نص كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول مستجدات العدوان على قطاع غزة والتطورات الإقليمية والدولية – 25 سبتمبر 2025م
نص كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول مستجدات العدوان على قطاع غزة والتطورات الإقليمية والدولية 03 ربيع الثاني 1447هـ 25 سبتمبر 2025م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبِين، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَـــــا الإِخْـــــــوَةُ وَالأَخَـــــــوَات:
السَّــــــلَامُ عَلَيْكُـــمْ وَرَحْمَـــــةُ اللَّهِ وَبَـرَكَاتُـــــهُ؛؛؛
- على وشك اكتمال عامين كاملين، وعدو الإنسانية، والمجرم الأفظع إجراماً، العدو الإسرائيلي، يواصل عدوانه الوحشي، وإبادته الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، مكثِّفاً لعدوانه على مدينة غزَّة، مع استمراره في العدوان على القطاع بشكلٍ عام.
وفي تكثيفه على مدينة غزَّة، المكتظَّة بالسكان، يستخدم القوَّة فيها؛ للقصف، والتدمير، والعدوان، في استخدامٍ غير مسبوق، كما في وصف الإعلام الإسرائيلي نفسه، يكثِّف القصف بكل وسائل التدمير والقتل:
- بالأحزمة النارية بشكلٍ مكثف.
- وبالعربات المفخَّخة، التي يحمِّلها بالأطنان من المتفجرات شديدة الانفجار، ثم يرسلها إلى الأحياء السكنية، ويقوم بتدميرها، وبتفجيرات هائلة، ذات تدمير كبير وهائل.
العدو الإسرائيلي يستمر أيضاً في جريمة التجويع، والحصار، والتعطيش، وتتفاقم المعاناة فيما يتعلَّق أيضاً بالتعطيش، مع تلك الهجمة الإجرامية الوحشية على مدينة غزَّة.
وتستمر المعاناة الكبيرة أيضاً الناتجة عن التهجير القسري، مع استهداف العدو الإسرائيلي المستمر للنازحين، أثناء حركتهم للنزوح إلى المناطق التي يسمِّيها [آمنة]، وهي مناطق محدودة، ومنعدمة الخدمات، ويحشر فيها المئات من الآلاف من الأهالي، ويستهدفهم فيها أيضاً.
وبحسب ما نشرته وزارة الصِّحَّة في غزَّة، قالت: [نواجه ظروفاً كارثية في مدينة غزَّة، حيث يتواجد نحو ثمانمائة ألف مواطن]، لا يزال يتواجد في داخل مدينة غزَّة هذا العدد الكبير، مئات الآلاف من الأهالي، والعدو يستهدفهم بشكلٍ عام، بكل هذه الوسائل التدميرية الشاملة:
- الأحزمة النارية، التي يستهدف بها الأحياء السكنية، الآهلة بالسكان.
- العربات المحمَّلة بالمواد المتفجرة، التي يستهدفهم بها.
- التجويع.
- التعطيش.
- الاستهداف للخدمات الطِّبِّيَّة، والعمل على إنهاء الخدمة الصِّحِّيَّة.
العدو الإسرائيلي مستمرٌ في كل مساراته الإجرامية، وهو في الذروة منها، ومراكماً لما قد فعله على مدى كل هذه المدَّة الزمنية الطويلة، لمدَّة عامين من القصف، من التدمير، من الحصار، من الاستهداف بكل وسائل القتل والإبادة، فالمعاناة كبيرة للشعب الفلسطيني، لا يُحسَب فيها حساب ما فعله على مدى الأسبوع؛ وإنما على مدى عامين، والمدَّة تُشرِف على الاكتمال إلى سبعة أكتوبر.
- العدو الإسرائيلي أيضاً فيما يتعلَّق بالمسجد الأقصى يستمر، ومع رأس السنة العبرية يكثِّف من الاقتحامات للمسجد الأقصى، وإقامة الطقوس التلمودية، والرقصات في ساحات وباحات المسجد الأقصى.
يستمر أيضاً في التضييق على أهالي القدس، في إجراءات عزل مناطق، وعزل أحياء، وهدم منازل… وغير ذلك من الإجراءات التي لا ينفك منها، الهادفة إلى تغيير معالم المدينة بشكلٍ كامل.
- يستمر في الضِّفَّة في إجراءات الضم والمصادرة للأراضي، مع كل الاعتداءات:
- من قتل.
- من مداهمات من قِبَل من يسمونه بـ [الجيش الإسرائيلي]، ومن قِبَل قطعان المستوطنين.
- وكذلك كل أشكال الاعتداءات، من: تدمير للممتلكات، اغتصاب لممتلكات أخرى…
وهكذا، كل أشكال الاعتداءات والجرائم، مع تركيزٍ ملحوظ على مدينة الخليل، العدو الإسرائيلي يركِّز عليها بشكلٍ أكثر لربما، وربما هو يهدف إلى السعي إلى السيطرة التَّامَّة عليها؛ لأنها:
- تعتبر ثاني مدينة مقدَّسة في فلسطين.
- إضافةً إلى الكثافة السكانية فيها، مقارنةً بغيرها في الضِّفَّة الغربية.
- موقعها المهم.
عِدَّة اعتبارات، وفي إطار السياسة التي يمارسها العدو الإسرائيلي في العمل المستمر المتدرِّج، الذي يسعى- في نهاية المطاف- إلى السيطرة الكاملة على الضِّفَّة، إلى الاحتلال التام لها؛ لأن حالة السيطرة هي حالة قائمة في الواقع؛ لكنَّه يريد الاحتلال الكامل، المصادرة الكاملة، التضييع الكامل لكل حق الشعب الفلسطيني، صاحب الأرض والمِلك والحق.
فالعدو الإسرائيلي مستمرٌ في كل هذا الإجرام، الذي أصبح واضحاً في كل العالم، ومحل إدانة عالمية من مختلف الدول والبلدان؛ لأنه يستند إلى الدور الأمريكي، والشراكة الأمريكية.
كلما تمادى العدو الإسرائيلي أكثر، كلما ارتكب المزيد من الجرائم الفظيعة، التي يندى لها جبين الإنسانية، وكلما احتجَّت دول وبلدان العالم، وشعرت بالخزي وهي تتفرج تجاه ذلك المستوى الرهيب جدًّا من الإجرام، والوحشية، والطغيان، الذي يمارسه العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل من السِّلاح؛ كلما قام الأمريكي أكثر وأكثر بخطوات إضافية داعمة للعدو الإسرائيلي، وكلما أكَّد شراكته في الأهداف، في العدوان، في الإجرام، ودعمه المفتوح والكامل للعدو الإسرائيلي؛ ولهـذا خلال هذا الأسبوع العدو الأمريكي استخدم [الفيتو] في مجلس الأمن، ضد مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار، ورفع القيود التي يضعها العدو الإسرائيلي؛ بهدف عرقلة ومنع الإغاثة الإنسانية للشعب الفلسطيني، فالأمريكي يصرّ على استمرار العدوان، وفي نفس الوقت يصرّ أيضاً على الحصار، على التجويع، على منع حليب الأطفال عن الأطفال… على كل أشكال الاعتداءات والجرائم التي يمارسها العدو الإسرائيلي، بمعرفة من الأمريكي، ومشاركة من الأمريكي، وتبرير من الأمريكي، ودعمٍ كاملٍ من الأمريكي.
كذلك في إطار الدعم المعنوي، وفي زيارة هي الأوسع لأعضاء الكونغرس الأمريكي، قَدِم نحو مائتين وخمسين عضواً من مختلف الولايات المتَّحدة الأمريكية إلى فلسطين المحتلة؛ لتأكيد الدعم للعدو الإسرائيلي وجرائمه، يعني: زيارة كبيرة وجماعية من أعضاء الكونغرس الأمريكي، هي زيارة داعمة، تؤكِّد الدعم المفتوح الأمريكي على كل المستويات: مادياً، سياسياً، معنوياً، عسكرياً، إضافة إلى الصفقة الأخيرة، التي هي صفقة ضخمة لمزيدٍ من وسائل القتل والتدمير والإبادة، التي يقدِّمها الأمريكي للعدو الإسرائيلي؛ ليواصل عدوانه وإجرامه.
- بالرغم من حجم الإجرام الصهيوني، والخذلان العربي والإسلامي، إلَّا أنَّ إخوتنا المجاهدين الأعزَّاء في قطاع غزَّة، بالإمكانات المحدودة جدًّا، يواصلون عملياتهم البطولية والجهادية في التَّصَدِّي للعدو الإسرائيلي.
