مشروع البحر الأحمر.. “شالوم” من بلاد الحرمين

عين الحقيقة/ الميادين/علي فواز

لا تحتمل رؤية محمد بن سلمان أي أوزار إيديولوجية أو قومية. خطة “2030” التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي تمرّ عبر وصفات صُنعت خارج المملكة. الرؤية التي أُغدقت عليها مليارات الدولات تتخفَف لزاماً من حمل الدين والعداء لإسرائيل. لا بدّ إذاً من تنحية الوهابية والتأسيس لبنية تحتية تتسع لإسرائيل. هنا يتداخل الاقتصاد مع السياسة ويتجلى في مشروع “نيوم”.

 

تتقاطع مشاريع السعودية على البحر الأحمر مع مشاريع إسرائيلية على الضفة الأخرى من خليج العقبة.

مشروع “نيوم” الذي أطلقته السعودية الثلاثاء الماضي لا يتسع إلا للحالمين بعالم جديد وفق تعبير بن سلمان. هو واحد من المشاريع الذي يتخذها ولي العهد السعودي جسراً إلى مستقبله السياسي. خطوة أخرى تجسّد رؤيته لمستقبل واعد يقوم على اقتصاد مغاير. من خصائص هذا الاقتصاد تحرير الأسواق، وخصخصة القطاعات العامة، والتحوّل من الاقتصاد الريعي نحو تنويع مصادر الدخل. أهداف يشكك في نجاحها كثير من الخبراء وتعتبر صحيفة نيويورك تايمز أن دونها عوائق كثيرة.

بمعزل عن ذلك لا يبدو مشروع “نيوم” مجرد خطوة تصب في رؤية اقتصادية يعوّل عليها العهد الجديد. جانبه الجيواستراتيجي يبدو طاغياً في بقعة جغرافية تتجاوز الاقتصاد. تؤكد وكالة “بلومبرغ” الأميركية في مقالة نشرت الأربعاء أن المشروع ما كان ليقام من دون موافقة إسرائيلية.

المشروع عبارة عن مدينة استثمارية بمساحة تزيد على 26.500 كم مربع. يربط قارتي آسيا وأفريقيا. تتقاطع عنده مصر والأردن والسعودية. سيكون أول منطقة خاصة ممتدة بين ثلاث دول. لا يبتعد من إيلات سوى كيلومترات قليلة، ما يمهّد لتطبيع جغرافي. يبقي باباً مفتوحاً على العراق وربما يأمل بجذبه مستقبلاً عبر مغريات اقتصادية. يطل على البحر الأحمر وخليج العقبة ويضم جزيرتي تيران وصنافير.

يتقاطع “نيوم” مع مشروع آخر هو عبارة عن جسر يربط بين السعودية ومصر عبر جزيرة تيران. هنا تتابع “بلومبرغ” روايتها. يقول يورام ميتال، رئيس مركز حاييم هرتزوغ لدراسات الشرق الأوسط والدبلوماسية في جامعة بن غوريون في النقب، للوكالة الأميركية، إنَّ ذلك يجعل مشاركة إسرائيل في المشروع أمراً لا بد منه.

تتضافر عناصر هذا المشروع وتتكامل مع رؤى قديمة وأخرى حديثة لم تخفها إسرائيل ورعتها الولايات المتحدة. جوهرها التطبيع مع دول عربية عبر البوابة الاقتصادية. في كتابه “الشرق الأوسط الجديد” يروّج رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق شمعون بيريز لتكامل المعرفة الإسرائيلية مع الثروات العربية.  في أواخر تسعينيات القرن الماضي طرح بنيامين نتنياهو أفكاراً تتعلق بالسلام الاقتصادي بدلاً من اتفاقية أوسلو. أفكار تعيد التذكير بمشاريع سبق أن طرحت غداة مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. التعاون الإقليمي في قضايا المياه والبنى التحتية والبيئة والاقتصاد والأمن.

وجدت هذه الأفكار صداها أخيراً لدى رئيس المخابرات السعودي السابق تركي الفيصل. خلال مناسبات جمعته مع مسؤولين إسرائيليين سابقين طرح الفيصل هذه الفكرة مرتين على الأقل. في لقاء جمعه قبل أيام مع مسؤول المخابرات الإسرائيلي السابق إفريم هيلفي، نقل عنه قوله بنوع من المزاح إنه “بأموال اليهود وعقول العرب كل شيء يمكن تحقيقه”.

