دور الإعلام المقاوم في مواجهة حرب المصطلحات

 

.

دور الإعلام المقاوم في مواجهة حرب المصطلحات

المصطلح هو كلمة أو عبارة تستخدم للدلالة على مفهوم محدد في مجال معين من المعارف أو العلوم أو الفنون أو السياسة أو غيرها. والمصطلحات تعكس الرؤية والموقف والهوية والقيم والمصالح لمن يستخدمها أو ينشئها أو ينشرها. وعادة ما يتم استخدام المصطلحات في قضايا النزاع والجدال والتنافس والتحدي بين الأفراد والجماعات والدول والحضارات، خاصة في ظل التطورات والتحولات والصراعات التي يشهدها العالم المعاصر.

ومن بين المجالات التي تشتعل فيها حرب المصطلحات هو مجال الإعلام، الذي يعتبر أحد أهم وسائل التواصل والتأثير والتشكيل والتوجيه والتحريض والتضليل في العصر الحالي. فالإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار والمعلومات والآراء والتعليقات والتحليلات والنقد والتقييم والترفيه والتثقيف، بل هو أيضا وسيلة لصناعة الواقع والحقيقة والمعنى والقيمة والهوية والانتماء والتمييز والتفرقة والتحالف والتصادم.

وبمثلما يلعب الإعلام دوراً مهماً في حرب المصطلحات فإنه أيضاً في المقابل قد يكون الوسيلة الأكثر فاعلية في مواجهة هذا النوع من الحرب لأنها في المقام الأول حرب تضليل، تهدف إلى تشويه الحقائق والمفاهيم والقضايا والشخصيات والدول والشعوب والحركات والأحداث، وإلى ترويج لرؤى ومواقف وأجندات ومصالح معينة تخدم مشاريع وأهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو ثقافية أو دينية أو أيدولوجية.

أمثله على مظاهر حرب المصطلحات

أولاً: أمريكا وطموح الهيمنة على العالم

لعل من أكبر وأبرز الأمثلة على حرب المصطلحات في القرن العشرين هو عنوان (الحرب على الإرهاب ) الذي استخدمته أمريكا لتعميق هيمنتها على العالم وبسببه احتلت دولتين واثارات الحروب في مختلف مناطق الشرق الأوسط وهي المنطقة التي تتنازع عليها القوى الكبرى لناحية الثروات النفطية والغازية الهائلة التي تعتبر المحرك الرئيسي لاقتصاد العالم ومن ناحية أخرى للدفاع عن الكيان الصهيوني وتسهيل سيطرته على المنطقة برمتها.. وحاليا يتم استخدام مصطلح “الإرهاب” بشكل انتقائي ومتحيز لوصف الجماعات أو الدول المناهضة للسياسات الأمريكية وتعتبر ما يسمى قائمة الإرهاب الأمريكية التي يتبعها عقوبات دولية أشهر مثال على توظيف المصطلحات لأغراض سياسية واقتصادية ولكن السؤال هو لماذا توظف أمريكا المصطلحات لأغراض سياسية؟

للإجابة على هذا السؤال يمكن تفصيل الأهداف الأمريكية من وراء توظيف المصطلحات في حروبها السياسية والعسكرية والاقتصادية كالتالي:

التوظيف السياسي:

  • تبرير التدخلات العسكرية: استخدمت الولايات المتحدة “الحرب على الإرهاب” ذريعة للتدخل في شؤون الدول الأخرى عسكريًا، حتى لو لم تكن هناك صلة مباشرة بالإرهاب.

  • تغيير أنظمة الحكم: دعمت الولايات المتحدة الانقلابات والتغييرات في أنظمة الحكم في الدول التي تعتبرها “داعمة للإرهاب”.

  • فرض العقوبات: فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على الدول التي تعتبرها “داعمة للإرهاب”، مما أدى إلى زعزعة استقرارها الاقتصادي.

  • التأثير على الرأي العام: استخدمت الولايات المتحدة مصطلح “الإرهاب” لخلق جو من الخوف والتشويش، مما سمح لها بتمرير قوانين تُقيد الحريات المدنية.

التوظيف الاقتصادي:

  • السيطرة على الموارد: استخدمت الولايات المتحدة “الحرب على الإرهاب” ذريعة للسيطرة على موارد الدول الغنية بالنفط والغاز.

  • فتح أسواق جديدة: ساعدت الولايات المتحدة الشركات الأمريكية على دخول أسواق جديدة في الدول التي تعتبرها “داعمة للإرهاب”.

  • تعزيز صناعة الأسلحة: أدت “الحرب على الإرهاب” إلى زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية.

التوظيف الثقافي:

  • نشر ثقافة الخوف: استخدمت الولايات المتحدة مصطلح “الإرهاب” لنشر ثقافة الخوف والتشويش، مما سمح لها بتمرير قوانين تُقيد الحريات المدنية.