كتائب القسَّام، وسرايا القدس… وبقية الفصائل المجاهدة، نفَّذوا عدداً من العمليات، ويواصلون تصدِّيهم بفاعليةٍ عالية في مختلف محاور القتال في قطاع غزَّة.
تنـوَّعـت عملياتهـــم بـــين:
- عمليات قنص لضباط وجنود العدو.
- ونصب الكمائن.
- وتفجير العبوات، وحقول الألغام بآليات وجنود العدو.
وأسفــرت عـن: قتل وجرح عدد من الجنود الإسرائيليين، ما يزيد على (العشرين جندي وضابط صهيوني) ما بين قتيلٍ وجريح؛ مع أنَّ العدو الإسرائيلي يتحدَّث عن حوادث السير؛ للتقليل من أهمية وفاعلية تلك العمليات، تجاه ما يلحق به من خسائر مباشرة.
- أيضاً في هذا الأسبوع كان هناك عملية جريئة: نفَّذت كتائب القسَّام عملية إغارة على تجمُّعٍ لجنود وآليات العدو، واشتبكوا معهم من المسافة صفر، أوقعوهم بين قتيلٍ وجريح في محيط (بركة الشيخ رضوان).
- نفَّذت أيضاً كتائب القسَّام وسرايا القدس هجمات صاروخية على تجمُّعات قوات العدو في جنوب وغرب غزَّة، مستخدمين صواريخ محلية الصنع، ومتوسطة المدى، كذلك كان هناك عمليات قصف صاروخي استهدفت المغتصبات المحيطة بغزَّة.
فهذه العمليات بهذا المستوى تعبِّر عن حالة الصمود الإيماني البطولي، وعن حالة الثبات العظيم للإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة، وهي حُجَّة كبيرة على الأُمَّة من حولهم.
الأُمَّة التي خذلتهم، والأنظمة التي طعنتهم في الظهر، وتواطأت مع العدو الإسرائيلي ضدهم، الأنظمة التي تطالب بنزع سلاحهم، السِّلاح البسيط، السِّلاح الشخصي، السِّلاح المتوسط، السِّلاح المحدود جدًّا، في الوقت الذي تستمر أمريكا بتقديم شحنات لا تتوقف من أفتك أنواع الأسلحة للعدو الإسرائيلي؛ لقتل الشعب الفلسطيني، لقتل الشعوب العربية، لاحتلال الأوطان، لاغتصاب الأراضي، لانتهاك الحرمات، لارتكاب الإبادة الجماعية، لإعدام الأطفال والنساء؛ وفي المقابل نسمع النبرة التي لا تتوقف، والصوت المستمر لتلك الأنظمة العربية المتواطئة، التي بدلاً من أداء مسؤولياتها الإنسانية، والدينية، والأخلاقية، وبمقتضى مصالح هذه الأُمَّة، وشعوبها، وأوطانها، من تقديم السِّلاح… وكل أشكال الدعم للإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة، يطالبون بنزع سلاحهم.
بالرغم من الغطرسة الكبرى، والطغيان في المنطق الإسرائيلي والأمريكي، إلَّا أنَّ الإعلام الصهيوني ناقش تقريراً لدائرة الإحصاء المركزية في كيان العدو، يعني: جهة رسمية عندهم، هي تؤكِّد أنَّ الهجرة المعاكسة غير مسبوقة، وهذه نتيجة مهمة جدًّا للصمود الفلسطيني، لثبات المجاهدين، وثبات الشعب الفلسطيني، والحاضنة الفلسطينية، هذه من النتائج المهمة جدًّا، والمخيِّبة لآمال الأعداء: أنَّ الهجرة المعاكسة- يعني: الهروب، هروب اليهود الصهاينة، المحتلِّين، المغتصبين- هي حالة مستمرَّة، فهم يهربون من فلسطين، وحالة اليأس تتَّسع دائرتها بين أوساطهم؛ لأنهم كانوا يؤمِّلون أن يكون احتلالهم لفلسطين وما بعد فلسطين، وصولاً إلى العنوان الكبير الذي يعلنونه [إسرائيل الكبرى]، في إطار حالة من الاستقرار والهدوء، وبدون ثمن مكلِّف، بدون خسائر، بدون خطر، بدون قتال، إذا حصلت حالات قتال، فهي مجرَّد حالات عارضة، يسيطرون بسرعة، ويحسمون المعارك على الفور، ثم يستقرون، وينهبون، ويتمتعون بخيرات هذه المنطقة، وينهبون ثرواتها، ويحتلونها، وهم في كل راحةٍ واطمئنان، لكن خيبة أملهم هذه، التي تجبرهم على الهجرة المعاكسة، والهروب من فلسطين، هي تعود إلى الثبات العظيم للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وثبات مجاهديه، واستبسالهم، وفاعلية عملياتهم.
أيضاً في تقرير لصحيفة صهيونية أخرى، يتحدَّث من يسمُّونه بـ [رئيس شعبة القوى البشرية]، يعني: جهة أيضاً رسمية لدى الأعداء، لدى الصهاينة، أمام أعضاء الكنيست الصهيوني، بـ [أنَّ العديد من ضباط الخدمة الدائمة يبحثون عن التقاعد المبكِّر]، وأضاف: [أنَّ هناك نقصاً يصل إلى اثني عشر ألف جندي على خلفية التهرُّب الذي أصبح ظاهرة]، يعني: حالة منتشرة في أوساطهم.
هذا فقط في مواجهة هذه المعركة، التي انصب جهد العدو فيها بكله بهذا المستوى على قطاع غزَّة، وهذه الفاعلية العالية في التأثير إلى هذا المستوى، لهذا المستوى من الصمود، والتضحية، والثبات، في نطاق قطاع غزَّة، ماذا لو كان الموقف موقفاً تتحرَّك فيه الأُمَّة بكلها، لو كانت دائرة الصمود، والاستبسال، والتضحية على نطاقٍ أوسع، كيف ستكون النتيجة؟ هذا يبيِّن أنَّ المشكلة الكبيرة لدى العرب هي التخاذل الكبير.
- فيمـــا يتعلَّـق بلبنــــان:
- يواصل العدو الإسرائيلي عدوانه على لبنان بالغارات الجوِّيَّة، واستهداف المدنيين، حيث ارتكب العدو الإسرائيلي مجزرة بحق عائلة في (بنت جبيل)، واستهدف ستة منازل في خمس قرى جنوبي لبنان.
- من جانبٍ آخر: يواصل العدو الإسرائيلي عمليات إحراق الأحراش، في الحافَّات الأمامية في عِدَّة مناطق.
- وكثَّف من هجماته على المدنيين أيضاً في مناطق متعدِّدة، مستخدماً لِلمُحَلِّقات، للطائرات المسيَّرة، للقصف المدفعي، للنيران الأرضية من المواقع التي يحتلها في جنوب لبنان.
- يستمر في عمليات التفجير والنسف للمنازل في بعض القرى في الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.
كل هذه الاعتداءات ينتهك بها بشكلٍ كامل الاتِّفاق مع الدولة اللبنانية، الذي عليه ضمناء، ولا تبدو ردة الفعل من الحكومة اللبنانية بمستوى هذه الاعتداءات والانتهاكات، التي هي:
- اعتداءات على الشعب اللبناني.
- وانتهاك للسيادة اللبنانية.
هناك مسؤولية كبيرة واضحة على الدولة اللبنانية، لكن كيف هو ردّ الحكومة اللبنانية؟ تبدو ذليلة، خاضعة، مواقفها مواقف ضعيفة، لا ترقى إلى مستوى المسؤولية أبداً، وتتَّجه لتنفيذ إملاءات العدو الإسرائيلي، والخضوع للأوامر الأمريكية، في الاستمرار في الضغط على المقاومة اللبنانية، وعلى حزب الله، الاتِّجاه الغبي، الاتِّجاه الذي لن يحمي لبنان أبداً، لن يحمي السيادة اللبنانية، لن يحمي الشعب اللبناني.
عندما يتحرَّكون لتنفيذ الإملاءات الإسرائيلية، ويجعلون منها الأساس الذي يركِّزون عليه، بدلاً من مسؤولياتهم الأساسية، فهذا يعني أنهم يقدِّمون خدمة مجانية للعدو الإسرائيلي، ليس لها أي ثمرة لمصلحة لبنان أبداً.
إذا كان العنوان الذي يركِّزون عليه هو عنوان [مصلحة لبنان]، فأي مصلحة للبنان في تنفيذ إملاءات أعدى عدو للبنان، وهو العدو الإسرائيلي، الطامع في الاحتلال للبنان، المعتدي باستمرار على لبنان، الذي له سوابقه العدوانية الكبرى على لبنان، احتلال يصل إلى بيروت، القتل، الجرائم الكبيرة جدًّا، التهديد المستمر، بل إنه وَضَعَ لبنان ضمن خريطة [إسرائيل الكبرى]؟!
