قوة دولية غامضة ومجلس غامض… والخاسر الأكبر: الشعب الفلسطيني

من مجلس الأمن إلى مجلس السلام: هل بدأت وصاية واشنطن على غزة؟

قرار مجلس الأمن بشأن غزة: طريق أمريكي للهيمنة أم خطوة نحو السلام؟

الحقيقة ـ جميل الحاج

في خطوة وُصفت بأنها منعطف غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة، تبنّى مجلس الأمن الدولي قراراً مثيراً للجدل بشأن قطاع غزة، يستند مباشرة إلى خطة أمريكية مؤلفة من 20 بنداً قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإدارة القطاع.

القرار الذي حمل الرقم 2803 مرّ بأغلبية 13 صوتاً مع امتناع روسيا والصين، لكنه فتح باباً واسعاً من الانتقادات والرفض، خصوصاً فلسطينياً، وسط تحذيرات من أنه يمهّد لوصاية دولية ويكرّس حضور الولايات المتحدة في غزة على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

مضمون القرار: “مجلس سلام” برئاسة ترامب ونزع سلاح المقاومة

القرار الأممي يتبنى بالكامل خطة ترامب التي تتضمن إنشاء “مجلس سلام لقطاع غزة” يرأسه ترامب شخصياً، ويتولى بحسب ما ورد في الوثائق إدارة القطاع والإشراف على قوة دولية لتحقيق الاستقرار، إضافة إلى تنفيذ عملية نزع السلاح في غزة، وعلى رأسها سلاح فصائل المقاومة.

غير أن بنود الخطة اتسمت بغموض كبير، بما في ذلك طبيعة المجلس المقترح، وكيفية تشكيله، وصلاحياته الفعلية، والدول التي ستشارك في القوة الدولية التي يفترض نشرها مطلع العام المقبل.

قال خبراء في الشؤون الإسرائيلية، إن المشروع «يفتقر إلى رؤية سياسية حقيقية، ويكرس وصاية دولية على غزة، بما يؤدى لفصلها فعليا عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٤٨ والضفة الغربية».

وأكدوا أنه «لا يتضمن أى بند يلزم (إسرائيل) بالانسحاب، ولا يعالج جوهر القضية الفلسطينية، بل يركز على إحكام السيطرة الأمريكية على غزة، وتهيئة واقع يخدم (إسرائيل) أكثر مما يخدم الفلسطينيين».

صحف عالمية: أغرب وأغمض قرار أممي في التاريخ

وتناولت عدة صحف دولية القرار بلهجة متحفظة وحادة في بعض الأحيان، كان منها صحيفة الغارديان البريطانية وصفت القرار بأنه “الأكثر غرابة في تاريخ الأمم المتحدة ومجلس الأمن”، مشيرة إلى أن النصوص غامضة، وأن القرار يمنح الولايات المتحدة سيطرة مباشرة على مفاصل إدارة غزة. كما أكدت أن “مجلس السلام” غير واضح المرجعية، وأن الدول التي تواصلت معها واشنطن  مثل مصر وتركيا والإمارات وإندونيسيا لم تُبدِ حماسة للمشاركة في القوة الدولية.

وذهبت الغارديان أبعد من ذلك، معتبرة أن القرار “يمنح ترامب السيطرة المطلقة على غزة”، وأن شخصيات دولية مثل توني بلير قد تُدرج في المجلس الجديد، الذي لا يتبع الأمم المتحدة ولا يخضع لقراراتها السابقة، بل يرفع تقاريره مباشرة إلى مجلس الأمن.

أما صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فحذرت من أن الخطة تركز على ترسيخ النفوذ الأمريكي أكثر من اهتمامها بالحقوق الفلسطينية أو الحلول الجذرية للصراع.

الفصائل الفلسطينية: “وصاية دولية مفروضة.. وتكريس للاحتلال”

قوبل القرار برفض فلسطيني واسع. فقد أصدرت الفصائل الفلسطينية بياناً مشتركاً عبّرت فيه عن رفضها القاطع للقرار، معتبرة أن يتجاوز المرجعيات الدولية القائمة، يشكل “وصاية دولية” على قطاع غزة،، ويمهّد لترتيبات ميدانية خارج الإرادة الوطنية، وينتهك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ويربط وقف الحرب والانسحاب بشروط الاحتلال، ويعزز نفوذ الولايات المتحدة و(إسرائيل)  داخل غزة.

كما شددت الفصائل على أن أي قوة دولية تُنشَر في القطاع وفق الصيغة الحالية ستتحول إلى إدارة مفروضة تحد من قدرة الفلسطينيين على إدارة شؤونهم. وأكدت أنها لن تقبل بنزع سلاح المقاومة، وأن الخطة تتجاهل الجرائم الإسرائيلية المستمرة في غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس.

ضبابية مقصودة.. وسط دمار هائل ومعاناة إنسانية

بحسب التقارير الدولية، يأتي القرار في وقت يعيش فيه قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة بعد حرب مستمرة منذ عامين، خلفت أكثر من 70 ألف قتيل ودمرت نحو 70% من مباني القطاع. وتقول الغارديان إن تمرير القرار رغم وضوح ضبابيته يعكس حالة “الإرهاق واليأس الدولي” من استمرار الحرب.

كما أن الخطة لا تعالج جذور الصراع، مثل إنهاء الاحتلال، وتفكيك نظام الفصل العنصري، وضمان حق العودة، وتحقيق السيادة الفلسطينية، وهي قضايا كررت الفصائل الفلسطينية أنها خطوط حمراء غير قابلة للتجاوز.

ويبدو أن قرار مجلس الأمن 2803، بدلاً من أن يشكل خطوة نحو إنهاء الحرب، أصبح محور جدل دولي واسع، وسط وصفه بأنه “مبهم، غامض، ومسكون بالهيمنة الأمريكية”. وبينما ترى واشنطن فيه “مساراً جديداً للمنطقة”، يرى الفلسطينيون أن القرار يهدد بفرض واقع سياسي وأمني جديد، يحد من سيادتهم ويكرّس الوجود الأمريكي والإسرائيلي في غزة، مما ينذر بتوترات جديدة قد تزيد المشهد تعقيداً بدلاً من حلحلته.

قد يعجبك ايضا