هجمات العدو على صنعاء.. دليل جديد على مأزق استراتيجي للعدو الإسرائيلي
الحقيقة ـ جميل الحاج
شهدت العاصمة صنعاء وعدد من المناطق اليمنية خلال الأسبوع المنصرم سلسلة من الهجمات الجوية التي شنّها العدو الإسرائيلي، في تصعيد عكس حجم القلق الذي يعيشه قادة الكيان بعد التطور النوعي للقوات المسلحة اليمنية.
هذه الاعتداءات، التي جاءت عقب الإعلان عن إدخال صاروخ فلسطين 2 برؤوس متشظية إلى الخدمة، لم تُظهر إلا عجز المعتدين عن تحقيق أي إنجاز استراتيجي يذكر، بل كشفت عن مأزق حقيقي يعيشه كل من واشنطن وتل أبيب أمام صمود اليمنيين وإصرارهم على مواصلة المعركة.
مساء الجمعة الماضية، أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن تنفيذ عملية نوعية استهدفت مطار اللد في يافا المحتلة بصاروخ فلسطين 2.
هذا الصاروخ الجديد، برؤوسه الانشطارية المتشظية، تجاوز المنظومات الاعتراضية للعدو الإسرائيلي وأحدث حالة من الذعر والارتباك في أكثر من 200 موقع داخل فلسطين المحتلة، وأجبر الملايين من المستوطنين على الاحتماء في الملاجئ.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تسبب أيضًا في تعطيل حركة الملاحة الجوية في مطار اللد المسمى (بن غريون) في يافا المحتلة، مؤكداً أن اليمن بات يمتلك سلاحًا استراتيجيًا يغير قواعد المواجهة.
في خطابه اليوم الخميس، جدد السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي التأكيد على أن الموقف اليمني ثابت في مناصرة الشعب الفلسطيني، وأن اليمن مستمر في تطوير قدراته العسكرية بشكل أكبر.
وأعلن السيد القائد عن الإنجاز النوعي المتمثل في صناعة الرؤوس الانشطارية لصواريخ فلسطين 2، مشيراً إلى أن هذا التطور أقلق العدو الصهيوني وأربك حساباته.
كما السيد القائد شدد على أن العدوان الإسرائيلي على اليمن فاشل، كونه يستهدف مصالح ومنشآت عامة لا قيمة عسكرية لها.
إلى جانب التطوير الصاروخي، نجحت الدفاعات الجوية اليمنية في فرض معادلة ردع حقيقية داخل الأجواء، من خلال منع الطائرات الصهيونية من التحليق الآمن. لم يعد بإمكان سلاح الجو المعادي أن ينفذ غاراته العدوانية بشكل أمن على المحافظات اليمنية، الأمر الذي أجبره على اتباع أسلوب “الجبناء” عبر استهداف منشآت مدنية لا تحمل أي قيمة عسكرية.. وهذا بحد ذاته شهادة واضحة على حجم العجز والارتباك في صفوف المعتدين.
الهجمات الأخيرة كشفت زيف مزاعم قادة العدو الإسرائيلي في “تل أبيب” بشأن استهداف “أهداف عسكرية دقيقة”.
فالمشاهد الميدانية أثبتت أن الضربات استهدفت منشآت مدنية وبنى تحتية خدمية لا علاقة لها بالقدرات الدفاعية التي يمتلكها اليمن، ما يؤكد أن الهدف الحقيقي هو تركيع الشعب اليمني وايقاف العمليات العسكرية اليمني المساندة للشعب الفلسطيني، في غزة، عبر استهداف مقومات حياته اليومية.. إلا أن هذه الاستراتيجية، وبعد أكثر من تسع سنوات من العدوان على اليمن، لم تنجح في كسر الإرادة اليمنية، بل زادت صنعاء ثباتًا وإصرارًا.
يعكس هذا التصعيد العسكري مأزقًا استراتيجيًا حقيقيًا للكيان الصهيوني وواشنطن. فمنذ انطلاق العدوان في مارس 2015، راهن المعتدون على أن الحصار والتجويع والضربات الجوية المكثفة كفيلة بإخضاع اليمن. لكن الواقع أثبت العكس، فاليمن لم يكتفِ بالصمود، بل طور ترسانته العسكرية، وبات يشكل تهديدًا مباشرًا للعمق الإسرائيلي. هذا التحول قلب الطاولة على مخططات المعتدين، وأجبرهم على إعادة حساباتهم السياسية والعسكرية.
أن التصنيع العسكري اليمني كسر المعادلات، ومن أبرز مفاتيح الصمود اليمني يكمن في تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلاح عبر التصنيع العسكري المحلي. فالقوات المسلحة اليمنية تمكنت من إنتاج صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة متطورة ودفاعات جوية فعالة، الأمر الذي جعلها قادرة على مواجهة أعتى المنظومات الغربية.
واليوم، لا تقتصر هذه الإنجازات على البعد العسكري فقط، بل تحمل رسائل سياسية بأن صنعاء قادرة على فرض شروطها في أي معادلة إقليمية مقبلة.
أن الشعب اليمني، بجيشه ولجانه الشعبية، يخوض معركة وجود لا تقبل المساومة. فالمسألة لم تعد مرتبطة فقط بالدفاع عن العاصمة أو المحافظات، بل تتعلق بمستقبل اليمن وسيادته واستقلاله ونصرة قضايا الأمة الكبرى.