  • نشر ثقافة الهيمنة: استخدمت الولايات المتحدة مصطلح “الإرهاب” لنشر ثقافة الهيمنة الأمريكية، وفرض القيم الأمريكية على الدول الأخرى.

أمثلة على توظيف مصطلح “الإرهاب” لأغراض سياسية:

  • غزو العراق: استخدمت الولايات المتحدة ذريعة “أسلحة الدمار الشامل” و”دعم الإرهاب” لغزو العراق عام 2003.

  • الحرب في أفغانستان: استخدمت الولايات المتحدة ذريعة هجمات 11 سبتمبر 2001 لغزو أفغانستان عام 2001.

  • قائمة الإرهاب: وضعت الولايات المتحدة قائمة تضم الدول التي تعتبرها “داعمة للإرهاب”، مما أدى إلى عزلها عن المجتمع الدولي.

النتائج:

  • التعريف الواسع للإرهاب:  ترفض أمريكا تقديم تعريف محدد لمصطلح “الإرهاب” مما يسمح لها بتصنيف أي دولة أو جماعة معارضة على أنها “إرهابية”.

  • الازدواجية في المعايير: تنتهج أمريكا سياسة ازدواجية في معايير مكافحة الإرهاب، حيث تدعم بعض الدول التي تعتبرها “داعمة للإرهاب”.

  • التأثير على حقوق الإنسان: أدت “الحرب على الإرهاب” إلى انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، خاصة في الدول التي تشهد صراعات مسلحة.

وبالتالي فأمريكا استخدمت مصطلح “الحرب على الإرهاب” وقائمة الإرهاب بشكل واسع لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وثقافية. أدى ذلك إلى زعزعة استقرار الدول وتقييد الحريات المدنية وانتهاكات حقوق الإنسان.

ثانيا : فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي

توظيف المصطلحات في الصراع العربي الإسرائيلي هو استراتيجية تستخدمها الحركة الصهيونية لتحقيق أهدافها السياسية والاستعمارية على حساب الحقوق والمصالح العربية. بعض النقاط الأبرز في هذا الموضوع هي:

– استخدام مصطلح “إسرائيل” بدلا من “الكيان الصهيوني” أو “الاحتلال” لإعطاء شرعية واعتراف لهذا الكيان المغتصب والمستوطن على أرض فلسطين.

– استخدام مصطلح “المناطق المتنازع عليها” بدلا من “الأراضي المحتلة” للإشارة إلى الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، والتي تعتبرها القانون الدولي والمجتمع الدولي غير شرعية .

استخدام مصطلحات مثل [مناضل، مقاوم، حركة مقاومة، مناضلين، انتفاضة] بدلا من مصطلح الجهاد في سبيل الله

استخدام مصطلح “المناطق المتنازع عليها” بدلا من “الأراضي المحتلة” للإشارة إلى الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، والتي تعتبرها القانون الدولي والمجتمع الدولي غير شرعية.

استخدام مصطلح الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بدلاً من الصراع العربي الفلسطيني.. ومصطلح حق العودة بدلاً من مصطلح تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وحاليا تستخدم إسرائيل مصطلح الإرهاب ضد فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي الصراع القائم ضمن عملية طوفان الأقصى نشط الصهاينة عبر مختلف اذرعهم السياسية والإعلامية لترسيخ مصطلح الدفاع عن النفس في تضليل العالم عن عمليات الإبادة الغير مسبوقة تاريخيا التي يمارسونها بحق أبناء فلسطين في القطاع وفي الداخل الفلسطيني..

ثالثاً : على المستوى العالمي

كما تنشط تدخل حرب المصطلحات في تغيير المفاهيم واضفاء طابع مقبول على الكثير من الثقافات التي تخالف فطرة الإنسان والتي يحاول الغرب نشرها وتعميها عالميا فإلى جانب السعي الغربي والأمريكي والصهيوني لضرب المناهج وتغيير المفاهيم والرؤى بيئة مناسبة لتقبل ما يأتون به من ثقافات خاطئة وسلوكيات منحلة ومن ذلك جريمة الشذوذ وتحرير المرأة واعتبار العلاقات الغير شرعية أمر طبيعي وكمثال يطلقون مصطلح (الجندر) بدلاً من العلاقات الجنسية المحرمة بين الرجل والمرأة أو بين الجنسين وكذلك ترويج مصطلح (علاقة خارج الزواج) بدلا من جريمة (الزنا) ومصطلح (مجتمع الميم) بدلاً من جريمة اللواط وهكذا يتم تهوين الجرائم ونشر الفساد الأخلاقي والسموم الثقافية عبر تهوينها من إعطائها مصطلحات مغايرة لتقبلها بين الناس .. وهذا بالطبع من أعمال اليهود الذين وصفهم الله بأنهم يسعون في الأرض الفساد..

