التكالب والتقارب
د/ عبدالرحمن المختار
لم يخفِ الغربُ عداوتَه للعرب وما حدث في قطاع غزة من تكالُبٍ للقوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية ليس إلَّا نموذجًا مصغَّرًا لذلك العداء السافر لكل العرب بدون استثناء، ومَن يعتقدْ منهم أنه بمنأى منه فَــإنَّه مخطئٌ تمامًا، مهما قدَّمَ لهم من تنازلات ومهما أظهر لهم من وُدٍّ.
وليس بعيدًا عنا تودُّدُ الوافدين الجدد على السلطة في سوريا لأنظمة الغرب الاستعماري الذي لم يتوانَ في تسليط ربيبته وقاعدته المتقدمة في المنطقة الكيان الصهيوني في قصف العاصمة دمشق دون هوادة، ودون اعتبار لما تمثله من قيمة معنوية للدولة السورية.
ولا يخفي الغرب الاستعماري تكالبه في مواجهة كُـلّ من يعتقد أنه يشكل خطرًا على مصالحه، والموقف الغربي من روسيا واضح جِـدًّا لكل ذي بصيرة وإدراك؛ فالدول الأُورُوبية الغربية وقفت في مواجهة روسيا وفرضت عليها عقوبات متعددة للحد من قدرتها على مواصلة حربها في أوكرانيا.
وتجاهر الحكومات الأُورُوبية بعدائها لروسيا من خلال ما تبديه من مواقف سياسية مؤيدة لأوكرانيا، وما تقدمه لها من دعم وإسنادٍ ماديٍّ شاملًا الأسلحة والمعدات العسكرية ومختلف الاحتياجات اللازمة لاستمرار حربها في مواجهة روسيا.
وهذه الحالة سائدة لدى الدول الغربية، وعكسها تمامًا سائد لدى الدول العربية، فرغم أن العداء الصهيوغربي للأُمَّـة العربية مؤكّـد دائم ومُستمرّ، غير أن الأنظمة الحاكمة في الدول العربية وتحديدًا الخليجية لا تتعاطى مع هذا العداء بتكالب في مواجهته، بل تتقارب منه وتتباهى بما تسميه الشراكة والتحالف معه.
كل ذلك رغم تعارضه مع الحقائق القرآنية القطعية التي تؤكّـد حقيقةَ البُغض والعداوة القائمة على ما هو أكبر من مُجَـرّد مصالح عابرة يمكن أن تمثل سببًا للعداوة، وقد تنتهي بإزالة ذلك السبب، بل إن سبب العداوة دين هذه الأُمَّــة.
وقد كشفت آيات القرآن الكريم حقيقة العداء الصهيوغربي منذ قرون من الزمن، قال تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَٰعُواْ﴾.
ومع ذلك، ورغم وضوح الصورة وبدقة عالية، فلا يزال حكام العرب يتقربون من العدوّ، ويمكنونه من رقاب إخوانهم اعتقادا منهم أن الدور لن يأتي عليهم.
والواضح في الوقت الراهن أن أُولئك الحكام العرب على درجة عالية من الثقة في ما يبديه لهم العدوّ من مشاعر ود، وليسوا على ثقة من الحقائق القرآنية التي كشفت حقيقة المشاعر الزائفة للعدو، قال تعالى: ﴿هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ…﴾.
ورغم أن العدوّ يستهدف الأُمَّــةَ العربية بعد نجاحه في تفريقها وتمزيق شعوبها، لكن أنظمتها الحاكمة سائرة خلف المخطّط الإجرامي التدميري للأُمَّـة، بل ويساهمون بشكل فاعل في تنفيذه!
وما هو مثار اليوم في لبنان والعراق وقبل ذلك في غزة حول نزع سلاح المقاومة الإسلامية ليس إلَّا حلقة من حلقات مسلسل تدمير الشعوب العربية، وهي ضعيفة مفرقة لا تملك وسيلة لمقاومة العدوّ.
ومع أن هذه المقاومة تعد استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى بالإعداد للقوة لمواجهة العدوّ في قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ…﴾.
فإذا لم يكن الصهيوني والأمريكي وغيرهم من القوى الاستعمارية الغربية هم العدوّ الذي أوجب الله سبحانه وتعالى الإعداد له، فمن هو العدوّ الذي اقتضت حكمة الله أن تكون الأُمَّــة في حالة إعداد واستعداد دائم لمواجهته؟
وحول ذلك سبق أن تحدث السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – بشكل مفصل قبل أكثر من عقدين من الزمان، واصفًا المؤمن الحق بأنه من يضع نصب عينيه دائمًا ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم﴾، والإعداد – وفقًا لتوصيفه رضوان الله عليه – يجب أن يكون مُستمرّا وليس مرتبطًا بقضية بذاتها أَو بمرحلة بذاتها، بل لا بد أن يكون الإعداد تربية قرآنية بشكل دائم ومُستمرّ، مثلما أن العدوّ مُستمرٌّ في عدوانه.
وإذا كان مفهومًا تكالب القوى الاستعمارية الغربية في مواجهة كُـلّ من تعتقد أنه يهدّد مصالحها سواء ما ذكرناه عن المثالين الراهنين القائمين على أرض الواقع في غزة وأوكرانيا أم غيرهما مما سبق أَو سيلحق، فَــإنَّ غير المفهوم هو استمرار الأنظمة العربية تحديدًا الخليجية في التقارب مع العدوّ، الذي لم يحدّده باحث أَو متتبع أَو محلل سياسي، وإنما حدّده العليم الخبير!