كيف نجحت صنعاء في مقاومة الحصار والقرصنة (قصة “توازن_الردع_الاقتصادي)”

📝تقرير تحليلي|الاعلام الاقتصادي

لابد أن راسمي ومنفذي خطة الحرب الاقتصادية المستمرة ضد اليمنيين، لأكثر من خمسة أعوام، صار يزعجهم تصور حجم المفاجأة التي قابلتهم بها صنعاء.. وهم يحشدون لكسرها حصاراً غاشماً متعدد الاتجاهات والجهات، بعد أن فشلوا في كسرها عسكرياً.
ومن غير المؤكد إقرارهم بالهزيمة حتى الآن، برغم ثبوتها في الواقع، ورغم أنهم يتحدثون بما يشير إليها في مجمل أحاديثهم.
أما عن صنعاء، ففي تواضعها ما يكفي لاستدراكات الصمود والاستبسال، وهي بذلك قادرة على انتزاع الاعتراف بالهزيمة علناً من خصومها التاريخيين، الذين استمرأوا حصاراً اقتصادياً ضدها ليس له مثيل في التاريخ.
وهؤلاء في أصل الحكاية، كما رواها القائم بأعمال رئيس اللجنة الاقتصادية – محافظ البنك المركزي، هاشم إسماعيل، في حديثه إلى موقع (أنصار الله) ” كانوا يعتقدون بأن حربهم العسكرية على اليمن ستستمر من أسبوعين إلى شهر أو شهرين كحد أقصى، إلا أن صمود الشعب اليمني واستبساله أدى إلى أن يعيدوا حساباتهم في مسار الحرب، فكان قرارهم باتخاذ مسار جديد يتمثل في مسار الحرب الاقتصادية”.

وأمكن صنعاء، برغم محدودية قدراتها وإمكانياتها، التعرف عن كثب على أهداف واستراتيجيات هذه الحرب، وصار معلوماً بالنسبة لها كيف تجري الأحداث عبر “غرفة عمليات يديرها الأمريكيون بصورة مباشرة وينضوي فيها البريطانيون والسعوديون والإماراتيون، مستعينين بمختلف الخبراء والاستشاريين حول العالم”.

بالطبع، حدث ويحدث كل هذا، بينما صنعاء بمنأى عن أي موقف جدي من العالم إزاء الحصار الاقتصادي الذي يستهدف الشعب اليمني، ولهذا تم تشديد الخناق ضد اليمنيين، و”اعتمد التحالف أساليب القرصنة على الإمدادات الغذائية والدوائية في الموانئ البحرية والبرية والجوية”. وعملياً حوصر بشكل غاشم ميناء الحديدة، ومطار صنعاء الدولي، الواجهتين الأبرز في مسألة وصول الإمدادات إلى 70% من اليمنيين.

ترى صنعاء أنه من المهم في هذا الجانب أن “يعلم الجميع بأن بداية الحصار على الحديدة (الميناء والمدينة)، بدأ منذ تشكيل ما يسمى بخلية التحالف، التي تشكلت من عدد من الضباط الذين تم استقطابهم من دول عدة، وقد أسندت إليهم مهمة القرصنة على السفن القادمة باتجاه ميناء الحديدة، حيث يقطعون الطريق عليها في عرض البحر، تحت تهديد السلاح ويجبرونها على تغيير مسارها”.

وقال هاشم إسماعيل، إن هذه الممارسات لم تكن بعيدة عن التوثيق، و “هي بحوزة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وحتى وسائل الإعلام؛ فقد بثت قبل فترة تسجيلات ما بين خلية التحالف وبين طواقم عدد من السفن التي جرى اختطافها أو تغيير اتجاهها، حيث كان يتم تهديد تلك السفن بقصفها في حال واصلت طريقها إلى موانئ الحديدة”.

وإلى يوم الأحد 19 أبريل الجاري، وصل عدد السفن المحتجزة من قبل التحالف، إلى 15 سفينة نفطية، هذا بالرغم من إعلان إيقاف إطلاق النار والتزام صنعاء بالدعوة الأممية الأخيرة.
وإزاء ذلك، شدد إسماعيل على أن صنعاء تُحمّل النخب مسؤولية إيضاح الحقيقة للرأي العام، ويرى “بالضرورة أن يدرك الجميع أن اليمن تعيش اليوم في زنزانة صنعتها دول التحالف عبر قرصنتها على ميناء الحديدة، وفرضها حرمان وتجويع الشعب اليمني”.

وعند هذه الجزئية، تعيد صنعاء إلى الأذهان، كيف أن قرار نقل البنك المركزي، واعتماد طباعة مبالغ نقدية جديدة قُدرت بأكثر من تريليون ريال يمني، أدت إلى انهيار قيمة العملة المحلية، تزامنت مع الخروج من مفاوضات الكويت في العام نفسه 2016، والتي “هدد خلالها السفير الأمريكي بأنهم سيجعلون العملة اليمنية لا تساوي قيمة الحبر الذي طبعت به، في حال رفض وفد صنعاء التوقيع والموافقة على شروطهم”.