من أبرز الجهات التي تعمل على ترسيخ بعض المصطلحات لتحل محل المصطلحات الأساسية هي المنظمات التي تنشط في مجالات حقوق الإنسان فهي أبرز من يرسخ هذه المصطلحات وتسويقها عبر رفضها تقبل أي خطاب بدون استخدام هذه المصطلحات أولا تحت ذريعة احترام رغبات وحقوق الإنسان وأن لكل شخص حق فيما يعتقده ويؤمن به وثانيا لادعائها أن الجهات المانحة ترفض تمويل مشاريعها بدون استخدام خطابات ومصطلحات لينة معها تدفعها للتجاوب مع المناشدات..

كما يأتي دور التلفزيون والانترنت و المؤتمرات والعروض الإعلانية وشبكات التواصل والخطاب الثقافي والسياسي والإعلامي..

دور الإعلام المقاوم في مواجهة هذا النوع من الحروب

في الحقيقة بات الأمر أكثر من مجرد خطورة بل أصبح الخطورة واضحة تستدعي رد سريع فالأمر ليس مجرد حرب عادية ويمكن أن تنتهي بعد فترة من الزمن كما هو حال الحرب العسكرية هذه الحرب مستمرة وتستهدف وعي الناس وقناعاتهم وثقافتهم ودينهم وعادتهم وتقاليدهم وبالتالي بات اتخاذ مواقف مناهضة لهذه الحرب أمر ضروري لتحصين وعي اجيالنا أمام هذا الغزو المدمر ويمكن تلخيص تقسيم دور الإعلام في مواجهة حرب المصطلحات في ثلاثة أنواع رئيسية: دور وقائي، ودور علاجي، ودور بناء.

الدور الوقائي

يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي: (نحن الآن في معركة مصطلحات، إذا سمحنا لهم أن ينتصروا فيها فإننا سنكون من نُضرب ليس في معركة المصطلحات بل في معركة النار، إذا ما سمحنا لهم أن تنتصر مفاهيمهم، وتنتصر معانيهم لتترسخ في أوساط الناس. ). وبالتالي يتمثل الدور الوقائي للإعلام في مواجهة حرب المصطلحات في تجنب استخدام المصطلحات المشبوهة أو المغلوطة أو المضللة أو المنحازة أو المسيئة أو المهينة أو المحرضة أو المتطرفة أو المتناقضة أو المتضاربة أو المتنافية أو المستوردة أو المفروضة من قبل جهات أخرى لا تمت بصلة إلى الواقع أو الحقيقة أو المنطق أو العدل أو الأخلاق أو القيم. ويتطلب هذا الدور من الإعلاميين والصحفيين والمحررين والمعلقين والمحللين والنقاد والباحثين والمترجمين والمدققين والمراجعين والمصححين والمصممين والمنتجين والمخرجين والمقدمين والمذيعين والمراسلين والمصورين والمختصين في الإعلام خاصة في منطقتنا العربية والإسلامية لأن هذه الحرب بالدرجة الأولى موجهة ضد الإسلام والمسلمين أن يكونوا على درجة عالية من الوعي والمعرفة والمهارة والمسؤولية والمهنية والدقة في اختيار واستخدام وتوظيف وتقديم وتوزيع ونشر المصطلحات في مختلف وسائل الإعلام.

دور علاجي: هو دور يهدف إلى معالجة المصطلحات المغلوطة أو المضللة أو المتناقضة التي تم تداولها عبر أي وسيلة سوى إعلامية أو ثقافية أو سياسية أو أي وسيلة ولأي غرض، وذلك بتصحيحها وتوضيحها وتفنيدها ، وذلك بالحجة والبرهان والدليل والشهادة، وبالاستناد إلى المصادر الأصيلة والموثوقة..

دور بناء: هو دور يهدف إلى بناء مصطلحات جديدة أو محدثة أو مطورة تتناسب وتتطابق مع الواقع والمستجدات والتحديات، فالجريمة تسمى جريمة والغزو كذلك والاعتداء بما يناسبه من مصطلحات ولغتنا العربية أكثر لغة عالمية زاخرة بالمصطلحات ولا يجب أن نترك الأمريكي والصهيوني يرسخ في نفوسنا وفي وعينا مصطلحات تضرب نفسياتنا وهويتنا وديننا واخلاقنا ..

نحن في عصر الميديا ويجب أن نعد لها ما نستطيع من جنود مؤهلين لمواجهة هذه الحرب الخطيرة جدا وأن لا نبقى ضحية لما تسوقه الصهيونية عبر آلتها الإعلامية وشركاتها التقنية العملاقة من مصطلحات ومفاهيم مزيفة ومغايرة للحقيقة لتبرر بها جرائمها العسكرية والإنسانية والأخلاقية والاقتصادية.

وصدق الله القائل:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ }

 

قد يعجبك ايضا