ولـذلك فكل التَّوجُّهات السلبية والسيئة للحكومة اللبنانية، التي هي في إطار السعي لتنفيذ الإملاءات الإسرائيلية، هي توجُّهات تخون فيها مسؤولياتها تجاه لبنان، تجاه الشعب اللبناني، تجاه السيادة اللبنانية، وتقدِّم فيها الخدمة المجانية للعدو الإسرائيلي.
الرهان على المجتمع الدولي هو رهانٌ خاسر، والواقع يشهد على ذلك، ماذا يمكن أن يقدِّم المجتمع الدولي للبنان الرسمي والشعبي، في مقابل أي عدوان إسرائيلي، أو اجتياح إسرائيلي، أو انتهاك للسيادة اللبنانية، أو نهب للثروة الوطنية اللبنانية؛ لأنها أيضاً مهدَّدة، مهدَّدة بشكلٍ كامل، العدو الإسرائيلي طامعٌ في كل شيء، وأطماعه واضحة، ماذا يمكن؟ هل قدَّم شيئاً لفلسطين؟ هل قدَّم شيئاً لغزَّة؟ هل قدَّم شيئاً لسوريا؟ ليس هناك أي أمل فيما يقال عنه: [المجتمع الدولي]، خيارات الاستسلام لا تجدي ولا تفيد أبداً.
فيما يتعلَّق بالوضع اللبناني: هناك تحضيرات كبيرة للمقاومة في لبنان ولحزب الله، في إحياء الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد شهيد الإسلام والإنسانية، السَّيِّد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، إن شاء الله سيكون لدينا كذلك اهتمام بهذه الذكرى، وسنتحدث فيها إن شاء الله.
السَّيِّد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، شهيد الإسلام بكل ما تعنيه الكلمة، وشهيد الإنسانية بكل ما تعنيه الكلمة، هو، وحزب الله، والمقاومة في لبنان، كان لهم الدور الأساس في حماية المنطقة بكلها، من المشروع الأمريكي الإسرائيلي المستهدف لها دون استثناء، تحت عنوان [الشرق الأوسط]، الذي تحرَّك به الأمريكي مع الإسرائيلي، وعَنْوَنَ به العدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006، وآنذاك كان الموقف الأمريكي معلناً، وصريحاً، وواضحاً، يستخدم هذا العنوان: [الشرق الأوسط الجديد]، ويضعه عنواناً للعدوان الإسرائيلي على لبنان؛ ليبيِّن أنَّ المستهدف ليس فقط لبنان، لبنان هي مستهدفة بشكلٍ كامل، ومعها بلدان هذه المنطقة، شعوب هذه المنطقة.
فالعنوان الذي فشل فيه الأمريكي لفشل عدوان 2006، وتأخر بفعل الحماية والردع الناتج عن موقف حزب الله، وعن انتصاره العظيم، تأخر لمدَّة خمسة عشر عاماً وأكثر، لماذا؟ لأنه كان هناك هذا الحصن الحصين، والسد المنيع للأُمَّة؛ في الوقت الذي استمرَّت فيه بعض الأنظمة العربية في تآمراتها المكثَّفة، مؤامراتها المكثَّفة على حزب الله، بل ومساعيها وإسهامها مع العدو الإسرائيلي في كل المخططات، الهادفة إلى استهداف سماحة شهيد الإسلام والإنسانية السَّيِّد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، جعلوا منه هدفاً مشتركاً فيما بينهم، يعملون على استهدافه والتخطيط لاغتياله في كل تلك السنوات.
وهذا يبيِّن الحالة الغبية جدًّا، والسيئة للغاية لدى بعض الأنظمة العربية؛ لأنها تتآمر على شعوبها وبلدانها، وتسعى لخدمة العدو فيما يستهدف الجميع، فيما يستهدف الجميع دون استثناء، وما يجري حالياً هو شاهدٌ واضح، الأمريكي والإسرائيلي هم يكاشفون هذه الأُمَّة بكل وضوح عن حقيقة مخططاتهم الصهيونية، وعمَّا يريدونه، يتحدَّثون بكل صراحةٍ عن مسألة [إسرائيل الكبرى]، بالنطاق الجغرافي، ينشرون الخرائط، التي تتضمَّن احتلال هذه البلدان، ثم يحاول البعض أن يتعامى عن كل هذه الحقائق.
البعض يبدو من منطقهم- مثل: البعض من المسؤولين اللبنانيين في الحكومة اللبنانية– يبدو من منطقهم أنهم يتحرَّكون كعملاء بشكل واضح ورسمي ومكشوف للعدو الإسرائيلي، وليسوا مع شعوبهم، ولا مع بلدانهم أبداً؛ إنما يعتبرون دورهم في مواقع المسؤولية التي هم فيها: التبرير للعدو الإسرائيلي، واتِّخاذ مواقف سلبية من أي جهةٍ تمثِّل عائقاً أمام نجاح مؤامراته التدميرية، التي يستهدف بها لبنان، ويستهدف بها المنطقة.
إن شاء الله سنتحدث أكثر عن هذا الموضوع في أيام الذكرى: الذكرى الأولى لاستشهاد سماحة شهيد الإسلام والإنسانية السَّيِّد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”.
- فيمـــا يتعلَّـق بالمستجـــدَّات في ســـوريا:
العدو الإسرائيلي مستمرٌ في الاستباحة الكاملة لسوريا:
- التَّوَغُّلات البرية مستمرَّة وصولاً إلى ريف دمشق، إلى ريف دمشق، إلى العمق: في ريف درعا، في محافظة القنيطرة.
في ريف دمشق أيضاً:
- المداهمات للمنازل يستمر فيها.
- النصب لحواجز التفتيش.
- الإعاقة لحركة عبور المدنيين، وتفتيشهم في الطرقات بين قراهم وبلداتهم.
- التجريف للأراضي الزراعية.
- الرفع للأعلام الإسرائيلية.
- التحليق المكثَّف للطيران الحربي والمسيَّر…
كل هذه الأشكال من الاستباحة التَّامَّة لجنوب سوريا، إلى مقربةٍ من العاصمة دمشق، يستمر فيها العدو الإسرائيلي؛ في مقابل كل التأكيد من الجماعات المسيطرة على سوريا:
- بأنها حريصةٌ على السَّلام مع العدو الإسرائيلي.
- أنها لا تعتبره عدواً لها.
- أنها تسعى للاتِّفاق معه، للتنسيق الأمني معه.
- أنها تسعى لأن تكون جزءاً من المنظومة الأمريكية في المنطقة… وغير ذلك.
لكن كل هذا لم ينفعها بشيء، ولن ينفعها في المستقبل، حتى في حال توقيع اتِّفاقات أمنية، العدو الإسرائيلي سيعتبرها حُجَّةً له، وغطاءً قانونياً، وغطاءً رسمياً؛ لتبرير أي اعتداءات يقوم بها، أي توغُّلات، أي انتهاكات؛ لأنه حريصٌ على إنجاز مشروعه في [ممر داوود]، وأيضاً سوريا داخلة ضمن الخريطة الصهيونية، هي ضمنها أساساً، هي من ضمن أهدافه الأولية مع لبنان كذلك، مع كل بلاد الشام، فالعدو الإسرائيلي في عمل مستمر في ما يسمِّيه بـ [ممر داوود]؛ للوصول إلى نهر الفرات، هذه أهداف وضعها العدو الإسرائيلي، وهي أهداف مشتركة بينه وبين الأمريكي.
حتى التموضع الأمريكي العسكري في سوريا، وهو في توسُّعٍ مستمر، وقواعد مستحدثة وإضافية، وتشكيلات عسكرية جديدة لحمايته من أبناء الشعب السوري، مِمَّن يتَّجهون في طريق العمالة والتجند مع الأمريكي، وكذلك استمرار الجماعات في الاضطهاد للأقليات، والدفع بها دفعاً إلى أحضان العدو الإسرائيلي، كل هذا يتم في إطار ذلك المخطط الصهيوني، وتلك الأهداف المشتركة بين الأمريكي والإسرائيلي، الهادفة إلى تحقيق هذه السيطرة التَّامَّة على سوريا في نهاية المطاف.
وانظروا ما يقوله من يسمُّونه بـ [المبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان]، المندوب الأمريكي المكلَّف بملف (سوريا، ولبنان)، وهو مسؤول أمريكي، تصريحاته تصريحات رسمية، تعبِّر عن الموقف الأمريكي الرسمي، وعن السياسة الأمريكية الرسمية، وهذه التصريحات هي ذات أهمية كبيرة جدًّا؛ لأنها واضحة بشكلٍ تام، ومن المهم أن يعرف بها الجميع؛ لأنها تعبِّر عن حقيقة التَّوَجُّه الأمريكي تجاه سوريا، ولبنان، وفلسطين… والمنطقة بكلها، والمنطقة بكلها.
