بمقياس حروب واشنطن على الثروات والموارد.. اليمن ليست أفغانستان.” دراسة مقارنة “

 إعداد/ عبدالرحمن حسين العابد

لوحت واشنطن في شهر نوفمبر من العام الماضي 2021م على لسان مبعوثها الخاص إلى اليمن، ليندر كينغ، بالسيناريو الأفغاني، وتقول إنه يبدو ممكناً تكراره في اليمن، لكنها تجد صعوبة في استيعاب ما تبديه صنعاء من ثقة في قدراتها على المضي قدماً بدون أن تضطر إلى الركون لعامل الدعم الخارجي.

هذه الثقة يمكن أن يُنظر إليها، بكونها فارقة وحاسمة لدحض إيحاءات أن اليمن هي أفغانستان، أو أن حركة “أ نصا ر ،الله” التي تقف في طليعة المكونات والقوى الوطنية المقاومة للتحالف والحاكمة في صنعاء، هي “طالبان”، التي بدت لاهثة للتفاوض مباشرة مع الأمريكي الذي حول أفغانستان، البلد الغني بالثروات، إلى مستعمرة يعاني شعبها التمزق والاقتتال والفقر والجوع، طوال عشرين عاماً.
اليمن، أيضاً، بلد غني بالثروات غير المكتشفة بعد، هذا ما تقوله منذ أمد بعيد التقارير الاستخباراتية الأمريكية، وهي التقارير نفسها التي مهدت لحرب العشرين عاماً، خسرتها مؤخراً واشنطن في أفغانستان، وتبددت معها شعارات الحرب الضرورية والعادلة!
واليمن، من زاوية الموقف الذي تتبناه صنعاء، في مواجهة تحالف دولي تقف خلف مخططاته واشنطن، تبدو أبعد ما تكون عن أفغانستان في إفساح المجال لأي دور خارجي. وهذا على الأقل ما يبدو واضحاً ومؤكداً إلى هذه اللحظة.
وهناك وعي سياسي ومجتمعي يتنامى بالمناسبة، ينظر إلى تدخلات أمريكا في اليمن وفي المنطقة عموماً، كجزء من برنامجٍ استراتيجي أوسع وأشمل ذي هدف ربحي، تتضمن تفاصيله حرباً على الموارد والثروات، كما تتضمن النهب والاحتكار والاستحواذ والسيطرة.
هذا الشكل من الوعي، يصبح عنده ممكناً مقاومة الشعارات اللامعة التي تقدم الأمريكيين كوسطاء ودعاة سلام في كل حروبهم وتدخلاتهم في بلدان عديدة من العالم، من بينها اليمن.
في عام 2001 صوّر الأمريكيون غزوهم لأفغانستان، بوصفه “حرباً عادلة ضد الإرهاب ومن أجل إحلال الديمقراطية وتمكين الشعب الأفغاني من الاستقرار والرفاه الاقتصادي”. لكن في الحقيقة “لم تكن حرباً ضرورية وعادلة، إنها حرب للسيطرة على مختلف ثروات أفغانستان الهائلة”.
لطالما وصفت أفغانستان بالبلد النامي الذي مزقته الحرب ولا يمتلك أي موارد. ومؤخراً أيدت وسائل الإعلام الأمريكية، مجتمعة كجوقة، “الاكتشاف الأخير” لثروة أفغانستان ليس النفطية بالطبع، ولكن المعدنية بوصفها “حلاً” لتنمية اقتصاد بلد مزقته الحرب، وكذلك وسيلة لاجتثاث الفقر.
الحال نفسها في اليمن، التي ظل الرأي العام يعرف عنها أنها بلد نامٍ مزقته الحروب، في حين تؤكد المسوحات الأجنبية التي دخلت مبكراً إلى البلاد أن هناك ثروة ضخمة لا تزال غير مكتشفة بعد.

ابتكرت واشنطن الحرب على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، لتبدأ استراتيجيتها في بلدان عدة من الشرق الأوسط الغني بالثروات. كانت الوجهة أفغانستان، ثم العراق، مروراً بسورية وليبيا واليمن.
بعد أشهرٍ من الغزو الأمريكي لأفغانستان في نوفمبر 2001، كتبت الباحثة الأمريكية أولغا بوريسوفا: “الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على الإرهاب (ستتحول) إلى سياسةٍ استعماريةٍ للسيطرة على ثروة البلد الخرافية”.
يقاس الأمر على التدخلات الأمريكية لاحقاً في أكثر من بلد شرق أوسطي، بما في ذلك اليمن، تحت عناوين محاربة الإرهاب.
ولم يحدث أن تم التطرق إلى الأبعاد الاقتصادية لـ “الحرب على الإرهاب”. فقد استخدمت حملة “مكافحة الإرهاب” التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، للتمويه على الأهداف الحقيقية لحروب أمريكا في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن.

