صحيفة الحقيقة: دروس من هدي القرآن الكريم للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله علية

من الشرف تحمل المسؤولية

الله سبحانه وتعالى ذكرنا بأن حمل الرسالة هو شرف عظيم، أن أولئك الذين لم يكونوا بمستوى الأمانة التي قُلِدوها في آخر أيامهم، وهم أهل الكتاب {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} أنتم اخترتم تقومون بالمهمة تحت راية محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، أهل الكتاب أنفسهم لو استشعروا عظم المسؤولية لعرفوا أن المسألة هي على هذا النحو: أنه متى اختار الله نبياً من أنبيائه، فليكن من هنا، أو من هنا، فالأمر إليه، ولهم الشرف العظيم بأن يقاتلوا تحت راية هذا النبي، حتى وإن لم يكن من بني إسرائيل؛ لأنهم غضبوا جداً عندما لم يأت النبي من بني إسرائيل، وقالوا: لماذا يأتي من بني إسماعيل؟! الله هو الذي يقول: {للَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}

والمجال لا يزال أيضاً أمامهم مفتوحاً {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} خيراً لهم؛ لأنهم هم من يفترض فيهم أن يكونوا من أول من يؤمن بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهم كانوا من تجمع نحو المدينة؛ لما يعرفون من أنها ستكون مهاجر النبي الذي سيبعث في آخر الزمان، فتجمعوا تجمعات كبيرة حول المدينة المنورة وداخلها.

{وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِه} لا تكونوا أول كافر به، أنتم يا بني إسرائيل، لا يليق بكم أن تكونوا أنتم أول من يكفر بهذا الدين، وبمحمد، وبالقرآن، وأنتم من تعرفون الرسالات، وتعرفون الكتب السماوية، وتعرفون حاجة الأمم الماسة إلى الهداية من قبل الله، كما قال هنا، في مطلع هذه الآيات في أولها: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ} وأنتم شهداء، وهو دوركم في الحياة: أنكم اخترتم، وفضلتم على العالمين؛ لتكونوا أنتم من تحملون لواء الرسالات، وأنتم من تكونون شهداء على الأمم، شهداء على الناس.

لكنهم لما تخلوا عن المسؤولية، لما لم يكونوا بمستوى المسؤولية في آخر أيامهم، وإن لم يكن المجموع، كما سيأتي الاستثناء فيما بعد، ولكن عندما يغلب، عندما يكون الغالب هم الفاسقون، عندما يقصِّر، ويفرط المؤمنون، فتبقى الغلبة للفاسقين، يصبح المجموع، من حيث المجموع غير جدير بتحمل المسؤولية، وبالتالي يكون معرضاً للاستبدال، بأن يستبدل به غيره.

 

كنتم خير أمة

لو توحد شعب واحد، لو توحدت محافظة واحدة، لو توحدت قبيلة واحدة لعملوا المستحيل. وأمر الله للناس بالتوحد، وهذه التوجيهات ألم تكن في بدايتها موجهة إلى كم؟ إلى ما هو أقل من مليون مسلم، قد لا يكونون نحو مليون مسلم، الذين توجهت هذه التوجيهات إليهم، وكم هو اليمن؟ تسع عشر مليون على أقل تقدير، ونفس الشيء بالنسبة للزيدية، بقدر ما تكون أنت تناط بك مسئولية أكثر، بقدر ما تكون الجريمة من قبلك في التفريط أكبر.

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ألسنا نقول بأننا خير الأمة، الزيدية؟ وأننا نحن الطائفة المحقة؟ وفعلاً عقائدنا هي الحق، يشهد لها القرآن الكريم، ويشهد لها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولكنا أصبحنا كما أصبح الآخرون.

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} فهذه الأمة هي أفضل الأمم، ناسين في وسط هذه الأمة لما فرطت في المسئولية، وفي هذا الشرف العظيم، كذلك نحن الزيدية، من نقول بأننا أفضل الطوائف، وأننا خير الطوائف، وأننا أهل الحق، وأننا.. وأننا.. المسئولية كبيرة علينا، وأكبر من الآخرين. أهل البيت من يقولون أنهم هم خير الناس، وأن الله فضلهم، وأن الله كذا، وكذا.. وأوجب على الناس محبتهم، ومودتهم، المسئولية عليهم أكبر، وأكبر، لكننا فرطنا جميعاً.