في تصريحاته في مقابلة مع إحدى الفضائيات الغربية المشهورة، أوضح ما هو واضحٌ في الأساس عن السياسة الأمريكية تجاه منطقتنا، من ضمن تصريحاته جُمَل مهمة جدًّا، قال: [إسرائيل قصة مختلفة، هي حليفٌ استراتيجيٌ مهم، لها مكانةٌ خاصة في القلب الأمريكي]، يعني: في نظرة أمريكا إلى هذه المنطقة، هي ترى فقط في العدو الإسرائيلي أنَّه هو الحليف بما تعنيه الكلمة؛ أمَّا النظرة إلى بقية البلدان هذه مهما كانت مصالحها منها، مهما كانت مستفيدةً منها، وهي مستفيدة بشكل كبير جدًّا.
أمريكا مستفيدة من هذه المنطقة على المستوى الاقتصادي استفادة كبرى؛ لأنها هي المستفيد الأول اقتصادياً في نهب ثروات هذه المنطقة، التريليونات من الدولارات تذهب إلى أين؟ إلى الخزانة الأمريكية، المصالح معروفة، المصالح الأمريكية على مستوى هذه المنطقة: في الخليج، في العراق… في مختلف البلدان العربية، وهذه مسألة واضحة جدًّا.
مع كل ذلك، لا يرى الأمريكي في كل ما يحصل عليه من مصالح كبرى، ومصالح أخرى: أنظمة موالية له، تبذل كل جهدها في خدمته، تُؤْثِر طاعته على مصالح بلدانها، وعلى كل ما يتعلَّق بشعوبها: تصادر حُرِّيَّة شعوبها، تُذِل شعوبها، تهين شعوبها، تركع شعوبها للأمريكي، كل هذا لا يرقى بأي نظامٍ عربي، مهما قدَّم، مهما عَمِل، مهما فعل، لاسترضاء الأمريكي، لا يرقى به أبداً إلى مستوى الإسرائيلي.
وما الذي يقدِّمه الإسرائيلي لأمريكا؟ هل يقدِّم هو لأمريكا التريليونات؟ هل يقدِّم لها الكمية الهائلة من النفط؟ هل يقدِّم لها شيئاً من المصالح الاقتصادية؟ العدو الإسرائيلي هو يأخذ من الأمريكي، الأنظمة العربية تدفع ثروات هذه المنطقة إلى الأمريكي، والأمريكي يعطي منها الإسرائيلي، فالعدو الإسرائيلي هو يأخذ من الأمريكي، وليس معطياً له، ولا مقدِّماً له.
لكن مع كل ذلك، هذه هي النظرة الأمريكية، هو لا يعتبر ما قدَّمته الأنظمة العربية، وما تقدِّمه له من خدمات: خدمات مادية، وخدمات سياسية، خدمات في تنفيذ مخططات ومؤامرات، تمويل أجندة أمريكية تدميرية، كل ما يفعله أولئك لا يمكن أن يرقى بهم إلى مصاف العدو الإسرائيلي كحليف لأمريكا؛ لأن النظرة الأمريكية إلى أنَّ بلدان هذه المنطقة التي تقدِّم ما تقدِّمه هي مجرَّد بقرة حلوب، بقرة حلوب كما عبَّر الأمريكي، وكلما قدَّموا أكثر؛ هو يعتبر ما يقدَّمونه في هذا السياق: أنَّ الدر كان كثيراً، وحلب منه كثيراً؛ لـذلك ليس له قيمة على المستوى الاستراتيجي في أن يعزِّزوه من مكانتهم لدى الأمريكيين، من أهميتهم كحليف لدى الأمريكي.
ومعنى ذلك ماذا؟ يعني: في مقابل إسرائيل لا قيمة لأحد، في مقابل إسرائيل لا أهمية لأي تحالفات مع أيِّ طرفٍ عربي، لا قيمة لأي اتِّفاقيات أمريكية مع أيِّ طرفٍ عربي، فالجميع يعتبرهم الأمريكي مستباحين للعدو الإسرائيلي.
قال أيضاً في تلك المقابلة، قال فيما يتعلَّق بالسلام، وهو كلام مهم للغاية، السَّلام مع إسرائيل ماذا قال عنه هذا المسؤول الأمريكي؟ قال: [لم يكن هناك سلامٌ من قبل، ولن يكون في المستقبل]، (والصراحة راحة)، هذا من الأمثلة اليمنية (الصراحة راحة)، هذا هو منطق مسؤول أمريكي عن السَّلام الموهوم، الذي يلهث وراءه العرب، لهث الظمآن إلى السراب، {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}[النور:39]، قال: [لم يكن هناك سلامٌ في الماضي، ولن يكون في المستقبل]، اسمعوا يا عرب، اسمعوا يا مطبِّعين، اسمعوا وعوا وافهموا، إن كان بقي لكم قدرة على أن تفهموا، [ولن يكون في المستقبل].
وأضاف إلى ذلك- ركِّزوا جيداً– أضاف إلى ذلك قوله وهو كلام مهم جدًّا: [الصراع ليس على الحدود، الصراع الحقيقي والنتيجة النهائية، هي: أنَّ طرفاً يريد الهيمنة، وهذا يعني أنَّ طرفاً آخر يجب أن يخضع]، يعني: ما نقوله باستمرار: المعادلة التي يسعى الأمريكي والإسرائيلي إلى فرضها على هذه المنطقة بكلها، على شعوب هذه الأُمَّة بكلها، على هذه البلدان العربية والإسلامية جميعاً، هي: معادلة الاستباحة، والسيطرة، والهيمنة، مصادرة حُرِّيَّة هذه الأُمَّة، كرامة هذه الأُمَّة، والاستباحة- كما نكرر دائماً- تشمل الدم، والعرض، والمال، والمقدَّسات، والثروات، والممتلكات… كل شيء، استباحة شاملة كاملة؛ ولذلك من يخنع لهذه المعادلة هو يفرِّط في كل شيء: يفرِّط في إنسانيته، في كرامته، في حُرِّيَّته، في دينه، في هويته، في دنياه وآخرته، خسر الدنيا والآخرة من يقبل بتلك المعادلة، وهذه صراحة تامَّة.
يقول- يعني– المسألة أكبر من مسألة حدود؛ لأن العدو الإسرائيلي لا يعترف بأي حدود، لا يعترف بأي حدود لأي بلد أبداً، والأمريكي يعتبر أنَّ إليه هو والغرب أصلاً مسألة أن يحدِّدوا حدوداً، أو يلغوا حدوداً؛ ولـذلك وصل بهم الحال إلى أن يقدِّموا الأراضي العربية كهدايا، آنذاك (ترامب) وبحضور بعض المسؤولين العرب، أعلن عن تقديم الجولان هدية للعدو الإسرائيلي، وأنَّه قد مَلَّكه الجولان، وأعطاها مِلْكاً له، وقال: [أنه مستعد أن يقدِّم المزيد من الأراضي العربية؛ إنما على إسرائيل أن تحتل، وهو مستعد أن يصادر، وأن يملك العدو الإسرائيلي الأراضي العربية]! بكل استخفاف ووقاحة!
[وهذا يعني أن طرفاً آخر يجب أن يخضع]، من هو الطرف الآخر الذي يجب أن يخضع بالمنظور الأمريكي؟ الكل يعرف أنه يقصد العرب، يقصد المسلمين، ويقصد أنَّ عليهم أن يسلِّموا بالسيطرة الإسرائيلية الكاملة، أن يسلِّموا بمصادرة حُرِّيَّتهم، ليكونوا عبيداً لإسرائيل، كوكيل لأمريكا في المنطقة، هذا ما يسعى له وما يقصده الأمريكي.
[وفي تلك المنطقة]، وهو يتحدَّث عن منطقتنا، [لا يمكن تعريف الخضوع بمصطلحٍ آخر، ولا يمكن تجاوز مفهوم الخضوع، أو الالتفاف عليه]، وهذا كلامٌ واضحٌ تماماً، ما يريده الأمريكي- يا أيُّها العرب، يا أيُّها المسلمون- بكل وضوح وصراحة، عبَّر عنه هذا المسؤول الأمريكي، وهو يأتي إلى هذه المنطقة، ومعني بملفات في هذه المنطقة، وهو يعبِّر عمَّا يسعى له.
