النظام السعوديّ وصناعة الأزمات.. قراءةٌ في جذور تحَرّكه ضد اليمن والأمة

شاهر أحمد عمير

لم يكن اليمن في أي مرحلة من تاريخه باحثًا عن حرب أَو متطلعًا إلى الصراع، بل كان دائمًا حريصًا على استقرار المنطقة واحترام مبادئ الجوار والأخوة العربية والإسلامية.. ومع ذلك، تكشف التطورات السياسية في السنوات الأخيرة أن التوتر القائم لم يكن ناتجًا عن خلاف بين الشعبَين اليمني والسعوديّ، بل هو نتيجة مسار سياسي اختاره النظام السعوديّ، قائم على الهيمنة وبسط النفوذ والتماهي مع مشاريع خارجية أمريكية صهيونية تستهدف تفكيك المنطقة وإضعاف قواها الحية.

ولسنا عشاقَ حروب أَو صانعي مشاكل؛ فنحن رجال سلم لمن سالم، ورجال حرب لمن حاربنا، وأرضنا كانت وما تزال مقبرة الغزاة والمحتلّين على مر التاريخ.

لقد اتجه النظام السعوديّ إلى سياسة تصادمية في التعامل مع محيطه العربي، وظهر ذلك بوضوحٍ في تعاطيه مع المِلف اليمني، حَيثُ تحوَّلت الخلافاتُ السياسيةُ إلى حرب شاملة شاركت فيها قوى دولية وإقليمية كان همُّها الأكبر إعادة صياغة موازين القوة في المنطقة لمصلحة المشروع الأمريكي – الإسرائيلي.

ورغم الدعاية الإعلامية الواسعة التي حاولت شيطنة الطرف اليمني، إلا أن الوقائعَ أثبتت أن ما جرى لم يكن دِفاعًا عن أمن المملكة، بل كان جُزءًا من مخطَّط أوسعَ لضرب أية قوة عربية مستقلة ترفض الخضوع لإملاءات خارجية.

وما يزيد من خطورة هذا المسار أن النظام السعوديّ أسهم، عبر سياساته وخطابه الإعلامي، في زرع الفتن بين الشعوب العربية وإذكاء النزاعات، بدلًا عن أن يتوجّـه نحو توحيد الصفوف في مواجهة الأخطار المشتركة التي تتربص بالأمة، وعلى رأسها المشروع الصهيوني الذي يستهدف فلسطين ولبنان واليمن والمنطقة بأكملها.

أما الشعوب، سواء في السعوديّة أَو اليمن، فهي أبعد ما تكون عن هذه العداوات المصطنعة؛ إذ تبقى الروابطُ الدينية والتاريخية والثقافية أقوى من أن تمحوَها سياساتٌ ظرفية أَو قرارات غير محسوبة.

ورغم قسوة العدوان والحصار، استطاع اليمن أن يثبت حضوره بقوة في المشهد الإقليمي.

فقد شكّل صموده مفاجأة كبيرة للجهات التي اعتقدت أن اليمن سيخضع سريعًا أَو سينهار أمام الضغط العسكري.

لكن التجربة اليمنية أثبتت أن الشعوب التي تؤمن بقضيتها وبحقها في السيادة قادرة على تحمل أعظم التحديات، وقادرة أَيْـضًا على قلب الموازين التي كانت تُعتبر ثابتة وغير قابلة للتغيير.

ومع مرور الوقت، لم يعد اليمن مُجَـرّد ساحة صراع، بل أصبح طرفًا مؤثرًا في المعادلة، وقوة تفرض حضورها على الجميع.

اليمن لا يعشق الحرب ولا يتطلع إلى الصراع، لكن الشعب اليمني لا يقبل أن يعيشَ مُهانًا أَو أن يُفرِضَ عليه الاستسلام تحت وقع العدوان.

فاليمني لا يحب صوت المدفع لذاته، بل يحب أن يرى كرامته محفوظة وسيادته مصانة وقراره مستقلًا.

وحين تُفرض عليه المواجهة، يخوضها بإيمان عميق وثقة بالله، وإدراك راسخ بأن الدفاع عن الأرض والكرامة واجب لا يمكن التراجع عنه.

لقد وصلت المنطقة اليوم إلى مرحلة تتطلب مراجعة شاملة للسياسات التي أوصلتها إلى هذا المستوى من التوتر.

فالحروب لا تُنتج استقرارًا، والتبعية للقوى الأجنبية لا تصنع أمنًا، والرهان على التطبيع أَو التحالف مع أعداء الأُمَّــة لم يجلب إلا مزيدًا من الاضطراب.

والأجدر بالنظام السعوديّ أن يعيد النظر في مساره، وأن يدرك أن أمنَه الحقيقي يكمُنُ في التعاون مع الشعوب العربية والإسلامية، لا في مواجهتها أَو استعدائها.

علَّمنا التاريخ أن الشعوب هي التي تبقى، وأن الأنظمة التي تنحاز إلى الظلم أَو تتورط في خدمة مشاريع أجنبية تكون نهايتها حتمية، مهما طال الزمن.

واليوم، يتطلع اليمن ومعه ملايين العرب إلى مستقبل عربي جديد يقوم على الاحترام المتبادل وسيادة القرار ووحدة المصير.

أما السياسات العابرة فليس لها مكان في حركة التاريخ، ولا يمكن لها أن تتغلب على إرادَة الشعوب التي آمنت بحقها في الحرية والكرامة.

قد يعجبك ايضا