رسالة إلى حكام العرب
فؤاد البطاينة
ليس من أحد ينتظر حكام العرب أن يعترفوا بأنهم يتربعون على عروش الخيانة التاريخية مع سبق الإصرار، من قبل ومن بعد. ذلك لطبيعة وحجم خيانتهم اللامسبوقة تاريخياً لما فعلوه ويفعلونه وما تمنعوا عن فعله. سمعناهم يسوغون الخيانة بمصطلح التطبيع الذي كان في الواقع استسلامَ ورضوخ العبد لسيده. تذرعوا بميزان القوة واتجهوا لطريق التعاون مع الاحتلال بحجة تسوية سياسية للقضية الفلسطينية مُستندين على وعود أمريكا والغرب. والمسألة هنا أن “اسرائيل المحتلة” خذلتهم وابتزتهم ودمرت دولهم وفضحتهم أمام شعوبهم وهم بلا حس أو حراك، ذلك عندما لم تتوقف يوماً عن تعميق إجراءات تهويد فلسطين رغم ما يقدمونه لها في سرائها وضرائها من دم وتراب شعوبنا، ورغم شراكتهم لها في حرب الإبادة على غزة. هم بنظرها عملاء تافهون لا يمثلون شعوبهم ولا يستحقون أي اعتبار.
الآن، ليس هؤلاء الحكام فقط، بل كل شخص في هذا العالم أصبح يسمع هذا الكيان وهو يرفض بصريح العبارة أية تسوية سوى استحواذه على كل فلسطين، وإنكاره لدولة فلسطينية ولقضية فلسطينية ولشعب فلسطيني. الأوروبيون بالذات مع هؤلاء الحكام يواكبون تنفيذ خطط هذا الكيان على الأرض بسياسة التطهير العرقي بالمذابح الجماعية والمحارق التي لا يدانيها إرهاب، في مشهد فظيع ومروع في غزة دون أن يقدِموا على عمل يوقفه. بل يلجؤون لنفس أسلوبهم في التنديد والنداءات والمؤتمرات واجترار المطالبة بدولة فلسطينية دون ذكر شيء هذه المرة عن طبيعتها ولا أين ستكون وبأي مساحة وكيف تنفيذها، ودون ذكر عن مصير عشرة ملايين فلسطيني في الشتات أو عن حق السيادة أو حق تقرير المصير. بل استبدلوا مصطلح الشعب الفلسطيني بالفلسطينيين، وغداً سيستبدلونه بـ “العرب” دون اقترانه بالفلسطينيين.
ولعلم الحكام العرب أقول، بأي حق أو قانون أو سبب تسعى الدول الأوروبية لاستصدار قرار من الجمعية العامة لإقامة دولة فلسطينية بينما هناك “قرارات” عديدة أصدرتها الجمعية ووافقت عليها كل المجموعة الأوروبية تؤيد حق الشعب الفلسطيني بحق تقرير مصيره وإقامة دولته على تراب وطنه فلسطين، وبهذا أوضح، حيث أن قرارات الجمعية هي في الواقع توصيات غير ملزمة وأن المسائل المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين مناطة بمجلس الأمن المعطل عن قضيتنا بحق الفيتو، فإن الحل في هذه الحالة لو كانت فرنسا وبريطانيا جادتين لا لعوبتين ولا تهدفان إلى إخراج إسرائيل من ورطة فشلها أو طمس القرارات القوية المركونة، هو الاستناد الى تلك القرارات السابقة لاستصدار قرار من الجمعية يُعرف باسم (الاتحاد من أجل السلام) الذي يسمح للجمعية العامة، أو لمن يريد منها بأخذ دور مجلس الأمن، وتنفيذ القرار باستخدامه لكل درجات الفصل السابع ومنها العقوبات والحصار والمقاطعة واستخدام القوة العسكرية.
