صفقات خليجية وأمريكية.. وسط تجويع وحصار في غزة
عبدالحكيم عامر
بينما تحتفل عواصم الخليج بزيارات الرئيس الأمريكي ترامب في لقاءات علنية لعقد صفقات حلب أمريكا للأموال الخليجية، وفي واقع مخزٍ يتباهى ويتسابق أمراء تلك الدول بمن يدفع أكثر للكافر ترامب، بينما يقف قطاع غزة على حافة الموت الجماعي نتيجة الحصار والتجويع وتحت عدوان همجي غاشم من العدو الإسرائيلي تجاوز سبعة عشر شهراً، فهناك سؤال صارخ: كيف تبنى تحالفات وتصرف أموال للأمريكي تحت مسميات هزيلة كمشاريع استراتيجية، بينما غزة تموت جوعاً وتحرق بكل وحشية؟! كيف يمر مشهد الإبادة الجماعية والتجويع المميت دون أن يهز الأنظمة الخليجية أو يفرض توقيف هذه الإبادة كشرط لعقد هذه الصفقات الضخمة من الأنظمة التي يحلبها ترامب علناً؟
في الوقت الذي يلقي الرئيس ترامب إهاناته على الأنظمة الخليجية وترديد قوله انه لولا الحماية الأمريكية لها، لم يكن لها وجود، فلم تكن المهمة الرئيسية لزيارة الرئيس ترامب هي حلب الأموال الخليجية، سواء تحت مسميات استثمارات أو صفقات تسليحية، فالأموال التي تسابقت الأنظمة الخليجية من السعودية إلى قطر أو إلى الإمارات أموال هائلة تريليونات الدولارات حققها ترامب في حلبة قصيرة، فهي تهدف لخدمة المشروع الصهيوأمريكي، لو كان لهؤلاء الزعماء الأغبياء قليل من العروبة، لأدركوا أن أمريكا بحاجة إليهم أكثر مما يظنون أنهم بحاجة إليها، وأن التهديد بالحماية ما هو إلا كذبة مفضوحة، فماذا فعلت أمريكا لحليفتها المدللة “إسرائيل” وهي تتعرض لضربات دقيقة وموجعة من اليمن؟ بل ماذا فعلت لحاملات طائراتها وبارجاتها في البحر الأحمر وقد هربت بفعل الهجمات اليمنية؟ إن أمريكا، العاجزة عن حماية نفسها، لن تستطيع أن تحمي من تعتمد عليهم في الدفع والولاء.
والمؤلم أن غزة، لم يكن لها أي حضور، في كل اللقاءات والصفقات مع أمراء الخليج، ليعرضوه على حلابهم ترامب، لماذا لم يقال لترامب، أوقف نزيف الإبادة الجماعية.. افتح المعابر لوقف التجويع الممنهج في قطاع غزة من العدو الإسرائيلي؟
وهنا تبرز المفارقة القاتلة: تُفتح خزائن الخليج لترامب بسخاء، بينما تُغلق المعابر في غزة، وتُمنع عنهم المساعدات الإنسانية والدواء والغذاء، إنّ هذا التناقض الأخلاقي والسياسي يفضح زيف الشعارات التي تُرفع باسم الاستقرار والسلام، ويضع أنظمة الخليج في موقع الشريك بالصمت والتواطؤ – في الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون.
وفي مشهد قاتم ومخزٍ، يحتفل منافقو الخليج بزيارة الكافر ترامب، بينما يواجه الشعب الفلسطيني إبادةً جماعيةً موثقةً بالصوت والصورة وعلى مرأى ومسمع العالم، في ظل غياب تام لأي تحرك فعّال من قبل الأمم المتحدة ومؤسساتها، وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي، في مشهدٍ يعكسُ فشلاً سياسياً وأخلاقياً وإنسانياً غير مسبوق.
غزة اليوم، بين نار الحصار وصمت الجوار وتواطؤه، باتت المعاناة في غزة تعكس سقوط الأنظمة العربية وخيانتهم، فمنذ سنة وثمانية أشهر تتعرض غزة لعدوان وحشي متواصل وحصار خانق، حولها إلى سجن للموت البطيء عبر سياسة التجويع الممنهج، والموت السريع عبر سياسة القصف الوحشي الذي لا يرحم أحداً.
كل ذلك في ظل عجز عربي وإسلامي مشين وصمت دولي فاضح، إن هذا الصمت الخليجي خيانة متعمدة وموثقة، فصمتهم هو شراكة للعدو الإسرائيلي في جرائمه، وإن تجاهلهم للدم الفلسطيني هو تواطؤ وخيانة لخدمة العدو الصهيوني والأمريكي.
بينما تدخل المليارات الخليجية جيب ترامب، ينزف الفلسطيني دمه في شوارع غزة وتحت أنقاض منازله، إنه مشهد مخزٍ: دماء تسفك، وأموال تُهدر، لكن كلٌّ في اتجاه مختلف، فالأولى تُراق دفاعًا عن أرضها وعن كرامتها، والثانية تُدفع ثمنًا للذل والحماية الزائفة، كيف يمكن لأنظمة أن تدفع مئات المليارات لترامب، ولا تخصص شيئاً لمساعدة الشعب الفلسطيني في غزة؟ كيف تتحول الغطرسة الأمريكية إلى أمر واقع مقبول بينما يُترك الشعب الفلسطيني يواجه قدره وحده؟ لقد صار المال الخليجي سلاحًا في يد المشروع الصهيوني، بدلًا من أن يكون سندًا للشعوب المقهورة، وصار الصوت الخليجي يُستخدم لمهاجمة المقاومة بدلًا من دعمها، في أكبر انقلاب على القيم والمبادئ في تاريخ المنطقة الحديث.