيران عنصراً فاصلاً في دعم حزب الله ومعارضة تجريده من سلاحه.

الكيان الصهيوني: في المقابل، يرى الكيان الصهيوني في طرح مسألة نزع سلاح حزب الله فرصةً استراتيجيةً “لإغراق” المقاومة، إذ يعتقد أن قدرات حزب الله قد بلغت منتهاها، ويصر الكيان الصهيوني على نزع سلاح حزب الله بتمامه، وغاية الحكومة اللبنانية الراهنة تتساوق مع مآرب تل أبيب وتطلعاتها.

الولايات المتحدة: أما أمريكا، وإن كانت تشاطر “إسرائيل” غايةً استراتيجيةً بعيدة المدى تتمثل في تجريد حزب الله من سلاحه في لبنان، إلا أنها ترتأي في الوقت عينه أنه إذا استعصى نزع السلاح بتمامه، فقد تكتفي بانتزاع القدرات الصاروخية للحزب لدفع شبح الخطر عن الكيان وتقليص نفوذه السياسي، ويتوقف دور أمريكا على مدى مقاومة حزب الله لمخطط نزع السلاح، وثمة احتمال لتراجع واشنطن عن مواقفها بشأن نزع السلاح الكامل للمقاومة.

الأوضاع الداخلية في ميزان الترقب

نظراً لترقب بعض الأحزاب اللبنانية إجراء الانتخابات البرلمانية في مايو 2026، طُرحت مسألة نزع سلاح حزب الله في هذه اللحظة المفصلية بغية تبديل موازين القوى السياسية في الساحة اللبنانية، وعليه، تؤيد بعض الأحزاب السياسية نزع سلاح المقاومة بغية تغيير المعادلات في غمار المنافسات الانتخابية المقبلة.

في المقابل، يرى حزب الله أن مطلب الحكومة بنزع السلاح ما هو إلا قرار أمريكي صرف، وأن الولايات المتحدة قد تجاوزت مطالبها حدود اتفاق وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيوني، ويؤكد الحزب أنه التزم بمقتضيات الاتفاق، في حين لم تنسحب “إسرائيل” من النقاط الخمس وتواصل خرق وقف إطلاق النار وعمليات الاغتيال بالطائرات المسيرة، ولذلك، قاوم حزب الله حتى هذه اللحظة مسألة نزع سلاحه بكل ما أوتي من قوة وعزم.

التحديات المحدقة بمسألة نزع السلاح

في ظل الأوضاع الداخلية والخارجية الراهنة، يواجه لبنان تحدياً متعدد الأوجه في تنفيذ عملية نزع سلاح حزب الله:

تحقيق الأمن والسيادة في الجنوب مع تجريد المقاومة من سلاحها: ليس من الواضح ما إذا كان الجيش اللبناني، في حال نزع سلاح حزب الله، قادراً على تأمين المناطق الجنوبية التي يتمتع فيها الحزب باليد الطولى. يعارض أبناء جنوب لبنان، الذين يشكّل الشيعة سوادهم الأعظم، بشدة نزع سلاح المقاومة، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن قرابة أربعة وستين بالمئة من أهالي الجنوب أبدوا موقفاً سلبياً تجاه نزع سلاح الحزب، وعليه، سيشكّل الموقف السلبي لأبناء الجنوب أحد التحديات الكبرى التي تواجه الحكومة اللبنانية في تأمين هذه المناطق.

القوة الشرعية المدافعة عن حياض الوطن وحدوده: برز حزب الله بوصفه الفاعل اللبناني الأوحد القادر على الرد عسكرياً على تحركات الكيان الصهيوني، وقد أثبت جدارته في عدة مواجهات عسكرية، ولطالما قُدّم الجناح العسكري للحزب كقوة رادعة تذود عن حياض لبنان في وجه العدوان الإسرائيلي.