يا من تطبعون مع محتل بلا شروط أو رشاد وتتعاونون مع عصابة المجرمين في تل أبيب، العالم بطبقاته يعلم بأنكم لو قمتم بموجب أ، ب السياسة وبصفر من الخلق ككمية متناهية في الصغر بوقف التطبيع أو تعليق العلاقات الدبلوماسية مع مجرمي الحرب، لتوقف كل هذا الصمت العالمي وتوقفت الفظائع وأهدافها، ذلك لِما في هذا من رسالة سياسية مجلجلة إلى أنظمة أوروبا وأمريكا وقاطني فلسطين من المستوطنين، ولِما يشكله هذا القرار الإجرائي من حافز أوروبي ودولي ويهودي للعمل الحقيقي الكافي لضغط حقيقي على الكيان الصهيوني. وأقول لكم بلسان الناس، إن كنتم في مأزق ولا تستطيعون فعلها فرادى، ولا جماعات أنتم فيها جواسيس على بعضكم لأمريكا، أليس ممكناً أن يخرج في قمة عربية تعقدونها حاكما غير مطبع يعلق الجرس بتصويت سري على مشروع قرار ملزم باتفاق الجميع؟
أنتم، وعلى مقاس كل منطق، تتحملون مسؤولية محارق أطفالنا وهي تُذبح بالجملة بالقصف والتجويع وكل السبل المتوحشة ومسؤولية كل ما يجري في فلسطين بكل أهدافه ووسائله ونتائجه في حال استمرار تطبيعكم، وإن كان هذا بنسبة 99 % فالنخب المثقفة التي استسلمت للتدجين والنفاق لكم تتحمل وزر مسؤولية الواحد بالمئة ومن الظلم تحميل الوزر للشعوب التي قامت أنظمتكم وتقوم بدور الأداة الأمريكية \ الغربية الرئيسي لتجهيلها وقمعها وتجويعها ونزع مواطنتها وإفقادها لكل اعتباراتها القانونية والسياسية والنفسية والإنسانية..
العرب كلهم في الظرف الراهن في حرب إبادة. وليس الفلسطينيون إلا الشعب الذي يدفع ثمن خط الدفاع الأول والأخير عنهم، فلا مجال للفلسفة والتنظير في حومة الحرب. دلوني على ما تبقى لنا كشعوب من عون وأمل نلجأ اليه ونحن في النار، غير المقاومة. وبهذا لا أستثني شعباً ونخبا من شعوبنا ولكني أخص الأردني والفلسطيني في أي مكان كانوا، بالقول أن لا وطن ولا مستقبل لكم ولأجيالكم إلا بالمقاومة. فمن لا يستطيع منكم أن لا يكون جزءا فاعلا منها فبقلبه ولسانه وبما يستطيع عليه. اجعلوها بما تبقى لكم من شعرة وعي خطكم الأحمر أمام أنظمتكم، فهي فعلا الخط الداكن الحمرة الذي لا مساومة عليه. لن تتحرر فلسطين ولن تتحرر دولنا إلا بالقوة ورفض الاستسلام، واجهوا أنظمتكم وأوقفوها عن مشاركة الاحتلال في شيطنتها وتصفيتها للمقاومة.
ولتعلموا حكام التطبيع ومعكم كل متابع للأخبار، أن تصفية المقاومة مستحيل. فهي الفكرة المقدسة غير الممكن استئصالها، وإن خرج بعض من رجالها من فلسطين فسيخرجون لمكان مساحته العالم وأيضا سيعودون أضعافا. ولذلك فإن مجرمي الكيان بهدفهم المعلن بالقضاء عليها كاذبون وخادعون ويعلمون بعبثيته، وأنهم بقولهم باحتلال غزة كاذبون أيضا، فغزة حررت في عام 2005 بمقاومة لم تصل في قوتها لما هي عليه الآن. وإن ما يتوخونه هو الهروب للأمام من ورطتهم ونفاذ وسائلهم وبالتالي مجرد ذريعة وتغطية لاستمرارهم بالعدوان وعمليات التطهير العرقي من فلسطين ودفع المقاومة للعمل على الساحة الدولية لوصمها بالإرهاب وليجعلوها قضية العالم، بينما العالم وخاصة الأوروبي مدرك للحقيقة وبأنه من يعمل على إخراجها من فلسطين وهماً، وأنه الذي لا يحترم ولا يرضخ إلا للقوة والمقاومة. ومن حق المقاومة أن تلاحق الاحتلال ومصالحه وأزلامه المجرمين في كل مكان دفاعا عن النفس.
أيها الحكام المطبعون وأسماؤكم محفورة في اللوح الأسود المحفوظ. أنتم كنتم وما زلتم الأداة الاستعمارية لنكبتنا ونكستنا وعذابنا وتجهيل نشئنا، ومنزلتكم عند من يستأجر ضميركم وإرادتكم وحرفكم وقلمكم عليكم إدراكها. لا تظنوا أنكم شركاء للعدو بل مستأجرون لتصريف أعمال حقيرة على شعوبكم ودولكم وأوطانكم في مستعمرات، وحتمية انتهاء مأجوريتكم قائمة واستبدالكم لن يكون بحفلة وداع ولا بترك الجمل بما حمل، فلا حظوة للخائن عند العدو أو مكان، فهذا منطق سياسي تاريخي عميق. وسيأتي يوم عليكم تفقدون فيه سيطرتكم على من دجنتم إلى إبل وأكباش وستُكووْن بنار غضبها وانتقامها، ولعل في التذكير حافزاً للتوقف أو للتغيير.
كاتب عربي أردني