صنعاء تحت ضغط الشارع: على الرياض إنهاء الحصار

يفرض وقف النار في غزة إعادة فتح ملف الحرب السعودية على اليمن، وسط ضغوط صنعاء لإنهاء الحصار واستحقاقات السلام، ورفض رهن الحلول بإرادة واشنطن.

بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتوقّف عمليات الإسناد اليمنية للقطاع، انشغلت الأوساط الشعبية والرسمية في صنعاء بالقضايا الداخلية والوطنية، ولا سيما الحصار المفروض على اليمن منذ أكثر من عشر سنوات. وطُرحت بشكل كبير قضية عودة المفاوضات مع السعودية من زاوية استكمال استحقاقات الحرب، بعد أن رفضت واشنطن تحقيقها وربطت تنفيذها بوقف صنعاء جبهة الإسناد.

ويضغط الشارع اليمني بقوة على قيادته السياسية لإجبار الجانب السعودي على الخضوع لمتطلّبات السلام، بعد الحرب التي شنّها على البلد طوال ثماني سنوات. ويبدو أن المفاوضات بين الجانبين اليمني والسعودي بدأت عبر الوسيط العماني بهذا الشأن، وأن المؤشرات الأولية تفيد بتحرّك فعلي لإنهاء ملف الحرب.

والسؤال المطروح عند الجمهور والنخب اليمنية: ماذا بعد حرب غزة؟ وماذا عن استحقاقات السعودية جراء حرب «العاصفة» وما جلبت من خراب ودمار تسبّبت بهما الشقيقة الكبرى لدول الخليج لليمن؟ وما هو الثمن الذي يجب أن تدفعه تلك الدول جرّاء عدوانها واحتلالها لأجزاء من البلد؟ ماذا عن الملفات العالقة التي أُجّلت بسبب انخراط صنعاء في إسناد غزة؟ أما السؤال الأكثر إلحاحاً، والذي ورد على لسان أحد النشطاء فهو: «هل تريد المملكة أن تبقي الأمور بلا معالجات واقعية إلى ما لا نهاية، أم تظن أن اليمن سوف ينشغل عنها بفتح معركة مع المريخ؟»

ويطالب هؤلاء السعودية بالإجابة عن تلك الأسئلة، وعمّا إذا كانت جادّة في تنفيذ استحقاقات السلام، على أن تكون معالجة القضايا الإنسانية والاقتصادية وتبادل الأسرى ورفع الحصار مقدّمة ضرورية لاستعادة الثقة وللتأسيس لمفاوضات الحل الشامل. كما أن المزاج العام في صنعاء يميل إلى الإسراع في إنجاز الملفات العالقة، ويدفع باتجاه مفاوضات سياسية حقيقية تفضي إلى استعادة الحقوق والسيادة والاستقلال والوحدة على كامل التراب الوطني، من دون تجزئة أو مماطلة.

ولا يبدو أن القيادة السياسية في صنعاء في وارد توظيف دخولها في الحرب إلى جانب القضية الفلسطينية وصمودها أمام التحالفات العسكرية الأميركية والإسرائيلية والأوروبية، ونجاحها في تحقيق أهدافها. ففي المفاوضات بين الجانبين اليمني والسعودي، المباشرة وغير المباشرة، غير مطروح الربط بين ملفات الحربين: إسناد اليمن لغزة، وقبلها الحرب السعودية على البلد.

وعلى الرغم من ذلك، فإن نتائج وقف إطلاق النار في غزة وصمود المقاومة الفلسطينية على الرغم من الإبادة والتدمير والقتل، وبالنظر إلى الشراكة الفاعلة لليمن في الصمود، سترخي بظلالها على طاولة المفاوضات، مهما حاول الطرفان السعودي واليمني تجاهل الربط بين الحربين.

ولم يعد بمقدور السعودية الهروب من استحقاقات حربها الفاشلة على اليمن، من خلال المماطلة وشراء الوقت وتجزئة الحلول، وإطالة الوضع القائم، وتقديم بعض التسهيلات المالية والإنسانية، والبحث عن تحقيق استقرار ظرفي عوضاً عن إنهاء الملفات العالقة وعودة العلاقات المستدامة بين الجارين إلى طبيعتها.

ومن المُفترض بالقيادة السياسية السعودية أن تدرك، ولا سيما بعد فشل العدوانيْن الأميركي والإسرائيلي على اليمن، حتمية الإقلاع عن الرهانات الخاطئة طوال ثماني سنوات من الحرب العبثية على الشعب والأراضي اليمنية.

وتدرك المملكة أن تكلفة الاستمرار في حالة اللاحرب واللاسلم مع اليمن عالية جداً، إذ لم يعد هناك أي مبرّر استراتيجي لإطالة أمد تلك المرحلة، وأن التعامل مع اليمن من خلال الحلول الدبلوماسية والسياسية أفضل بأي حال من الحلول العسكرية واستمرار الصراع وبقاء حالة العداء، ولا سيما أنها من الناحية السياسية الداخلية والاقتصادية قائمة على تجنّب مزيد من الصدامات، والتركيز على أولويات التنمية والاستقرار الداخلي.

في الظاهر، لا تصغي المملكة حتى الآن إلى الدعوات الإسرائيلية الصادرة عن كُتّاب أو محللين قريبين من اليمين المتطرف، والتي ترى أن التهديد المتبقّي بعد وقف حرب غزة يتمثّل في التهديد اليمني، وتعتبر أن القضاء على هذا التهديد يحتاج إلى تدخل عربي سنّي بقيادة السعودية، بدعوى أن إسرائيل لا تريد أو لا تستطيع الانغماس المباشر في اليمن. بعض هذه التصريحات طُرحت بشكل مباشر، مثل قول وزير المالية الإسرائيلي، بتسليئيل سموتريتش: «إننا لم ننته من الحوثيين بعد. إنهم تهديد يجب القضاء عليه.

وعلى الدول العربية أن تتحمّل مسؤولياتها»، أو ما ورد في صحف تحليلية إسرائيلية وغربية ومراكز فكر قريبة من المحافظين الجدد في أميركا، مثل «Jerusalem Post»، و»Washington Examiner»، و»National Review»، من ترويج لفكرة أن على واشنطن «إعادة تمكين السعودية عسكرياً» لتقود مواجهة «بالوكالة» ضد «أنصار الله»، بعد فشل التحالف البحري في البحر الأحمر.

وكانت عبّرت صنعاء، عبر أعلى سلطة في الهرم، زعيم حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، عن عدم رضاها عن التحالف الملاحي في البحر الأحمر، الذي أنشئ الشهر الماضي في الرياض. ومن غير الواضح إذا كان الجانب اليمني سيطرح في المفاوضات المقبلة خطورة التحالف البحري المذكور على الأمن اليمني، إذ تقدّر صنعاء أن التحالفات الدولية في البحر الأحمر، بعيداً عن الدول المشاطئة، ولا سيما اليمن، تخفي رغبة إسرائيلية وغربية مُبطّنة بإشراك العرب في حرب جديدة نيابة عنهم.

لقمان عبدالله لقمان عبدالله  الجمعة 31 تشرين اول 2025

قد يعجبك ايضا