دروس حرب اليمن: الغرب يراجع استراتيجياته الدفاعية

يستخلص الغرب من حرب اليمن فشله في مواجهة «أنصار الله»، فيما يراجع منظوماته الدفاعية لبناء نموذج ردع متعدد الطبقات ضد الطائرات المسيّرة والتهديدات الجديدة.

لا يتوقّف الحديث في الغرب عن التجربة المريرة والفاشلة في اليمن، حين حُشدت الأساطيل في البحر الأحمر، بهدف تقويض قدرات حركة «أنصار الله» ومنع إسنادها لقطاع غزة. وولّد هذا الفشل قناعة بأنّ التفوّق التقني ينبغي أن ترافقه تكتيكات وإجراءات تشغيلية مبتكرة تدمج الحلول الرخيصة والسريعة مع التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، وتقوم على بناء نموذج دفاعي متعدّد الطبقات، مشكّل من رادارات وطائرات إنذار مبكر ومراقبة، وقدرات اعتراض جوّي فعّالة ومتكرّرة، وأنظمة دفاع جوي على البرّ «C-UAS»».

كما برهنت التجارب الأخيرة على أهمّية دمج منصّات قديمة ومحدّثة مثل الطائرات الحربية، كحلّ سريع ومرن لتغطية الفجوات العملياتية، بدل انتظار منصّات جديدة مستهلكة للوقت والمال. كذلك، أنبأت بالحاجة إلى قدرات استشعار متخصّصة للكشف عن تهديدات صغيرة وبطيئة البصمة (طائرات رباعية، مُسيّرات انتحارية)، والتعامل معها «بصمت» باستخدام أسلحة حرارية أو بصريات موجّهة، إلى جانب إجراءات حرب إلكترونية وتشويش تعوق ارتباط المهاجمين.

وتكشف التقارير والدراسات الصادرة أخيراً، عن تحوّل مفاهيمي واضح لدى المخطّطين وصنّاع القرار في الدول الغربية، ومن بينها فرنسا، التي يأخذ جنرالاتها بعين الاعتبار في خططهم أنّ الطائرات المسيّرة أصبحت أدوات استراتيجية في أيدي الدول والجهات غير النظامية من اليمن إلى أوكرانيا، حيث تُقلِّص زمن الإنذار وتزيد من تعقيد منظومات الدفاع الجوّي. وتحاول باريس مواجهة ذلك بتكامل الاستثمارات بين أنظمة الدفاع «C-UAS» وقدرات الاعتراض الجوّية، بتكلفة منخفضة وتكرار مرتفع. وفي هذا السياق، فإنّ التحوّل المحتمل لطائرات «Mirage 2000D RMV» إلى «صيّادة مسيّرات»، يكمّل الدفاعات البرّية والبحرية، ويؤكّد أنّ الطائرات القديمة إذا طُوّرت، تستطيع تأدية دور مؤثّر في معركة الدفاع الجوّي الحديثة.

وبحسب ما نشر موقع «Army Recognition» المتخصّص بالشؤون العسكرية، في 14 تشرين الأول الجاري، فإنّ القوات الجوّية والفضائية الفرنسية، تدرس مهمّة جديدة لمقاتلاتها من النوع المذكور، تتعلّق باعتراض الطائرات المسيّرة. وقد يتيح هذا التوجّه تمديد عمر هذه المقاتلات، وتخفيف الضغط على وحدات «رافال» المنشغلة بالعمليات الجوّية عالية الكثافة.

وفي مقابلة نشرتها مجلة «Air Fan» المتخصّصة في عدد الشهر الجاري، كشف الجنرال جيروم بيلانجيه، أنّ سلاح الجوّ الفرنسي، يدرس تخصيص مهمّة جديدة لطائرات «Mirage 2000D RMV» تتعلّق باعتراض الطائرات غير المأهولة، بعد عام واجهت فيه المقاتلات الفرنسية عدّة اشتباكات مع طائرات مسيّرة فوق البحر الأحمر، وطورت خلاله تكتيكات التعامل مع الأهداف البطيئة صغيرة البصمة الرادارية. وكانت نشرت فرنسا مؤخّراً، طائرات من النوع المذكور في جيبوتي، لتعزيز وجودها قرب باب المندب، حيث تتقاطع تهديدات الطائرات المسيّرة وصواريخ الكروز.

