في المولد الشريف.. الإسلامُ مسيرة حرية

عبد الكريم الوشلي

في كُـلّ ذكرى عطرة للمولد النبوي الشريف تتجدّد في الفضاء الذهني الإدراكي الإنساني المتأمل والموضوعي أهميّةُ النبوة والرسالة الإلهية الخالدة الشاملة عُمُـومًا، والنبوةِ المحمدية الخاتمة على وجه الخصوص، وتتجدد تبعًا لذلك حقيقةُ أن الإسلام، وهو البوتقة الحاضنة الجامعة لرسالات جميع الأنبياء والرسل والدينُ الإلهي الواحد، بالمفهوم الجوهري له، الذي حملته تلك الرسالات تواليًا منذ أولها وحتى خاتمها الموقّع بالوسم المحمدي الكامل الشامل.

وفي إطار هذا المعنى أَو المفهوم القطبي والأَسَاسي يتجلى واقع الرحمة الإلهية بالخَلق الآدمي بامتدادات مستوعبة لسائر المخلوقات والكائنات، كسمة بارزة في جوهر النبوة وما يتصل به من حكمة ومغزى وتدفّقٍ غزير بالدلالات والعلل والأسباب والمرامي العميقة. وأولى المفردات العميقة النابضة في قلب ذلك الواقع مفردةُ الحرية، مربوطةً على نحوٍ عضويٍّ لا ينفصم بمفردة أَسَاسية أُخرى هي الهداية.

فالإسلام، حقًّا وواقعًا، هو دين الحرية بامتيَاز، الحريةِ الحقيقية الأصيلة المتشكّلة كشرط محوري وركيزة أَسَاسية لحركة الإنسان الخلّاقة المثمرة في هذا الوجود وفقَ مقتضى مُراد الله وحكمته ومشيئته.

الإسلام الإلهي المحمدي الأصيل هو دين الحرية الحقيقية ومشروعُ الله التحرّريُّ الأول والأهم والأَسَاسي للبشر. وهنا يحضر شاهد قرآني واضح الدلالة يتمثل في الآية 157 من سورة الأعراف: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (ص).

هذا هو الإسلام العظيم في فحواه وجوهره: تحرّرٌ من أغلال الشرك والخضوع لغير الله من الطغاة والمجرمين، والعبوديةِ للشهوات والأهواء والمصالح غير المشروعة وما إلى ذلك.

ومن هذا الرافد الصافي، المَعين، والينبوع الزلال انبثق المشروع القرآني التحرّري النهضوي العظيم، والذي يتحَرّك في ضوئه اليوم شعبنا اليمني العزيز بقيادته الحكيمة الصادقة، وتعلو راية المسيرة المباركة خفّاقةً بوعود النصر والعز والانعتاق للأُمَّـة كلِّها ولمستضعفي وأحرار العالم بحول الله تعالى.

وكم هو عميقٌ وصفُ أحدِهم القائل: إن “هذه المسيرة القرآنية مثلُ المسجد.. يتوافد الناس إليه بمختلف نواياهم وأهدافهم:

• فمنهم المصلّي،

• ومنهم العابد الزاهد،

• ومنهم المرائي المنافق،

• ومنهم الآتي لسرقة الأحذية.

لكن المسجد يبقى طاهرًا ودارَ عبادة، ومحطّةَ زكاء النفس وتربيتها وتوجيهها على نحوٍ إلهيٍّ قويمٍ مستقيم”.

قد يعجبك ايضا