وقد اكتسبت هذه النظرة إلى حزب الله شرعيتها خلال أحداث مفصلية، مثل اندحار “إسرائيل” من جنوب لبنان عام 2000 وحرب عام 2006، فقد عزّز صمود المقاومة خلال حرب 2006، على الرغم من الدمار الهائل الذي خلفته، مكانتها بين شرائح من أبناء الطوائف المسيحية والعربية في لبنان كقوة مقاومة ذات شرعية راسخة.

النفوذ المتجذر لحزب الله في النسيج المجتمعي: لا يقتصر حزب الله على كونه مؤسسةً عسكريةً، بل يمتلك أيضاً مراکز اقتصادية واجتماعية متعددة، فمصرف حزب الله، المعروف باسم “بنك القرض الحسن”، يوفّر للتنظيم استقلالاً وسيطرةً اقتصاديةً في لبنان.

كما يدير الحزب شبكةً تعليميةً مستقلةً توازي النظام التعليمي الرسمي اللبناني، ويتلقى دعماً متواصلاً لهذه المؤسسة التعليمية حتى من خارج حدود الوطن، وفي ميادين الغذاء والرعاية الصحية والوقود والطاقة، يُعد حزب الله المزوّد الأول للخدمات لقاعدته الشعبية، ولا سيما في الجنوب، وقد عززت هذه المنظومة الاجتماعية المتجذرة اعتماد الناس على هذا التنظيم في جنوب لبنان، ما مكّن حزب الله من الظهور بقوة أعظم مما كان عليه في سالف الأيام.

وعلاوةً على ذلك، وعلى الرغم من المواجهة العسكرية الأخيرة مع “إسرائيل” بالتزامن مع حرب غزة، لا يزال حزب الله محتفظاً بنفوذه السياسي على المستويات الانتخابية، ولا يُعد نزع سلاح تنظيم بهذا الاتساع في النشاط والنفوذ أمراً يسيراً.

القدرات المحدودة للجيش اللبناني في مواجهة التحديات: يتمثل تحدٍّ آخر في نزع سلاح حزب الله في القدرات المحدودة للجيش اللبناني، فالجيش اللبناني يعاني من الداخل إحباطاً ناجماً عن الهوة السحيقة بين المطالب الدولية والإرادة والقدرات والموارد المحدودة، ويضم الجيش اللبناني عدداً وافراً من العناصر الشيعية (نحو خمسة وأربعين بالمئة)، يؤيد كثير منهم حزب الله. ويمكن لهذه الحقيقة الديموغرافية أن تفضي إلى نشوب صراعات وتوترات أيديولوجية داخلية بشأن نزع سلاح المقاومة، وقد تعيق التنفيذ الفعال والموثوق لأي عملية نزع سلاح.

ووفقاً لتقارير شتى، سبق أن حذّر كبار ضباط الجيش اللبناني من أن أي عملية لنزع السلاح قد تؤدي إلى انشقاق داخل الجيش نفسه، ومن ثم، فإن الجيش اللبناني يواجه تردداً واختلافاً داخلياً في الرأي بشأن تنفيذ عملية نزع سلاح حزب الله.

ضمان التزام “إسرائيل” بوقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي المحتلة: حتى مع نزع سلاح حزب الله، ليس من الواضح ما الضمانات لانسحاب “إسرائيل” من المناطق المحتلة في جنوب لبنان وعدم خرق وقف إطلاق النار، فعلى الرغم من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، خرق الكيان الصهيوني الاتفاق مراراً خلال الأشهر المنصرمة، واغتال قادةً وشخصيات بارزة من حزب الله داخل الأراضي اللبنانية، وثمة احتمال لاتساع نطاق الاغتيالات بعد نزع سلاح المقاومة، ولذلك، لا تسود الثقة حتى بين الشخصيات السياسية والعسكرية اللبنانية في وضع البلاد بعد نزع السلاح، ومن ثم، ينظر المجتمع اللبناني إلى مسألة نزع سلاح حزب الله بعين الريبة واليأس والارتياب.

الوقت التحليلي

قد يعجبك ايضا