وهذا ما يفسر التفاف الشعب حول قواته المسلحة، واعتباره أن أي محاولة للمساس بالبنى التحتية أو السيادة الوطنية ستواجه برد حازم، والرسالة هنا واضحة: اليمن لا يملك ترف التراجع أو التنازل.
في السنوات الأولى للعدوان على اليمن، حاولت القوى المعادية تصوير اليمن كحلقة ضعيفة في معادلة المنطقة.
غير أن تطور الأحداث أثبت العكس، إذ بات اليمن اليوم لاعبًا محوريًا يفرض حضوره عسكريًا وسياسيًا، ويمتلك القدرة على التأثير في مسار الصراع الإقليمي، خصوصًا فيما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية.
فكل محاولات كسر إرادة صنعاء أو إيقاف إسنادها لغزة باءت بالفشل، بل عززت الوحدة الداخلية وزادت التماسك الشعبي حول القيادة الثورية والقوات المسلحة.
الهجمات على صنعاء لا يمكن فصلها عن المشهد الإقليمي الأوسع، فالولايات المتحدة والكيان الصهيوني يسعيان، من خلال أدوات إقليمية ومحلية، إلى فرض واقع جديد يخدم مشروع “إسرائيل الكبرى”. لكن اليمن، بإرادته الصلبة، يقف سدًا منيعًا أمام هذه المخططات، ويبرهن أن الشعوب الحرة قادرة على حماية أوطانها مهما كان حجم العدوان.
وفي المحصلة، تثبت هجمات العدو الأخيرة على صنعاء أن المعتدين لم يحققوا أي مكسب استراتيجي، بل زادوا في كشف عجزهم أمام العالم.
وإذا كان هدفهم إضعاف اليمنيين، فإن النتيجة جاءت عكسية تمامًا؛ إذ خرجت صنعاء أكثر ثباتًا وإصرارًا، بينما تعززت ثقة الشعب بقدرات قواته المسلحة.
أن ما يجري اليوم هو جزء من معركة مصيرية سترسم ملامح مستقبل المنطقة، حيث لم يعد العدوان طريقًا مضمونًا لتحقيق الأهداف الاستعمارية.
اليمن اليوم ليس مجرد بلد محاصر، بل قوة إقليمية صاعدة تمتلك من عناصر الردع ما يجعلها قادرة على قلب الموازين، ومع كل صاروخ فلسطين 2 يُطلق، ومع كل صفارة إنذار تدوي في عمق الكيان الصهيوني، تتأكد حقيقة أن زمن الهيمنة المطلقة قد انتهى، وأن شعوب المنطقة ماضية نحو صناعة مستقبلها بيدها.
في تقرير متلفز، كشفت القناة 12 العبرية، أن الصاروخ اليمني الانشطاري الذي أطلق على الكيان الصهيوني مؤخراً حمل رأساً حربياً يضم 22 قنبلة، ما شكل تهديداً نوعياً غير مسبوق. ونقلت القناة عن ضابط رفيع في سلاح الجو اعترافه قائلاً: “اليمنيون لم يكونوا العدو الذي ظنناه في بداية الحرب، أما اليوم فأصبحنا نعي تماماً أن هناك تهديداً حقيقياً”، مضيفاً أن الضربات في الساحة اليمنية “رحلة طويلة ومعقدة للغاية” وأنه “لا يستطيع كقائد في سلاح الجو التعايش مع هذا التهديد”.
وأشار التقرير إلى أن رفع اليمنيين راية بشعار “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود” يضاعف من قلق الضباط الإسرائيليين، إذ لا يوجد في الجيش من يمكنه – بحسب وصفهم – التعايش مع هذه الحقيقة بسلام. وأكدت القناة أن اليمنيين يطورون قدراتهم العسكرية بشكل مستقل، ويتعلمون بسرعة، محذرة: “إن لم نرد الآن ونُزل هذا التهديد فسنواجه بعد سنوات قليلة مئات الصواريخ المتطورة”.
كما لفتت القناة إلى أن الجيش الإسرائيلي بأكمله يركز جهوده في “الساحة اليمنية”، ويكثف التحقيقات والعمليات لمواجهة هذا التهديد المستجد، مشيرة إلى أن اليمنيين عدو “قاتل لسنوات طويلة مع السعوديين والأمريكيين”، ما يجعلهم مختلفين عن باقي الخصوم.
وفي السياق ذاته، قال خبير صواريخ إسرائيلي للقناة: “رأينا أن الضرر الناجم عن صاروخ واحد لم يُعترض يمكن أن يكون هائلاً حتى لو لم يُصب أحدٌ إصابة مباشرة”. وأضاف أن الصاروخ اليمني الذي أصاب محيط مطار “بن غوريون” تسبب فعلياً في تعطيل شبه كامل لحركة شركات الطيران الأجنبية وقطع الاتصالات الجوية مع العالم، مؤكداً أن ثمن أي إخفاق في اعتراض صاروخ يمني سيكون “باهظاً للغاية” سواء على الجيش الإسرائيلي أو على منظومات الدفاع الأمريكية المساندة.