 

فالتذكير بما حصل على بني إسرائيل هو يذكر بسنة إلهية، نعوذ بالله من أن تقع علينا {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} أليس هذا هو الذي حكاه عن بني إسرائيل؟ إنما نسأل الله أن يرفعها عنا أما وقوعها فيبدوا أنها قد وقعت فعلاً، ونعمل كيف نكون ممن يسعى لرفع هذه الذلة، وهذا الغضب، وتلك المسكنة وإلا فهذه الذلة، والمسكنة معروفة، أصبحت معروفة.

تضرب طائرات ياسر عرفات، مسكين، ويحاصر في بيته، وكل زعماء العرب، كل شعوب العرب فقط يتفرجون في التلفزيون، لا يستطيعون أن يقولوا شيئاً، ولا يحركون شيئاً! أليست هذه هي الذلة؟ ما كان العربي البدوي يسمح لمثل هذه أن تحصل.

الصحفيون، ومن يتولون إذاعات نشرات الأخبار ماذا يكون همه؟ مذيعة في قناة الجزيرة أثناء الضرب، لاحظوا أثناء الضرب، همها، همها فقط أن يوافي بآخر الإحصائيات من أجل الخبر تسبق إليه الجزيرة فقط، [تمام لكن قلنا كم هناك من ضحايا لحد الآن، وكم هو الضرب] فقط، إنما نريد نعرف كم قتلوا، وكم دمروا! بدون أن نعمل شيئاً، وهكذا وسائل الإعلام تأتي بالأخبار فقط لمجرد الإحصائيات، ونحن نستمع فقط لمجرد الإحصائيات، لكن ليس هناك في إعلامنا ما يحركنا، ولم يعد في ضميرنا، وفي أنفسنا من الإباء ما يحركنا، هي تسابقه في الكلام، هو يريد يكلمها تقول: [تمام لكن قل لنا الآن، الآن، قبل تأتي قناة أخرى تأتي بإحصائية دقيقة قبل، حتى تسبق إليها قناة الجزيرة، الآن قل لنا الآن كم الإحصائيات؟] فقط.

ونحن عندما نطالع في التلفزيون فنعرف ماذا يعمل بالمسلمين هنا وهناك لمجرد معرفة إحصائيات فقط،لأنه قد روضنا اليهود، واليهود خطيرين في الترويض، يقتلون اثنين، ثلاثة، أربعة فلسطينيين، خمسة، عشرة، واليوم بيت، وغداً بيت، وثاني أسبوع ثلاثة بيوت؛ لأننا نحن هم عارفون طبيعتنا نحن العرب، في الأخير نضجر، لا نعد نريد أخبار فلسطين، قد نحن نريد أخباراً جديدة، أما هذه قد هي معروف خلاص! هم يروضوننا.

 

لن يضروكم إلا أذى

إذا كان هناك من يندفع من منطلق استشعاره بعظم المسئولية؛ فهذه هي الهداية على أرقى مستواها، وتصوير الواقع على أوضح ما يكون، وبما يكشف أن الله يهدي، يهدي الناس هنا إلى كيف يكونون مواجهين في ميدان المواجهة مع أهل الكتاب، اليهود والنصارى، يقول بعد أن أرشدنا إلى التوحد، أرشدنا إلى التقوى، نهانا عن التفرق، وخطورة التفرق في الدنيا وفي الآخرة، ثم أكد لنا بأن هذه الآيات هي حق، ثم قال: هو معنا، وله ما في السموات وما في الأرض، سيهيئ الأمور لنا، يقول أيضاً عن أولئك الذين ندعوكم الآن لمواجهتهم، كأنه يقول لنا هكذا: الذين نحدثكم في هذه الآيات، ونؤهلكم لمواجهتهم، ولقتالهم هم أيضاً ضعاف.