طبعـــاً، مثل هذه التصريحات ألم يكن ينبغي أن يكون هناك ردة فعل تجاهها من الحكومات العربية، من المسؤولين في هذه المنطقة؟ أليست عبارات مستفزة جدًّا؟ أليست عبارات تجرح كرامة هذه الأُمَّة؟ وهي ليست مجرَّد تصريحات في الهواء في المقابلة مع قناة فضائية، هي برنامج عمل يشتغل عليه الأمريكي، ويشتغل عليه العدو الإسرائيلي.
كان من المفروض أن تكون صادمة، أن تكون مستفزة للغاية، أن تكون أيضاً شاهداً إضافياً واضحاً على طبيعة التَّوَجُّهات الأمريكية، والموقف الأمريكي، وأن تقابل بردود قوية جدًّا من المسؤولين العرب، وفي المقدِّمة مَنْ في سوريا ولبنان، ولكن كيف كان رد الفعل اللبناني في المقدِّمة؟ كان رداً عجيباً جدًّا الرسمي، من المسؤولين اللبنانيين، كان تأكيداً على الخضوع، على معادلة الخضوع: أنهم سيعملون بجد، وأن لديهم نيَّة جادَّة في تنفيذ الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، وهذا أمر مخزٍ ومعيب!
ولاحظوا كيف هي الحالة السائدة في الوسط الرسمي العربي، تصدر أكبر الاستفزازات في التصريحات والأفعال والأقوال من الإسرائيلي والأمريكي، يقابلونها بتواضع، بِذِلَّة، بخنوع، ببرودة تامَّة، وإن علَّقوا؛ علَّقوا بشيءٍ من التعبير المؤدَّب، الذي يتحرُّون فيه تحرِّياً تامّاً اختيار عبارات مؤدَّبة، هذا أمرٌ مخزٍ، ومعيب، ومؤسف!
في مقابلتــه تـلك:
- أيضاً برَّر العدوان الإسرائيلي على قطر، واعتبره عادياً؛ لأنه أيضاً في ضمن هذه الاستراتيجية التي يسعى الأمريكي لفرضها على المنطقة.
- كذلك انتقد المصريين والسعوديين، [لماذا لا يستقبلون الفلسطينيين، ويقبلون بالتهجير القسري للشعب الفلسطيني إلى بلدانهم؟].
الجواب واضح: لأنهم ليس احتراماً للحق الفلسطيني، ونصرةً للحق الفلسطيني؛ بل قلق، قلق من أن يكون عندهم عدد كبير من الشعب الفلسطيني؛ ولكن موقفهم مهم في رفض التهجير للشعب الفلسطيني، وينبغي أن يثبتوا على هذا الموقف، وأن يستمروا عليه، كُلٌّ من السعودية ومصر والبلدان العربية بشكلٍ عام، بغض النظر عن الأسباب والخلفيات للموقف، حتى لو كان بعضها ليس من أجل الموقف الحق نفسه لاعتبارات أخرى، ولكن المسألة مهمة بأي دافعٍ كان.
- كذلك اعترف أنَّ العدو الإسرائيلي يهاجم في كل مكان سابقاً وحاضراً ولاحقاً، في سوريا، في لبنان، في الماضي إلى تونس… إلى مختلف البلدان، واعتبر المسألة مستمرَّة.
- وطلب- في نفس الوقت– من الحكومة اللبنانية: أن تقوم بنزع سلاح حزب الله بنفسها، وحمَّلها المسؤولية الكاملة.
- وأصدر تهديدات- كذلك– للشعب اللبناني والاستفزازات، والسعي لإثارة الفتنة الداخلية في لبنان.
- قال أيضاً بأنه: [لن تكون هناك دولة فلسطينية، وهذه إسرائيل، وإذا أردت أن تكون إسرائيلياً فكن، وإلَّا فلا].
- استخف بالمواقف الدولية المعلنة من كثيرٍ من الدول للاعتراف بـ [حلَّ الدولتين]، وسخر من كل البلدان الأخرى والدول التي رفعت هذا العنوان، وقال بأن: [تأثيرهم معدوم]، وأضاف: [نحن نحمي العالم]، يعني: الأمريكي يقصد، [ولا أحد معنيٌ سوى إسرائيل ونحن].
لاحظوا هذا المستوى من المجاهرة بالحقائق، وهذا شيءٌ مهم، وشيءٌ مفيد؛ لأنه ينبغي أن تعي أُمَّتنا وعياً كاملاً: ما الذي يريده الأمريكي ويسعى له عملياً مع الإسرائيلي؟ لأن العدو الإسرائيلي والأمريكي وجهان لعملةٍ واحدة، هي الصهيونية، هي الصهيونية، والمخطط الصهيوني.
- فيمـــا يتعلَّــق بالمظاهــرات الداعمـــة والمسانــدة لغــزَّة:
- في الدول العربية والإسلامية: خرجت مظاهرات في مناطق محدودة: في البحرين، في لبنان، في تونس، في المغرب، في اليمن، بقية البلدان خارج نطاق التغطية، خارج نطاق الأحداث، خارج نطاق الوعي، حالة ركود إلى حدٍ رهيب.
- في أوروبا وأمريكا وبلدان أخرى: خرجت مظاهرات ووقفات دعماً لغزَّة في تسعة عشر بلداً.
أيضــاً انطلـق أسطــول الصمــود: انطلقت (ثلاثة وأربعين سفينة)، من إسبانيا، وإيطاليا، وتونس، من الموانئ في تلك البلدان، من المقرر أن تنضم إليها (ست سفن أخرى) من اليونان، فيما تنتظر (سفينة) في مصر الحصول على تصريح حكومي للإبحار والانضمام إلى قافلة الصمود، المتَّجهة نحو قطاع غزَّة؛ بهدف التضامن العالمي لناشطين من بلدان متعدِّدة، يسعون إلى كسر الحصار عن قطاع غزَّة.
خلال هذا الأسبوع كان هناك اعتراف لعددٍ من الدول بفلسطين، ضمن ما يسمُّونه بـ [مسار حلِّ الدولتين]، حالياً هناك أكثر من مائة وخمسين دولة تعترف بفلسطين، هذه الخطوة (خطوة الاعتراف بفلسطين كدولة) أعلنتها بعض البلدان، طبعاً هي خطوة مؤكَّدة وقديمة؛ لأن الحق الفلسطيني ثابت، سواءً اعترفت به بعض البلدان أم لم تعترف؛ هو حقيقة تاريخية ثابتة، راسخة، لا يتوقف ثبوتها على اعتراف بلدٍ من إنكاره.
والخطوة هذه تأتي أيضاً ضمن التَّصَوُّر الذي ركَّز عليه البعض منذ زمن، يعني: منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، في مسألة المصادرة لمساحة كبيرة جدًّا من فلسطين لتكون لليهود، وجزء يسير، صغير، محدود من فلسطين، ليبقى دولةً فلسطينية شكلية، منزوعة السِّلاح، ضمن ضوابط وسقف معيَّن، يخضع للمصلحة الإسرائيلية، والسيطرة الإسرائيلية.
بهذا المستوى المحدود جدًّا، صدرت اعترافات من بعض البلدان الغربية، مع أنَّ هذه المسألة هي أصلاً مسألة قائمة في الأمم المتَّحدة منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي، يعني: منذ مراحل مبكِّرة، قرار التقسيم في عام 1947م، قرار التقسيم في الأمم المتَّحدة لفلسطين، ما تلاه أيضاً في مراحل لاحقة من قرارات للأمم المتَّحدة، لمجلس الأمن، واعتراف الكثير من البلدان بناءً على ذلك، مائة وخمسين دولة في المراحل المستمرَّة بشكل مستمر.
أضف إلى ذلك: ما كان لاحقاً فيما يسمَّى في اتِّفاقيات (أوسلو) في أمريكا، الاتِّفاقات برعاية أمريكية آنذاك، هي قائمة أساساً على مسألة [حلَّ الدولتين]، وعنوان [حلَّ الدولتين]، وفق ذلك التصور الذي شرحناه، يعني: دولة شكلية، منزوعة السِّلاح، مضبوطٌ علاقتها بالدول الخارجية وفق السقف الإسرائيلي، والمصالح الإسرائيلية، وفي نفس الوقت في جزءٍ يسيرٍ من فلسطين.