الجملة نفسها نقلها عنه أواخر آب أغسطس الماضي الجنرال المتقاعد في المخابرات العسكرية الإسرائيلية ومستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو يعقوب عميدرور. “بالأموال الإسرائيلية والعقل العربي يُمكننا أنْ نُغيّر الشرق الأوسط تماماً إلى الأفضل”.

في حوار صحافي قبل أيام ينفي الجنرال المتقاعد أنور عشقي أي تطبيع مع إسرائيل. نفي في معرض التأكيد يسوقه المستشار السابق للحكومة السعودية عندما يزعم أن التواصل بين السعودية وإسرائيل هو علمي وفكري وإنساني.

ينطلق التطبيع عادة من مجالات خلفية وينتهي بالسياسة. ستركز مدينة “نيوم” على تسعة قطاعات استثمارية. للمصادفة تتفوق إسرائيل في عدد من هذه القطاعات. باعها الطويل وخبرتها في مجالات الطاقة والمياه والغذاء والتقنيات الحيوية تجعلها مهيأة للاستثمار في مدينة المستقبل السعودية. هذه المشاركة المتوقعة لن تكون أولى ثمار التعاون بين إسرائيل والسعودية. في شباط فبراير المنصرم أقرت وزارة الأمن الإسرائيلية بتصدير برامج إلكترونية ومنتجات “سايبر” تتعلق بالمجال الأمني والتجسس إلى الرياض.

تتقاطع مشاريع السعودية على البحر الأحمر مع مشاريع على الضفة الأخرى من خليج العقبة.

في تموز يوليو المنصرم جدد وزير النقل الإسرائيلي اقتراح مشروع بتأسيس شبكة سكك حديد عابرة لمنطقة الشرق الأوسط. تربط الشبكة إسرائيل بدول الخليج مروراً بالأردن والسعودية. الوزير كاتس رجّح أن يتم التعاون في هذا المشروع مع الرياض عبر قنوات خلفية. قال إن إدارة ترمب نشطة جداً في سبيل تطبيع العلاقات بالمنطقة.

يتضافر هذا المشروع مع حلم إسرائيلي مواز يقضي بإنشاء بديل عن قناة السويس. قناة إسرائيلية تربط إيلات على البحر الأحمر مع ميناء أشدود على البحر المتوسط. خطوة من شأنها تعزيز علاقات تل أبيب التجارية مع الصين وأوروبا وضرب المصالح المصرية.

مشاريع إسرائيل المؤجلة باتت اليوم أقرب إلى الواقع وقابلة نظرياً للتحقق في ضوء التطورات المستجدة. انتقال ملكية جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية نقلت معها التزامات كامب ديفيد من القاهرة إلى الرياض. تمهّد هذه الالتزامات لعلاقة “قانونية” بين تل أبيب والرياض. تتقاطع مع مصالح اقتصادية مشتركة على البحر الأحمر. تشابك اقتصادي يمثل مدخلاً إلى علاقات علنية ورسمية. علاقات تتخذ من المصالح الاقتصادية المشتركة والعداء لإيران مبرراً لها.

في الداخل السعودي تتكامل خطوات الانفتاح الاجتماعي مع الرؤى الاقتصادية الجديدة. أحد الأمثلة على ذلك ما ذكره الوليد بن طلال. يقول صاحب “المملكة القابضة” إن السماح للمرأة بقيادة السيارة سيوفر نحو 8 مليارات دولار سنوياً. هناك بالطبع أسباب أخرى لهذا الانفتاح. أحدها ما جاء على لسان بن سلمان عندما قال إنه يعوّل على 70% من الشعب السعودي. يمثل هؤلاء جيل الشباب دون الثلاثين عاماً ونصفهم تقريباً من النساء. هذا الجيل هو الشرعية الجديدة التي يستبدلها الأمير الشاب اليوم بالشرعية التاريخية الدينية.

الانتقال من رؤية دينية ضيقة ومتشددة نحو إسلام وسطي معتدل، وفق تعبير ولي العهد السعودي، يعد خطوة ضرورية في تحقيق رؤيته. رؤية يتعذر معها فصل الاقتصاد عن المجتمع وفصل السياسة عن التعهدات والالتزامات التي يقال إنها أفضت إلى صعوده.

View image on TwitterView image on TwitterView image on Twitter
 

رئيس المؤتمر اليهودي الأميركي: أنا في  ووجدت الكثير من الراغبين قي بدء تجارة مع “إسرائيل”، وصحفي يرد: بيننا تجارة أصلاً لكن بالسر

قد يعجبك ايضا