يوم أمس، وبعد أن طالبت خمسٌ وعشرون دولة بوقفِ التجويع في قطاع غزة، وبعد أن أعلن المجرم ترامب توجيهَ موفدِه ويتكوف إلى المنطقة لتوقيعِ ما سمَّاه اتّفاقَ إدخَال الطعام والمواد الإغاثية إلى القطاع، في هذه الأثناء برز زعيمُ “إخوان تركيا” ليتصدَّرَ المشهد، ليس بالفعل بإعلان مبادرة بإرسال مئات الأطنان من المواد الغذائية والأدوية وغيرها من المواد الإغاثية، لكسر الحصار المطبق على قطاع غزة، ولم يكن بروزه لإعلان موقف يُحسَبُ له ولبلده.

لقد كان تصدّر أردوغان للمشهد في هذا الظرف العصيب ليُقال فقط إنه قال، فماذا قال؟ لقد قال: (لنَقُلْ كفى تجويعًا لغزة؛ فاستمرارُ التجويع ليس من شأنه أن يُلحق العار بنتنياهو فحسب، بل بالجميع). فهل يا تُرى لا يزال أردوغان، زعيم حزب (الإخوان)، يعتقد أن العار لم يلحقه بعد؟ كلا، عليه أن يُدرِك يقينًا أن العار قد لبسه من رأسه حتى أخمص قدميه، ولبس نظام حكمه الإخواني منذ أول قطرة دم سُفكت في غزة! لقد لحقه العار، ولحق نظام حكمه قبل أن يلحقَ بنتنياهو وحكومته! والعارُ بأردوغان ونظامِ حُكمه أولى!

والمعلومُ أن نتنياهو، بوصفِه صهيونيَّا مجرمًا متوحشًا، متوقَّعٌ منه كُـلُّ فعل قبيح، أما زعيم نظام “إخوان تركيا”، فهو متلبِّسٌ بالإسلام، ولا يصح في حقه وأمثاله إلّا هذا الوصف: التلبُّسُ بالإسلام. أما المسلمُ الحق، فهو مُسلِمٌ لرب العالمين، مهتدٍ بهداه: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ، وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. فهو الذي أوجب على المسلم بشكل واضح وصريح، لا لَبْس فيه ولا غموض، أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأوجب عليه نصرة المستضعفين في الأرض من النساء والشيوخ والولدان.

ولقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلم الحق أن ينصر أخاه إذَا استنصره ضد عدوه! فأين زعيمُ نظام “إخوان تركيا” من نصرة المستضعفين في قطاع غزة، الذين تعرّضوا ولا يزالون يتعرضون لإبادة جماعية بصور وأفعال متعددة، ليس آخرها التجويع حتى الموت.

إن عارَ جريمة غزةَ قد لبس زعيمَ نظام “إخوان تركيا”، وأمثاله من الحكام المحسوبين على العروبة والإسلام، الذين لا يزالون يحتضنون سُفراءَ الكيان الصهيوني، وترفرفُ أعلامُه في عواصم بلدانهم، ولا يزالُ سفراؤهم في ضِيافة “نتن باهم”، ولبس عارَ جريمة غزة غيرِهم ممن هم سائرون في طريق التطبيع، وكذلك كُـلُّ من خذل الدمَ الفلسطيني المسفوك في قطاع غزة ظلمًا وعدوانًا من جانب من يوادُّونه!

نقولُ لزعيم نظام “إخوان تركيا”، الذي لا يزالُ يمُدُّ الكيان الصهيوني بكل ما لذَّ وطابَ من الفواكه والخضروات التي تُنتِجُها تركيا: إن تصدُّرَك للمشهد شكليًّا، وبدون حياء أَو خجل، بعد أن بدأت تصحو ضمائرَ بعض المجرمين تجاه مأساة سكان غزة، لن يمحوَ عنك وعن نظامِ حكمك الإخواني عارَ الجريمة، فما لبسك من عارها ليس بسيطًا، بل مغلّظٌ. فإضافةً إلى عَارِ الخِذلانِ لمظلومية أبناء غزة، هناك عارٌ أشدُّ بشاعةً وشناعةً، وهو عارُ اشتراكِك ونظام حكمك في جريمة الإبادة الجماعية!

فكيف لأيٍّ كان أن يُقارِنَ بين موقف النظامِ الحاكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وما قدّمته من فعل مؤثِّرٍ لنُصرة أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وبينَ موقفِ نظام زعيم (الإخوان) الحاكم في تركيا، الذي لم يقتصر على مُجَـرّد الخِذلان فحسب، بل تعدّى الأمرُ كُـلَّ ذلك إلى الشراكة في جريمة الكيان الصهيوني؟

وليس في هذا التوصيف أدنى مبالغة، ذلك أن أيَّ إسناد للدولة المقترِفةِ لجريمة إبادة جماعية، سواءٌ أكان ذلك الإسناد بتقديمِ دعمٍ مادي، عسكري أَو مدني، أَو مُجَـرّد موقف سياسي، فَــإنَّه يُعَدُّ شَراكةً في الجريمة، وفقًا للمادة الثالثة من اتّفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948م.

وقد كان الأولى بزعيم نظام (الإخوان) الحاكم في تركيا أن يُواجِهَ نفسَه وأمثالَه من الحُكَّام المحسوبين على العُرُوبة والإسلام، بحقيقةِ مواقفِهم المخزيةِ والمُهينة والمُذلّة، وأن يُخاطِبَ نفسَه وأمثالَه قائلًا: كفانا ذُلًّا، كفانا خِزيًا. وقد حان الوقتُ للتطهُّرِ من عارِ الخِذلان والتآمُرِ على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والشراكة مع الكيان الصهيوني في جريمة إبادتهم. وبدلًا عن تصدُّرِه للمشهد بعبارة: (لِنَقُلْ كفى…)، كان الواجب عليه أن يتصدّرَ المشهدَ بعد التوبة والندم بعبارة: (لنفعَلْ لغزة…).