يحيى السنوار .. سيرة حاضرة في ذكرى استشهاد قائد الطوفان

مع دخول اتفاق وقف الحرب على غزة مرحلة الاختبار والشك، يتجدد الحديث عن الرجل الذي قاد طوفان الأقصى، وواجه أعتى آلة عسكرية بصلابة لا تلين. يحيى السنوار، الذي انتقل من زنزانة العزل الانفرادي إلى موقع القرار في قيادة حركة حماس، ومن مقاعد الدراسة في الجامعة الإسلامية إلى تخطيط العمليات الميدانية، نسج مسيرته بعزيمة وعقيدة مقاومة راسخة، وحمل مشروعًا لم يتبدل رغم تبدل الظروف، حتى رحل شهيدًا مشتبكًا.

ويصادف اليوم 16 أكتوبر الذكرى الأولى لاستشهاد القائد السنوار، وهي الذكرى التي تتقاطع فيها دماء القادة مع جراح غزة المفتوحة، لتظل حكاية القائد الصنديد حاضرة لتروي كيف استطاع ابن المخيم أن يتحول إلى أحد أبرز رموز المقاومة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، يقود شعبه من قلب النار نحو انتزاع الحرية والكرامة وفرض القضية الفلسطينية على أجندة العالم باسره.

الولادة والنشأة

في التاسع عشر من أكتوبر عام 1962، وُلد يحيى إبراهيم السنوار في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة، بعد أن هجّر الصهاينة عائلته من مدينة مجدل عسقلان عام 1948.

وُلد في بيئة مشبعة بروح المقاومة والحنين إلى الوطن المسلوب، وسط مجتمع لاجئ يعيش الفقر والتحدي، لكنه حمل منذ طفولته إدراكًا مبكرًا لمعنى الانتماء.

تلقى السنوار تعليمه في مدارس خان يونس، وأنهى الثانوية العامة في مدرستها الثانوية للبنين، قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية بغزة، حيث درس اللغة العربية، وبدأت شخصيته السياسية والتنظيمية تتبلور.

في أروقة الجامعة، كان الصوت الأبرز للكتلة الإسلامية، والمنظّر الأهم في ساحات النقاش الطلابية بين مختلف الكتل. تنقل بين مواقع قيادية داخل مجلس الطلبة من 1982 حتى 1987، حتى ترأسه لاحقًا، وكان أحد مؤسسي فرقة “العائدون للفن الإسلامي” بإشراف الشيخ الإمام الشهيد أحمد ياسين، في محاولة لاستخدام الفن كوسيلة مقاومة ثقافية.

العمل التنظيمي

مع بدايات الثمانينيات، انتقل السنوار من العمل الطلابي إلى العمل التنظيمي المسلح، فقد شارك عام 1983 في تأسيس جهاز “أمن الدعوة” إلى جانب الشيخ أحمد ياسين، وهو النواة الأولى لما أصبح لاحقًا جهاز الأمن العام لحركة حماس. وبعد ثلاث سنوات، ساهم في تأسيس منظمة “مجد” – الجهاز الأمني للحركة – التي تولت ملاحقة العملاء وكشف المتعاونين مع الاحتلال.

الاعتقالات

تعرض السنوار للاعتقال عدة مرات؛ أولها عام 1982 في سجن الفارعة لمدة ستة أشهر، ثم عام 1988 حين حكم عليه الاحتلال بأربعة مؤبدات، قضى منها 23 عامًا متواصلة، بينها نحو أربع سنوات في العزل الانفرادي.

داخل الأسر، لم يتوقف عن العمل التنظيمي والفكري، فقاد الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس، وأشرف على عدة إضرابات كبرى عن الطعام.

كما أتقن اللغة العبرية وكرّس سنواته للبحث والكتابة، فألف وترجم كتبًا عن الأمن والسياسة الإسرائيلية، من أبرزها “الشاباك بين الأشلاء”، و“الأحزاب الإسرائيلية”، و“المجد”، و“التجربة والخطأ”، إضافة إلى روايته الأدبية “شوك القرنفل” التي وثقت مراحل النضال الفلسطيني بعد عام 1967.

الحرية

عام 2011 نال يحيى السنوار الحرية وخرج من السجن في صفقة “وفاء الأحرار”، وكان أحد مهندسيها الأساسيين.

بعد عام من تحرره، تزوج وأنجب ثلاثة أبناء: إبراهيم وعبد الله ورضا، ودخل بعدها مباشرة العمل السياسي والتنظيمي في صفوف الحركة، فانتخب عضوًا في المكتب السياسي، وتولى الملف الأمني عام 2012، ثم الملف العسكري عام 2013.

في 2015 أدرجته الولايات المتحدة على قائمتها “للإرهابيين الدوليين”، وهو العام ذاته الذي كُلّف فيه بإدارة ملف الأسرى الإسرائيليين لدى كتائب القسام.

رئاسة حماس

عام 2017، انتُخب السنوار رئيسًا للمكتب السياسي لحماس في قطاع غزة، وأعيد انتخابه لدورة ثانية عام 2021، قبل أن يقود الحركة بعد اغتيال القائد إسماعيل هنية في واحدة من أكثر مراحلها حساسية خلال حرب الإبادة الجماعية على غزة عام 2023.

وفي السادس من أغسطس 2024، انتُخب يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي لحركة حماس خلفًا لإسماعيل هنية الذي اغتيل في طهران، ومثّل ذلك لحظة تتويج لمسيرة امتدت أكثر من أربعة عقود، جمع خلالها السنوار بين الفكر والتنظيم والميدان، وبين السجن والقيادة.

وضعه الاحتلال على قائمة الملاحقة ودمر منزله للمرة الرابعة بعد أن استُهدف في حروب سابقة أعوام 1989 و2014 و2021.

استشهاده

مرتديًا جعبته العسكرية، مشتبكًا، مقبلاً غير مدبر، هكذا قضى الشهيد القائد يحيى السنوار أبو إبراهيم إلى ربه شهيدًا، في 16 أكتوبر 2024، في خاتمة تنبض بطولة وعزة، وترسم معالم الطريق في المواجهة بين أصحاب الحق الصادقين وعدوهم المجرم.

في اليوم الـ 377 لمعركة طوفان الأقصى، جاء الكشف عن استشهاد القائد المشتبك، وهي المعركة التي عدوانٍ ومعركةٍ شاركت فيها كل القوى العالمية العظمى وبدعمٍ عسكريٍ واستخباريٍ توشك ن تغير وجه المنطقة، بما تخللها من بطولات وصمود شعبي في وجه أبشع جرائم الإبادة الجماعية في العصر الحديث.

في الخاتمة الأسطورية، التي تمثل بداية جديدة، يظهر السنوار بجعبته العسكرية ولثامه وشجاعته ورباطة جأشه وصموده، يصاب في يده فيربطها بسلك حديدي ويقاوم حتى النفس الأخير، ليرحل شامخًا كما شعبه الصامد وجبال غزة الراسخة بصورة البطل المقدام.

المركز الفلسطيني للإعلام

قد يعجبك ايضا