ولكن حتى هذا لا ترضى به إسرائيل، ولا تريده أمريكا؛ الموقف الأمريكي واضح وصريح، والموقف الإسرائيلي واضحٌ وصريح، هم- كما قلنا- لا يتركون للفلسطيني على أرضه لا شجرة الزيتون في مزرعته، ولا منزله، ولا حتى مواشيه من الأغنام والماعز، لا يتركون له أبسط الحقوق، هم يستهدفون الشعب الفلسطيني استهدافاً كاملاً، واتِّجاههم واضح لما بعد فلسطين؛ إنما يحاولون أن يتجاوزوا ما يعتبرونه عائقاً قبلهم، وهو: هذا الصمود الفلسطيني الذي هو لمصلحة كل الأُمَّة، ويجب أن تدعمه كل الأُمَّة، بل كل الإنسانية؛ لأن العدو الإسرائيلي هو يصادر الحقوق العالمية، الإنسانية، المعترف بها في كل العالم، يريد ألَّا يبقى أي شيء منها، يريد أن يفرض معادلة الاستباحة لكل شيء، والتجاوز لكل شيء: قوانين، أعراف، شرائع… كل شيء.
وبالتـالي علينا أن ننظر إلى هذه الخطوة في مستواها الحقيقي: أنها لوحدها لا يمكن أن تمثِّل أي أمل للشعب الفلسطيني، في دفع العدوان المستمر عليه في قطاع غزَّة بشكلٍ رهيب جدًّا، والاعتداءات المستمرَّة في الضِّفَّة، والتهديد القائم على المسجد الأقصى، ومدينة القدس.
الخطر الإسرائيلي مستمر، والأمريكي مجاهرٌ في دعمه المفتوح والمطلق للعدو الإسرائيلي؛ وبالتـالي عندما تقدَّم خطوة الاعتراف، هذه الخطوة التي أعلنتها بعض الدول، وهذا العنوان أيضاً الذي سعت فيه بعض الأنظمة العربية: [حلَّ الدولتين]، على أنه أقصى ما يمكن أن يقدَّم للشعب الفلسطيني من مساندة، والسقف الأعلى لردة الفعل تجاه العدوان الإسرائيلي، والإبادة الجماعية، والانتهاكات الرهيبة جدًّا؛ فهـذا شيء غير صحيح ولا منصف أبداً؛ إنما هو تسترٌ على التَّهَرُّب من الخطوات العملية، التي يمكن أن تكون ضاغظةً على العدو الإسرائيلي، هذا لا بأس أنَّه يشوِّش على العدو الإسرائيلي بعض التشويش، يظهره في حالة عزلة سياسية إلى حدٍ ما؛ ولكن مع الاستمرار من بعض الدول الغربية والعربية في دعم العدو الإسرائيلي، بمختلف أنواع الدعم:
- دول غربية تُمِدُّه بالسلاح، تُمِدُّه بالمال، تقدِّم له أشكالاً من الدعم ليواصل إجرامه.
- أنظمة عربية تستمر أيضاً في تعاونها معه اقتصادياً، مخابراتياً، سياسياً، في عدائها المكشوف ضد المجاهدين في قطاع غزَّة، ضد المقاومة على مستوى لبنان، وعلى مستوى فلسطين، ضد التَّوَجُّه التَّحَرُّري المعادي للطغيان الإسرائيلي والأمريكي على مستوى المنطقة.
فهذا التستر مفضوح.
عندما يذهب أحد إلى منبر الأمم المتَّحدة، ليقدِّم مثل هذه العناوين، ويعود إلى بلده ليرسل الشحنات من السلاح إلى العدو الإسرائيلي، ويرسل الأموال للعدو الإسرائيلي، ويستمر في التعاون الاقتصادي مع العدو الإسرائيلي، هل هذا سيمثل ضغطاً على العدو الإسرائيلي؟! الخطوات العملية واضحة، وماذا ينبغي أن يكون كموقفٍ عمليٍ مؤثِّرٍ وضاغط على العدو الإسرائيلي.
هذه الاعترافات تأتي لماذا؟ لأن هنـــاك اعتبـــارين واضحـــين:
- الأول: قـوَّة الحـق الفلسطينـي:
الحق الفلسطيني حقٌ واضحٌ ثابت؛ ولـذلك أي دولة في العالم، أي بلد من بلدان الدنيا يتنكَّر لهذا الحق، يجد نفسه محرجاً، يجد نفسه في موقفٍ مخزٍ، يجد نفسه متنكِّراً حتى لما يمكن أن يستند إليه هو في التَّمَسُّك في حق بلده؛ لأنه إذا أصبحت مسألة مصادرة البلدان من أجل الاحتلال هنا أو هناك مسألة مفتوحة، يعني: فتحها خطر على كل بلدان العالم، كل بلد ينظر إلى واقعه هو: [ماذا لو أتت قوَّة أخرى لاحتلاله؟].
فإذا أصبحت المسألة هذه مسألة مفتوحة عالمياً، وسقط هذا الحق، فإسقاطه يشكِّل خطراً على كل بلدان العالم، وتثبيت لمعادلة السيطرة، والاستحواذ، والاغتصاب، والانتهاك، والمصادرة للحقوق، فمصادرة هذا الحق على الشعب الفلسطيني، الذي هو حقٌ واضحٌ، ثابتٌ، من قَبِلَ به؛ فقبوله به يشكِّل خطراً حتى على نفسه.
- ثم مع قوَّة هذا الحق الواضح: حجم الإجرام الإسرائيلي:
إبادة جماعية، مشاهدة، مرئية، منظورة أمام العالم، يشاهدها الناس مِمَّن يتابعون، ويريدون أن يشاهدوها في أي بقعةٍ في العالم، تنقلها وسائل الإعلام في مشاهد حيَّة مخزية للعالم، وتخدش الضمير الإنساني، وتجرح الكرامة الإنسانية في كل الدنيا.
أمام ذلك الإجرام الإسرائيلي، من يتستَّر عليه، من يسكت عنه؛ يجد نفسه أيضاً محرجاً؛ ولـذلك يتَّجهون تجاه الحق الفلسطيني الثابت، المعترف به عالمياً، وتجاه الإجرام والتَّوَحُّش الإسرائيلي الفظيع جدًّا، المخزي لأي بلدٍ لا يعلن موقفاً منه، يحاولون أن يقدِّموا مواقف، لكن مواقف بأي مستوى؟! بأي مستوى؟! هل بالمستوى المطلوب؟ هل بمستوى هذا الحق الثابت، وتلك المظلومية الواضحة، وذلك الإجرام الفظيع من العدو الإسرائيلي؟ أم مواقف شكلية، في مقابلها يستمرُّون بالتعاون مع العدو الإسرائيلي؟ هذا ما يجب أن نكون واعين له؛ لأن البعض- في نهاية المطاف- يجعل من مثل هذه الخطوات غطاءً لاستمراره في التعاون مع العدو الإسرائيلي بأشكال خطيرة من التعاون، ومن أولئك أنظمة عربية، من أولئك أنظمة عربية، تتبنَّى مثل هذه العناوين، وتفعلِّها حتى ضد المقاومة في فلسطين، ضد المجاهدين في قطاع غزَّة، أنه في المقابل يطالبون بنزع سلاح المجاهدين، بإنهاء حقهم في الدفاع عن أرضهم، وعرضهم، ودينهم، وكرامتهم… وعن كل شيء، عن هذه الأُمَّة حتى.
فيما يتعلَّق بقوَّة الحق الفلسطيني، التي هي بهذا المستوى من الاعتراف العالمي، هناك مسؤولية واضحة على هذه الأُمَّة، إذاً لماذا لا تنطلق في إطار مواقف قوية، ولديها هذه القضية العادلة التي يعترف بها كل العالم؟ ماذا تنتظرون إذاً؟! لماذا لا تتحرَّكون في إطار مسؤوليتكم الإيمانية، الدينية، الإنسانية، الأخلاقية، وأنتم تمتلكون قضيةً يعترف بها كل العالم؟
- فيمـــا يتعلَّـق أيضـــاً بالـدورة الـ 80 للأمـم المتَّحـــدة:
الدورة الـ 80 للأمم المتَّحدة كان فيها الكثير من الكلمات: كلمات لزعماء مسلمين، زعماء عرب، وزعماء من بلدان أخرى، والطابع على الكلمات في الدورة الـ 80 لجمعية الأمم المتَّحدة، الطابع عليها هو الشكاوى، كلٌّ يشكو، ولاسيَّما الزعماء العرب والمسلمون، كلماتهم تتضمن الشكاوى مِمَّا يقوم به العدو الإسرائيلي في الاستهداف للمنطقة، في جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، من الاستهداف لهذه الأُمَّة، من العدوان والغطرسة، ولكن هل ستفيد تلك الشكاوى؟ هل الأمم المتَّحدة، وجمعية الأمم المتَّحدة بالشكل الذي تراهن عليه أُمَّتنا بأن تقيم القسط، والخير، والحق، والعدل، وتدفع عن هذه الأُمَّة ما هي فيه من الظلم، والاضطهاد، والجرائم الإسرائيلية الرهيبة جدًّا، والاستهداف الكبير لها؟!
