حلّ الدولتين ليس حلًا… والمطالبة به تصهينٌ ومغالطة

عدنان عبدالله الجنيد

مقدمة: الوهم المُعاد تدويره:

في حين يعيش أكثر من مليونين من سكان غزّة حربَ إبادةٍ بشرية لم تشهد الإنسانية مثيلًا لها منذ الحرب العالمية الثانية، ويكابدون أوضاعًا مأساوية عظيمة – حسب تقارير المنظمات الدولية والحقوقية – ومع انتشار المجاعة بين أوساطهم، يبلغ بهم الجوع والتعطش مبلغًا عظيمًا نتيجة الحصار المطبق عليهم من العدو الصهيوني–الأمريكي النازي المجرم، على مرأى ومسمع من عالم منافق، وخذلانٍ فاق كل التصورات، وتربع على قمة العار والخزي والذل والانبطاح ممّن يُحسبون على العروبة والإسلام، وهم في الحقيقة صهاينة لا يملكون من العروبة والإسلام إلا الاسم والشكل.

وفي مشهد يتكرر منذ عقود، يعود مؤتمر نيويورك الدولي (يوليو 2025) – برعاية فرنسية–سعودية – لطرح “حل الدولتين” كخريطة طريق للسلام. لكن الحقيقة المُرّة تكشف أن هذا “الحل” تحوّل إلى أداة لتمويه الاحتلال وتكريس الهيمنة الصهيونية، بينما تُنتهك حقوق الفلسطينيين يوميًا، ويموت أطفالهم جوعًا وعطشًا وألمًا وحسرةً تحت سمع وبصر العالم.

وما نتج عن هذا المؤتمر ليس إلا حلًّا ميتًا يُبعث كغطاء سياسي للاحتلال، وضوءًا أخضر للعدو المجرم ليستمر في جرائمه، ويتوسع في المستوطنات، ويواصل بناء جدار الفصل العنصري، وضم القدس عمليًا. هذه هي حقيقة “حل الدولتين”.إن كل الأعمال والإجراءات والشواهد، والتعنت والصلف من الحكومات الإسرائيلية، قد قضت على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية متجاورة. بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعلن صراحةً أن الدولة الفلسطينية ستكون “منصة لإبادة إسرائيل”، بينما تواصل حكومته إبادة غزة.

الغرب يبيع الوهم:

أثبتت الأحداث الجارية عبر العقود أن الاعترافات الأوروبية المُعلنة (مثل فرنسا وإسبانيا) ما هي إلا خطوات رمزية تُغَطّي العجز الدبلوماسي ومشاركة الاحتلال في إجرامه.

وكما يقولون: “إن 140 دولة اعترفت بفلسطين”، لكن دون عضوية أممية كاملة تمنح السيادة الفعلية، لأن الولايات المتحدة تُعطّل أي قرار في مجلس الأمن باستخدام “الفيتو”.

المغالطة الكبرى: شروط تستحيل الحياة في ظلها:

دولة منزوعة السلاح والسيادة: ماكرون يصرح بأن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون منزوعة السلاح وتعترف بأمن إسرائيل، أي أن تكون كيانًا هشًّا تحت رحمة المحتل، دون جيش أو سيادة على حدودها أو مواردها.

وظيفة “الدولة” خدمة المشروع الصهيوني: كما ورد في التحليل النقدي، فإن الدولة الفلسطينية المطروحة ليست سوى “مقاول أمني” لإسرائيل، مهمتها ضبط الفلسطينيين لضمان أمن الاحتلال. وهذا يكرس التبعية ولا ينهيها.

لماذا يُستخدم الحل كورقة تمويه؟

إعادة هيكلة المنطقة لصالح إسرائيل: يُقدَّم “حل الدولتين” كغلاف لإدماج الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط، وتحييد أي مقاومة تحت شعار “محاربة المتشددين”.

هذا ما كشفه المبعوث الأمريكي السابق حين قال: “تطبيع العرب بقيادة السعودية مع إسرائيل طريق الأمن في مواجهة الصين وروسيا”.

إن هذا النفاق والسياسة الخبيثة للغرب هدفهما – كما قلنا – التغطية على الكيان، وتلميع صورة شريكه الأمريكي. وقد سمعنا بعض حكام الولايات يرفعون شعار “حل الدولتين” لامتصاص الغضب العربي والعالمي جراء دعمهم للكيان وتغطية مجازره في غزة، وإخفاء انحيازهم الكامل لإسرائيل.

موقف الحكومة الصهيونية من حل الدولتين:

البديل الحقيقي: دولة واحدة ديمقراطية.

يوسي بيلين (وزير العدل الإسرائيلي السابق) يعترف: “إسرائيل تحتاج دولة فلسطينية لتحافظ على يهودية الدولة وتتجنب تحولها لدولة ثنائية القومية حيث يصبح الفلسطينيون أغلبية”.

لكن هذا التناقض يثبت أن المشروع الصهيوني قائم على التطهير العرقي.

خاتمة:

المطالبة بحل الدولتين خيانة للحقوق الفلسطينية، وقبولٌ بالعدو الصهيوني، ورضًى بما يفعله.

إن مؤتمر نيويورك وغيره ليس سوى مسرحية لإضفاء الشرعية على نظام فصل عنصري.

فبينما يُقتل ستون ألفًا من الفلسطينيين في غزة قصفًا وتجويعًا، ويُشرَّد الملايين، تبرز خارطة طريق وهمية.

المطالبة بـ”حل الدولتين” اليوم – وفي هذه الظروف الصعبة – ليست سوى تصهين واضح من قِبل المملكة وباقي الدول المتخاذلة والمطبّعة، وتكريس لشرعية كيان احتلالي عنصري، ومغالطة تاريخية، لأنها تتجاهل أن إسرائيل قتلت هذا الحل عمليًا ولم تكن مقتنعة به أساسًا.

إن البديل الوحيد هو مقاومة التطبيع، وكشف زيف الأدوات الدولية، والنضال من أجل دولة واحدة تحقق العدالة.

فلسطين لن تتحرر بقرارات أممية، بل بإرادة شعب، ووحدة أمة تقارع الاحتلال، وتنشد الحرية والاستقلال، وتحرير الأوطان، ونشر العدالة والمساواة بين الأمم.

قد يعجبك ايضا