دفعت واشنطن، مؤخراً، إلى حلفائها في حرب اليمن، مهمة البدء التجريبي لقياس ردود الفعل من تكثيف خطاب يقول بأن صنعاء نسخة أخرى من كابول، وذلك على خلفية سيطرة طالبان على السلطة في أغسطس الماضي. لقد اعتنت الأوعية الإعلامية للتحالف وحكومة هادي، بشكل لافت، في ضخ التفسيرات والمقارنات التي تهدف منها زعزعة اليقين بمواقف صنعاء، التي لم تمنح واشنطن أي “إمتياز يذكر”، فيما تحاول إظهاره من تحركات ودعوات في ظاهرها السلام، غير أنه لا شيء في الواقع.
وإلى الآن، فيما يتعلق بالدور الأمريكي في اليمن، تُبذل مساعٍ حثيثة لتكريس مظاهر هذا الدور سياسياً وعسكرياً، وهناك جهود موازية تواصل التدمير والإنهاك الاقتصادي في البلاد، مستخدمة ذلك كوسيلة ضغط وابتزاز لموقف صنعاء المجابه لحرب تعتبرها “حرب واشنطن” عبر التحالف السعودي الإماراتي.
قبل يومين، قالت واشنطن على لسان مبعوثها الخاص إلى اليمن، إن أكثر ما سوف يواجه صنعاء هو العزلة الدولية، في حال تمكنت من السيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز، آخر قلاع التحالف وحكومة هادي في محافظات الشمال من البلاد.

بالتزامن، سبق أن حذّر البرلمان في صنعاء، من تحركات المبعوث الأمريكي إلى اليمن ليندر كينغ، ووصفها بالتحركات المشبوهة.
وقال البيان” توحي التحركات الأمريكية المشبوهة في ظاهرها بالسعي لإيقاف الحرب وتحقيق السلام في اليمن، بينما في باطنها تصعيد للعدوان وتكثيف الغارات لقتل المزيد من أبناء الشعب اليمني وتشديد الحصار المفروض على اليمن منذ سبع سنوات”.
والواضح أن صنعاء لا تبدو عابئة بتهديدها من طرف واشنطن “بالعزلة الدولية”، لا سيما في ظل جاهزيتها رغم الحرب والحصار على امتلاك زمام المبادرة في البناء الاقتصادي واستثمار المتاح من الموارد والثروات في خلق تحولات جديدة، لابد أنها ستكون على قطيعة مع عقود التبعية والهيمنة الاقتصادية والرأسمالية المتوحشة التي حولت أجزاء كثيرة من العالم، بما فيها اليمن، إلى بؤر اقتتال وفقر وجوع.

إن أكثر ما يزعج واشنطن من مجمل تحركاتها مؤخراً، بادعاء إحلال السلام في اليمن، أنها لم تسجل أي اختراق يذكر في طبيعة الموقف الذي تتسلح به صنعاء، في الرفض والمقاومة والممانعة لمشاريع الهيمنة والوصاية الخارجية، ومخططات التقسيم التي يراد منها قبل أي شيء آخر، وضع اليد بقوة على الموارد والثروات الاقتصادية.
وفعلياً، تواجه واشنطن صعوبة في جر صنعاء إلى مشاورات سياسية مرسومة الملامح والأهداف والنتائج مسبقاً. وكثيراً ما بالغت في تقديم النصائح لصنعاء إلى درجة استجداء ولو تنازل بسيط. وهذا غير معهود في كثير من تدخلات واشنطن في الشرق الأوسط على الأقل.
مأزق واشنطن في اليمن، هو المأزق نفسه، الذي بات يحاصر حلفاءها في هذه الحرب التي لم تحقق أهدافها عسكرياً، كما هو واضح إلى الآن، بعد سبع سنوات من انطلاقها، وبعد خسارات تقدر بمئات المليارات من الدولارات التي أنفقت إلى اليوم.

يذكر الموقع الأمريكي Responsible Statecraft أن هناك صراعاً داخل الأروقة السياسية الأمريكية المعنية باليمن، حول كيفية التعاون مع صنعاء، فهناك قوى مقربة من دول الخليج، التي تسعى لتأكيد خطورة صنعاء على المصالح الأمريكية في المنطقة، بينما هناك قوى أخرى تقلل من خطورة صنعاء وترى أن منطقة الشرق الأوسط برمتها تراجعت أهميتها بالنسبة لواشنطن، وهذا الاحتمال يثير قلق معظم القوى السعيدة بالوضع الراهن- الأنظمة العربية وإسرائيل- التي تخشى خسارة الدعم الأمريكي المطلق، وامتيازاتها معه. وللحيلولة دون ذلك، بدأت هذه الأنظمة حملة واسعة لضمان استمرار الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، من خلال أنشطة تخريب، وضغط- بشكل مباشر وغير مباشر- عن طريق المراكز البحثية”.
ويقلل تقرير الموقع الأمريكي من خطورة صنعاء على الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
وينتقد الموقع الأمريكي تقريراً لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بعنوان “حزب الله الجنوبي في اليمن”، يحذر من مخاطر الحوثيين على المصالح الأمريكية، ويعتبر أن تقرير معهد واشنطن نموذج لمواقف القوى الأمريكية التي تحاول إظهار صنعاء كمصدر خطر على مصالح أمريكا، لتحقيق أهداف دول الخليج.

في كل الأحوال، أهداف الحرب في اليمن، لم تتحقق حتى في ظل اللجوء إلى التصعيد الاقتصادي، الذي يبدو أن غايته هي انتزاع موقف من صنعاء يشرعن لواشنطن وحلفائها الدوليين والإقليميين، عبر المشاورات، تواجداً مهماً في اليمن. على غرار ما آلت إليه الأمور في أفغانستان. غير أنه من الاستحالة أن يتكرر في اليمن.

 

قد يعجبك ايضا