في الأمم المتَّحدة كان هناك كلمة للرئيس الأمريكي، وكانت واضحةً أيضاً، وهي كافية في أن نعرف حقيقة الوضع القائم عالمياً، على مستوى الواقع العالمي الأرضي في هذه المرحلة، الرئيس الأمريكي تباهى بالغطرسة والقوَّة الأمريكية، قال: [نحن الأقوى في العالم، وهذا هو عصرنا الذهبي]… وغير ذلك من العبارات، لكن هذا هو العنوان، هذا هو العنوان للمنظور الأمريكي الذي تبنى عليه السياسات الأمريكية، والمواقف الأمريكية: منطق القوَّة، السيطرة، الاستحواذ، الغلبة، الاستئثار والمصادرة للحقوق… وغير ذلك، الاضطهاد للشعوب، الإذلال للأمم التي تخنع وتركع وتخضع، هذا هو المنطق الأمريكي، منطق الهيمنة، والاستحواذ، والاحتلال، والسيطرة، والتغلب.
هناك تاريخ كامل للقضية الفلسطينية، ماذا فعلت الأمم المتَّحدة في كل ما قد مضى، في كل هذه العقود الماضية من الزمن؟ هل فعلت شيئاً لفلسطين؟ من هو (أو ما هو) البلد العربي الذي قد أنقذته الأمم المتَّحدة؟ هل أنقذت بلداً هنا أو هناك، شعباً هنا أو هناك؟ من هو الشعب الذي أنقذته الأمم المتَّحدة؟
في الدورة الماضية في العام الماضي للأمم المتَّحدة، والعدوان الإسرائيلي في ذروته، والإبادة الجماعية قائمة، ينفِّذها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ماذا فعلت الأمم المتَّحدة؟
ربما الكثير من الزعماء الذين يصلون إلى هناك، ويلقون كلماتهم من على منبر الأمم المتَّحدة، يرون أنفسهم في موقعٍ يحاولون أو يشعرون بأن لهم أهمية، بأنهم في موقعٍ مهم، أي أهمية للأمم المتَّحدة؟! أي دور فعلي وحقيقي لها لإنقاذ شعبٍ مظلومٍ أو مضطهد، لإعادة حقوقٍ مغتصبةٍ ومصادرة؟! لا شيء، وبالذات عندما تكون المسألة متعلِّقة بالمسلمين في البلاد العربية وغيرها.
المجرم (نتنياهو)، وفي بداية السنة العبرية، أعلن أنَّ هذا العام هو عام عدوان على المنطقة، وليس فقط على غزَّة، في نفس الوقت الذي تعقد الأمم المتَّحدة جمعيتها في هذا العام، ودورتها الـ 80، ثمانين سنة لم تفعل شيئاً لفلسطين، وهي القضية الواضحة تماماً، المعترف بها عالمياً، والتي ليس فيها أي التباس، فما بالك بغيرها؟!
التَّوَجُّه الواضح للعدو الإسرائيلي، وهو كان صريحاً أيضاً، في أنَّ المسألة لا تقتصر أبداً على غزَّة وفلسطين، بل تشمل المنطقة، في إطار معادلة الاستباحة الكاملة لهذه المنطقة، هذا أيضاً التصريح كان يفترض به أن يكون مستفزاً للحكام العرب، للأنظمة، للمسؤولين الرسميين في العالم العربي والإسلامي، وفي نفس الوقت أن يكون بالنسبة لهم كافياً في أن يعدُّوا العُدَّة، أن يتحرَّكوا بِجِدِّيَّة لمواجهة هذا الخطر؛ لأنه تعبيرٌ عن توجهٍ عدواني واضح من العدو الإسرائيلي.
أيضاً مِمَّا أُعلِن عنه هذا الأسبوع، وتداولته وسائل الإعلام، هو: الابتزاز الإسرائيلي لمصر بشأن الصفقة (صفقة الغاز)، صفقة العار، الصفقة التي بموجبها يحصل العدو الإسرائيلي على (خمسة وثلاثين مليار دولار) من مصر، وهذه كارثة، كارثة رهيبة جدًّا! من الثروة المنهوبة على الشعب الفلسطيني، المغتصبة على الشعب الفلسطيني، والعدو الإسرائيلي يمارس الابتزاز من الآن، ولا زالت المسألة في بداياتها، في بداياتها، وهناك هذه العرقلة، هذا الابتزاز، هذا الاستغلال.
لماذا تختار الأنظمة العربية أن تربط وضعها الاقتصادي، وضعها المعيشي، شؤونها المختلفة بالعدو الإسرائيلي؟ هذا هو في نفس التَّوَجُّه الأمريكي لفرض الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة في كل المجالات: اقتصادياً، سياسياً… وفي كل المجالات، ثقافياً، إعلامياً… وهكذا، هذا من الخطأ الاستراتيجي الواضح البيِّن، يتَّجهون لربط أمورهم الاقتصادية والمعيشية وحتى المياه بالعدو الإسرائيلي، الذي يبتزهم، ويهينهم، ويستغلهم.
أليس هناك دول عربية يمكن أن تبيع الغاز لمصر؟ بلى، بل كان بإمكان مصر أن تستثمر بهذا المبلغ الهائل لاستخراج الغاز في مصر بنفسها، أو على الأقل تشتري من دول عربية تتوفَّر لها الكميات الهائلة التي تغطي الاحتياج المصري وأكثر منه من الغاز، لكن هذا الارتباط بالإسرائيلي، ثم الخضوع للابتزاز، هو في إطار هذا التَّوَجُّه الخاطئ لبعض الأنظمة العربية، التي لا تتصرف لا بحكمة، ولا بمصلحة، ولا بقيم؛ بل تتَّجه اتِّجاهاً منافياً لكل الاعتبارات، وخسارةً عليها وعلى شعوبها.
على هامش الدورة الـ 80 للأمم المتَّحدة، كان هناك اجتماع لبعضٍ من القادة في العالم الإسلامي والعربي مع (ترامب)؛ ليؤكِّدوا له، ليطالبوه أن يشفق على هذه الأُمَّة، أن يرحمها، ليستجدوا منه الرحمة! هذه حالة مؤسفة: الالتجاء إلى أمريكا، إلى من هو متبنٍ- أصلاً- للمخطط الصهيوني، إلى من لديه كل الأطماع في هذه الأُمَّة، إلى من لا يمتلك ذرة من الإنسانية، ولا من الرحمة، هو في إطار هذا الضياع الكبير، الضياع الكبير، بدلاً من الاتِّجاه في المواقف المجدية.
كان هناك قمة خليجية أمريكية هناك أيضاً مع وزير الخارجية الأمريكي، عرض فيها أحد المسؤولين الخليجيين المصالح والخدمات التي تقدَّم لأمريكا، أمريكا- كما قلنا- ترى في كل ذلك أنه حلبٌ لبقرةٍ حلوب، يعني: هي لا تقدِّر هذه المصالح، ولا تتعامل بموجبها لاحترام هذه البلدان، لاحترام حقوقها، لاحترام حُرِّيَّتها وكرامتها، هي ترى أنَّه مجرَّد حلب لبقرةٍ حلوب، بدون أي احترام.
هناك نقطة مهمة نحب الإشارة إليها، وهي: أنَّ الكثير من الزعماء المسلمين في البلاد العربية وغيرها، سواءً في القمة العربية الإسلامية في الدوحة، أو حتى في كلماتهم في الدورة الـ 80 لجمعية الأمم المتَّحدة، أو في مناسبات أخرى، يتحدَّثون بصراحة ووضوح ومصداقية أكثر عمَّا تسعى له إسرائيل، وما يريده العدو الإسرائيلي، هذه نقطة إيجابية، نحن نأمل من الجميع أن يتحدَّثوا بوضوح، بصراحة، أن ينطقوا بلغة الحقيقة تجاه ما يسعى له العدو الإسرائيلي:
- أنَّه يريد السيطرة على المنطقة.
- أنَّه يريد أن يتحرَّك- وهو يعبِّر عن ذلك قولاً وفعلاً- لتنفيذ مخططه الصهيوني في إسرائيل الكبرى.
- أنَّه يريد إذلال هذه المنطقة بكلها، يريد السيطرة عليها بشكلٍ كامل، يريد أن تكون ساحةً مستباحةً له.
هذه نقطة مهمة جدًّا، وفي المقابل أن نتذكر جميعاً مسؤولياتنا؛ أمَّا العدو الإسرائيلي هو واضح، هو يستمر دائماً في تكرير عنوان [تغيير الشرق الأوسط]، و[إسرائيل الكبرى]، عنوانان مترادفان لمخطط واحد، هو المخطط الصهيوني.