كان هذا مدعاة لتستنفر صنعاء كل ما بوسعها، فقد كان لديها من المؤشرات ما حفزها على تكثيف جهود المواجهة، فسارعت إلى تشكيل اللجنة الاقتصادية العليا، والتي مثلت بداية امتلاك توازن الردع الاقتصادي، إن جاز التعبير، على غرار امتلاك توازن الردع العسكري في جانب القوى الصاروخية والطيران المسير.
كان ذلك في عام 2017، وفي ظروف بالغة الحساسية، كان البنك قد تم نقله إلى عدن، وقيمة العملة في انهيار متسارع تجاوز حاجز الـ 700 ريال للدولار الواحد، والحصار والقرصنة على الواردات قائماً وعلى أشده.

يحكي القائم بأعمال رئيس اللجنة – محافظ البنك المركزي، كيف أمكن اللجنة الاقتصادية العليا لعب دور مهم وكبير في التصدي للحصار، وفق إمكانياتها وظروفها الممكنة والمتاحة، ولم تكن بالظهور إعلامياً في نشاطها إلا بنسبة بسيطة، “وذلك لكون الحرب الاقتصادية تختلف عن الحرب العسكرية، بمعنى أن الحرب العسكرية يمكن ملامستها بصورة فورية ومباشرة، من خلال القصف أو الغارات أو سقوط شهداء، بينما الحرب الاقتصادية تدار في غرف استخباراتية ولا يظهر تأثيرها إلا بعد حصولها خلال فترات متفاوتة”.
ومع كل تلك الجهود المبذولة بعيداً عن الأضواء، نجحت اللجنة في إنجاز الكثير من “أوجه التماسك الاقتصادي، الذي تحدث عنه باستفاضة السيد عبد الملك الحوثي في خطابه بمناسبة اليوم الوطني للصمود”.

وتنظر اللجنة الاقتصادية العليا، بجدية ومسؤولية كبيرة إلى هموم ومشاكل وتطلعات الشأن الاقتصادي للبلد ككل، وكان لها أن تتوصل مع الكثير من الجهات الحكومية إلى رسم البرامج التنفيذية للإنعاش والتعافي الاقتصادي، وهي الخطوة التي تجلت جدواها حتى الآن في قرارات كان لها تأثير كبير في تصويب السياسات المالية للبنك المركزي، والمحافظة على استقرار نسبي لقيمة العملة، بخلاف ما هو حاصل في المناطق المحتلة.
تقدم صنعاء خطاباً اقتصادياً وطنياً، متناسية ومتجاوزة الجراحات والخيانات، وتجد في العبث والنهب الذي يستحكم بثروات ومقدرات البلد النفطية والغازية في المناطق المحتلة، ما يدعو للأسف، باعتبار تلك المقدرات ملكاً للشعب اليمني كله، وترى أن أوجه الصراع الدائر بين أطراف منظومة تحالف الحرب والحصار على اليمن، ومسانديه المحليين، حول منشآت نفطية وغازية، كمنشأة بلحاف شبوة، مثلاً، تدور على أساسٍ من تقاسم الكعكة بين اللصوص والناهبين، وكل الأطراف في هذا الصراع تتحمل مسؤولية توقف المنشآت النفطية ونهبها، وحتى استهدافها كما حصل مع منشأة كوفل في مأرب مؤخراً.
ويأتي هنا تأكيد هاشم إسماعيل، أن “لدى صنعاء معلومات أكيدة عن وجود مخطط لاستهداف الآبار النفطية والغازية”.

بالإجمال فإن صنعاء باتت تتوفر لديها رؤية اقتصادية مستقبلية، تنسجم وتستجيب لتطلعات اليمنيين، وهذه الرؤية هي نتاج “دراسة معمقة للكثير من الرؤى والتقييم لنقاط القوة والضعف في كل الجوانب التشريعية والتنفيذية والعلاقة بينهما، وفي جانب السكان والبناء والإعمار، وحتى علاقة المجتمع القبلي بالاقتصاد الوطني وكل المجالات المختلفة، بحسب ما قاله القائم بأعمال “الاقتصادية العليا” – محافظ البنك المركزي.

ولكي تكتمل عملية توازن الردع الاقتصادي، في مجابهة التحديات والمخاطر، يشرح هاشم إسماعيل أنه “من المهم على واضع السياسة الاقتصادية للدولة أن يأخذ في اعتباره مجمل العوامل المؤثرة؛ سواء من حيث العامل الاجتماعي والسياسي والجغرافي، ثم وهو الأهم إدراك وتفهم العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص، والتي لا بد أن تكون واضحة ومعيارية، وأن تُبنى على أسس المصلحة العامة وليس المصلحة الشخصية كما كان في السابق”.
ويضيف بتفاؤل: “بإذن الله سيلمس الجميع في قادم الأيام مدى التحسن في فكر الدولة ورؤيتها للوضع الاقتصادي”.

🇾🇪 اللجنة الاقتصادية العُليا

قد يعجبك ايضا