وفي الاتجاه نفسه، ذكر التقرير الذي نشره «المعهد الملكي البريطاني للمهندسين الملاحيين» (RINA) أنّ التهديد على التجارة البحرية العالمية لم يتغيّر كثيراً في أثناء السنوات العشر الماضية، لكنّ الأدوات التي تُستخدم تغيّرت. فالألغام والصواريخ والزوارق المحمّلة بالعبوات الناسفة والقوارب المطاطية القابلة للنفخ، تُستبدل بالطائرات المسيّرة.

كذلك، كشف موقع «نافال نيوز» المتخصّص بالشؤون العسكرية، أول أمس، أنّ شركة «ديهل» للدفاع شاركت بنجاح في تمرين «إطلاق الصواريخ البحرية 2025» (MFE)، وهو أكبر تدريب من نوعه للبحرية الألمانية منذ 3 عقود، باستخدام نموذج بحري تجريبي من نظام الدفاع الجوّي الأرضي «IRIS-T SLM» المجرَّب. ويتيح هذا التمرين، المعروف باسم «أندويا»، لطاقم السفن، اختبار وتشغيل أنظمة أسلحة معقّدة في ظروف شبه واقعية.

ويأتي ذلك في إطار استخلاص البحرية الألمانية دروساً مهمّة من خبراتها العملياتية الأخيرة، ولا سيّما في البحر الأحمر، واستفادتها من مشاركتها في المهمّة الأوروبية «أسبيدس»، التي هدفت إلى حماية السفن المرتبطة بإسرائيل، من هجمات «أنصار الله». وركّزت مساهمة البحرية الألمانية على فرقاطات فئة «ساكسون» المخصّصة للدفاع الجوّي، حيث نُشرت الفرقاطة «هيسن» في المنطقة بين شباط ونيسان 2024.

وبالنسبة إلى فرقاطات «بادن-فورتمبيرغ»، المعروفة أيضاً باسم فئة «F125»، فقد تحدّث «نافال نيوز» عن مخاوف بشأن محدودية الدفاع الصاروخي الذاتي، واضطرار الفرقاطة الأولى من الفئة المذكورة إلى تجنّب الإبحار في البحر الأحمر، في أثناء عودتها من مهمّة «الانتشار في المحيطين الهندي والهادئ 2024»، برفقة سفينة الإمداد «فرانكفورت آم ماين» (A1412)، حيث سلكت طريق رأس الرجاء الصالح.
ويأتي ذلك فيما لا تزال الأطراف الغربية تُظهر حساسية متزايدة تجاه صورة البحرية بعد الهجمات اليمنية.

إذ بحسب ما نشرته مجلة «ذا ناشيونال انترست»، أول أمس، فإنّ حاملة الطائرات «هاري ترومان» اضطرّت إلى وضع لافتة ضخمة في أثناء خطاب الرئيس دونالد ترامب، في نورفولك الشهر الجاري، لإخفاء آثار الضرر في أثناء البثّ المباشر، ما أثار اتّهامات بـ«التستّر الإعلامي». كما كشفت المجلة أنّ البحرية الأميركية قرّرت أنّ الإصلاح الشامل للحاملة سيتمّ ضمن عملية إعادة التزوّد بالوقود والإصلاح الكامل (RCOH) في مركز نيوبورت نيوز، لبناء السفن العام المقبل، وهي عملية تستغرق من 3 إلى 4 سنوات، وتمدّد عمر السفينة 25 عاماً إضافياً. وهذا يعني أنّ الإصلاحات سترتّب ضغطاً على الحاملات الأخرى لتغطية المهام في البحرين الأحمر والمتوسط، وتُفقد واشنطن، أبرز أدوات الضغط على اليمن وإيران.

يذكر أنّ «ترومان» تعرّضت لهجمات متعدّدة من قبل «أنصار الله» في أثناء انتشارها في البحر الأحمر، وسقطت منها 3 طائرات «F/A-18 سوبر هورنت»: الأولى في كانون الأول 2024، بسبب نيران صديقة في أثناء هجوم يمني، والثانية في نيسان الماضي، في أثناء سحبها للحظيرة، والثالثة في أيار الفائت، بسبب عطل في نظام الكبح في أثناء الهبوط على سطح الحاملة، وفق البيانات الأميركية. كذلك، اصطدمت الحاملة بسفينة شحن في شباط 2025، قرب بورسعيد في مصر، ما أدّى إلى أضرار في الدعامة اليمنى والحواجز الخارجية. وإذ لم تتأثّر المفاعلات النووية، فإنّ الضرر كان كبيراً بما يكفي لإجازة الإصلاح الكامل.

لقمان عبد اللهلقمان عبد الله  الجمعة 17 تشرين اول 2025

قد يعجبك ايضا