الاعتماد على الله أَسَاس الثبات: قراءة في واقع الأنظمة العربية

عبدالله علي هاشم الذارحي

من الأقوال الخالدة لأمير المؤمنين الإمام عليٍّ عليه السلام قوله: «مَن اعتمد على الناس ملّ، ومن اعتمد على ماله قلّ، ومن اعتمد على سلطانه زَلّ، ومن اعتمد على الله فلا مَلّ ولا زلَّ ولا قلّ».

تأمّلتُ في هذا القولِ البليغِ لأمير البلاغة؛ فوجدتُ فيه تلخيصًا دقيقًا لحال ملوك وزعماء وقادة الأنظمة العربية، وكأنه صنّفهم – بحسب ما اعتمدوا عليه – إلى صنفَينِ:

الصنف الأول: أغلب قادة الأنظمة العربية، الذين «اعتمدوا على الناس فملّوا، وعلى مالهم فقلّوا، وعلى سلطانهم فزلّوا».

الصنف الثاني: قادة دول المقاومة، الذين «اعتمدوا على الله؛ فلا ملّوا ولا زلّوا ولا قلّوا».

وبإسقاط الصنف الأول على واقع الأنظمة العربية اليوم، يتبين بوضوح أن هذا الوصف يكشف مكامن الخلل في بُناها الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.

فالمتأمل في واقع بعض تلك الأنظمة يجد أن بريطانيا كانت السبب في وجود دول عربية لم يكن لها كيان قبل عقود من الزمن، وهي حتى اليوم تدين بالولاء أولًا لبريطانيا، ثم لأمريكا، ثم للكيان الصهيوني المحتلّ.

لقد امتلكت هذه الدول المال والسلطان، لكنها لم تستثمرهما لصالح شعوبها أَو لمصلحة الأُمَّــة، بل خدمت مصالح الأعداء.

بل وصل الأمر إلى أن اعتمدت على حماية قوى خارجية لم تتمكّن من حماية نفسها، فكيف لها أن تحمي غيرها؟

ومن هذه الأنظمة مَن اعتمد على الناس وعلى أنظمة الغرب، مُزيّنًا حكمه بالمظاهر والشعارات، ومستخدمًا «علماء السلطة» لإصدار فتاوى تضليلية تُبرّر طاعته المطلقة.

لكنها سَرعانَ ما فقدت ثقةَ شعوبها حين غاب العدل، وانعدمت العزة والكرامة، فـ «ملّ» الناس منها، وهجروا أوطانهم هربًا من الذلّ والاستبداد.

وآخرون اعتمدوا على المال، مغترين بثرواتهم النفطية أَو مواردهم المؤقتة، غير مدركين أن المال وحده لا يبني أوطانا، لا سِـيَّـما حين يغيب البُوصلة الدينية والقيمية والأخلاقية، ويُوجّه البعض موارده إلى الترف والمجون.

وهكذا «قلّ» الخيرُ في أرضهم، وهو نذيرٌ بزوال نعمة البركة.

أما مَن اعتمد على سلطانه وقوته الأمنية والعسكرية، فقد «زلّ» حين هزّته أزمات داخلية أَو ضغوط خارجية.

فليس السيف وحده كافيًا للحكم إلى الأبد، ولا القوة كفيلة بالصمود دون رضا الشعوب وولائها.

في المقابل، وفي زمن العواصف السياسية والتحولات الكبرى، تظهر حقيقة الصنف الثاني: قادة المقاومة، الذين اعتمدوا على الله فلم يَمِلّوا، واتخذوا القرآن منهجًا فلم يَزِلّوا، واعتمدوا على أنفسهم فلم يَقِلّوا.

لقد جعلوا من قيم الإيمان، والقرآن، والعدل، والحقّ أَسَاسًا لنهضتهم.

فبقيت مواقفهم ثابتة رغم العواصف، وغنيةً ولو قلّ المال، وقويةً ولو ضعف السلطان، وحكيمةً مهما اشتدّت الأزمات.

وقد وازنت المقاومة بين الإيمان والعمل، وبين الموارد والتخطيط، وبين إعداد العُدّة والتوكل الحقيقي على الله عزّ وجلّ.

مما سبق، يتبين أن مستقبل الأنظمة العربية لن يُبنى على تحالفات عابرة، ولا على ثروة أَو سلاح، بل على الاعتماد على الله، والثقة به، والتوكل عليه، واتِّخاذ المنهج القرآني مبدأً إيمانيًّا وروحيًّا في مواجهة التحديات.

وبإرادَة الله، وبقيادةٍ حكيمة، تنتشر ثقافةُ الوعي والقيم والأخلاق والعدل والجهاد والحرية، وهو الطريق الوحيد نحو الاستقرار الحقيقي، والحياة الكريمة، والعزة التي لا تُوهب بل تُنتزع.

وواقعنا في اليمن، بفضل الله تعالى، ثم بفضل السيد القائد الحكيم – حفظه الله ونصره – خيرُ شاهد ودليل على صدق هذه المعادلة.

قد يعجبك ايضا