أليس هذا عامل آخر يبعث على الانطلاق؟ يقول: أنتم متى كنتم بهذا المستوى: متوحدين معتصمين بحبل الله جميعاً، وكنتم على هذه الثقة العالية بالله، أن له ما في السموات وما في الأرض، وأنه لن يغلق الأجواء أمامكم، ولن يدعها مغلقة أمامكم.

وبعد أن ذكر بخطورة أولئك علينا في حياتنا، وفي ديننا، في آخرتنا، يقول عنهم: هم أيضاً متى كنتم بهذا المستوى فسيصبح واقعهم هكذا: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً} طقطقة هناك، طقطقة لا قيمة لها، {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} ما بقي بعد هذا؟ ومن الذي يقول هذا؟ هو الله، الذي يعلم الغيب في السموات وفي الأرض، ويعلم السر في السموات وفي الأرض، يعلم اليهود الذين ضرب عليهم الذلة والمسكنة، كيف سيكونون في ميدان القتال.

ولهذا الأشخاص الذين يثقون بالله يتكلمون بملئ أفواههم بكل تحدي لإسرائيل عند رأسها، حسن نصر الله، وأمثاله، بكل صراحة، وبكل قوة، من منطلق ثقته بصدق القرآن، أن هؤلاء أجبن من أن يقفوا في ميدان القتال صامدين، وجربوهم فعلاً، جربوهم في جنوب لبنان، كيف كانوا جبناء، يهربون، جندي واحد يرد قافلة، ورتل من الدبابات، الشاحنات العسكرية، أرعبوهم حتى أصبح اليهود متى ما خرج اليهودي من جنوب لبنان إلى داخل فلسطين يبكي من الفرح، ويقبِّل أسرته، خرج من بين غمار الموت.

{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً} يصبح إعلامهم، تصبح كل أعمالهم، كلها تتبخر عندما تكونون على هذا النحو، عندما تكونون على هذا المستوى من الوعي، والثقة بالله، والاعتصام بحبل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في داخلكم حتى تكشفوا لكل أسرة ما يدبره ضدها الآخرون، تصبح كل وسائل إعلامهم تخسر، تخسر، قنوات فضائية تتبخر، وترسل ذبذبات إلى فوق ولا تنزل إلى الأرض، مؤامراتهم في مجال الاقتصاد كلها تتبخر، تصبح أذية، إزعاج، مثلما يأتي ذباب [يحدث طنيناً] عند أذنك.

{وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ} أليس هو يؤكد لنا أن كل شيء من جانبهم يتبخر، وسيفشل؟ كل مؤامراتهم تصبح مجرد أذى، لا فاعلية لها، وإن نزلوا إلى ميدان المواجهة المسلحة {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} يفرون من أمامكم {ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} لا يجدون من ينصرهم، فعلاً لا يجدون من ينصرهم، لا الله، ولا حتى تلك الشعوب الأخرى، شعوب الغرب، ستتخلى عن اليهود، إذا ما وجدونا نحن، من مصالحهم داخل أراضينا، هكذا قال أحد المسئولين، أعتقد مسئول فرنسي، أو بريطاني، عندما قالوا لهم لماذا لا تقفون مع العرب؟ قال: [لستم بمستوى أن نقف معكم، ولا بمستوى أن نتخلى عن إسرائيل؛ لأن إسرائيل هي المهيمنة].

قال: {ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} عبارة: ينصرون فعل ما يسمى مبني للمجهول، أي فاعله مجهول، أي: لا يحصل لهم نصر من أي طرف آخر، لا من قبل الله، ولا من قبل أحد من البشر، {ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} تلك الشعوب نفسها سترى بأنها أن تقف مع إسرائيل، وهي ترى موقف السخط داخل هذه الأمة، وترى الجهة القوية التي تضرب إسرائيل، ستحافظ على مصالحها. هل هم وقفوا مع شاه إيران، وكان هو عميل، وكانت إيران تهمهم كثيراً، مصالحهم من إيران أكثر من مصالحهم من إسرائيل.

 

قد يعجبك ايضا