لكن تجاه هذه المخاطر التي نراها واضحةً وجليَّة، تحديات واضحة وجليَّة، وتحديات بمستوى مصادرة حُرِّيَّة هذه الأُمَّة، كرامة هذه الأُمَّة، حقوق هذه الأُمَّة، تحديات بمستوى إركاع هذه الأُمَّة، واستعبادها بكل ما تعنيه الكلمة، على ماذا نبني مواقفنا؟ على أيِّ أساس كمسلمين، كعرب، نواجه هذه التحديات والمخاطر:
- هل بناءً على اليأس والهزيمة النفسية؟ هل يصح هذا؟ هذا ما لا يجوز ولا ينبغي، ولن يجدي شيئاً؛ وإنما يمكِّن العدو الإسرائيلي، ويكبِّد الأُمَّة أكبر الخسائر في الدين والدنيا، وفي الحاضر والمستقبل.
- هل بالرهان على الأمريكي؟ هذا من الغباء الكبير، والغباء المجرَّب، هذه خطوة وسياسة اعتمدها الكثير من الأنظمة العربية على مدى عقود من الزمن، وواضح ما وصلت إليه الأمور.
- هل بالرهان على المتَّحدة؟ على منظمات دولية؟ على المحاكم الدولية، التي يصدر الأمريكي عقوبات حتى على قضاتها وموظفيها، ويهدِّدهم، ويتوعَّدهم؟ لا يفعلون شيئاً، ولن يجدي كل هذا بشيء.
هذا يمكن أن يكون مواقف هامشية مساعدة، أو في ظل مواقف رئيسية، لا أن تكون هي الرهان والمواقف الرئيسية.
المشكلة الكبرى في واقع العرب هي نسيان الله، نسوا الله، مع أنَّ الله حذَّر من هذا، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}[الحشر:19]، نسيان الله حتى في مسألة هذه الحسابات، القضايا الكبرى، تجاه مثل هذه التحديات نحن أحوج ما نكون إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إلى الرجوع إلى الله، إلى هدايته، إلى الاستعانة به، إلى تعليماته، إلى نوره، نحن أمةٌ مسلمة تؤمن بالقرآن الكريم، الذي هو نور من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كتاب هداية في كل المجالات، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9]، {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة:16]، كتاب يهدينا الله به إلى الصراط المستقيم، إلى العِزَّة، إلى الكرامة، إلى المجد في الدنيا، وإلى الفوز العظيم في الآخرة، لماذا لا يُحسَب أبداً هذا الحساب في السياسات والمواقف العربية؟ يصرُّون على شطب هذا الجانب أبداً.
العرض في القرآن الكريم، في سياق الحديث عن اليهود كأعداء لهذه الأُمَّة، وعن خطورتهم على هذه الأُمَّة، أتى فيه قول الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء:45]، {كَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا}: نتولاه، وفي تولينا له نرجع إلى هديه، إلى تعليماته، إلى نوره، {وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}، والأُمَّة هذه لو توكَّلت على الله، لو اهتدت بهدى الله، لو التجأت إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتحرَّكت بكل ما في أيديها من أوراق ضغط، بكل ما لديها من مقومات؛ لكانت في وضعٍ مختلفٍ تماماً، ولكن- كما قلنا- لا يتَّجهون حتى إلى الحد الأدنى من المواقف، وهي المقاطعة للعدو الإسرائيلي: المقاطعة الاقتصادية، الدبلوماسية، إغلاق الأجواء، المقاطعة الاستخباراتية، إيقاف التعاون الأمني، العمل على مستويات في الحد الأدنى من المواقف العملية، يبتعدون عن كل ذلك.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال أيضاً في (سورة آل عمران)، في سياق الخطر اليهودي على هذه الأُمَّة: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران:101]:
- عندما ننظر إلى النموذج الجهادي القائم في قطاع غزَّة، بإمكانات بسيطة جدًّا، هزم إسرائيل في جولات متعدِّدة، وصمد على مدى أربعة وعشرين شهراً هذا الصمود العظيم، كيف لو حظي بالدعم؟!
- عندما ننظر إلى نموذج المقاومة في لبنان، هزم إسرائيل هزيمة تاريخية كبرى في العام 2000، وهزيمة كبرى وذات أهمية استراتيجية لهذه الأُمَّة في 2006، وصمد وهزم العدو الإسرائيلي ومنعه من اجتياح لبنان في العام 2024، وإلَّا لاجتاح لبنان بكلها، أوقف عملية التَّوَغُّل والاجتياح في نقطة معيَّنة، ثم عندما استلمت الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية المسؤولية، هي من تفرِّط الآن، هذه حقائق جليَّة وواضحة.
- النموذج فيما يتعلَّق باليمن في هذا الصمود العظيم، الصمود في وجه العدو الإسرائيلي، في وجه العدو الأمريكي، في وجه الحصار، في وجه العدوان العسكري، الثبات العظيم لهذا الشعب، هو من منطلق إيماني، بالتوكل على الله، بالثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بالاعتداد بهذا الانتماء، بهذا الأمل الإيماني، بهذه الثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
- في جبهــة الإسنـــاد اليمنيـــة، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس):
استمرَّت عمليات الإسناد بالعمليات العسكرية بالصواريخ والمسيَّرات، نُفِّذت في هذا الأسبوع بـ (واحد وعشرين) ما بين صواريخ ومسيَّرات، منها: العملية في الأمس، التي استهدفت العدو الإسرائيلي في (أم الرشراش)، وحقَّقت إصابات، أعلن عنها العدو الإسرائيلي، (خمسين إصابة) حسب إعلانه، وكانت هذه العملية ذات أهمية كبيرة؛ لأنها حقَّقت نتائج:
- أولاً: في الاختراق لمنظومة العدو الإسرائيلي، وهذا الاختراق مستمر- بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- في عمليات كثيرة ومتكرِّرة، والفشل الإسرائيلي واضح في الاعتراض للمسيَّرات، ولبعض الصواريخ.
- كذلك مضافاً إلى ذلك: ما لها من أثر في وضع العدو الإسرائيلي: على المستوى الأمني، على المستوى النفسي والمعنوي، على المستوى الاقتصادي… وغير ذلك.
يستمر أيضاً حظر الملاحة البحرية على العدو الإسرائيلي، في مسرح العمليات الممتد من البحر الأحمر عبر باب المندب، وخليج عدن، إلى البحر العربي، وفي هذا الأسبوع أيضاً تم استهداف سفينة مخالفة لقرار الحظر.
فيمــا يتعلَّـق بالأنشطــة الشعبيــة: هي مستمرَّة في الجامعات، في: صنعاء، والحديدة، وعمران، وإب، والبيضاء… ومختلف المحافظات.
أيضـاً فيمــا يتعلَّـق بالتعبئـــة: هناك أنشطة، وعروض عسكرية، ومسير عسكري، وتخرج لدفعات إضافية أيضاً في التعبئة، في دورات التدريب والتأهيل.
أيضــاً فيمــا يتعلَّـق بالخــروج اليمنـي المليــوني: في الأسبوع الماضي بلغ إلى: )ألف وأربعمائة واثنتي عشرة) مظاهرة ومسيرة.
الموقف اليمني- بفضل الله وبتوفيقه– هو في أعلى درجات المسؤولية، ليس موقفاً متهوِّراً، ولا موقفاً عبثياً، ولا موقفاً طائشاً، هو موقف في أعلى درجات المسؤولية، وفي أعلى مستوى من الرشد والحكمة؛ لأنه مضبوط بالمعيار الإيماني، والمعيار الأخلاقي، والمعيار الإنساني، والمعيار الديني، يعني: أهم عوامل الضبط لأي موقف، ثم هو في إطار التعليمات والهداية الإلهية، توجيهات الله الصريحة والواضحة في القرآن الكريم.
ولـذلك نحن في إطار هذا الموقف، الذي هو جهادٌ في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في موقفٍ قوي، وفاعل، ومؤثِّر على العدو، وتأثيراته واضحة، مسألة: أنَّه لم يمنع العدوان بشكلٍ كامل ويوقفه عن فلسطين، هذا لا يعني التقليل من مستوى أهمية هذا الموقف، ولا يعتبر هذا أيضاً مبرِّراً لأي أحد ليتنصَّل عن فعل ما يستطيع.
هذا الموقف أثَّر على العدو الإسرائيلي تأثيرات واضحة، ثابتة، بيِّنة، في الواقع، على مستوى حظر الملاحة البحرية عليه، هذا كبَّده خسائر، هذا فِعْل له مدلول استراتيجي باعتراف كل أهل الدنيا، ما عدا الأبواق الصهيونية الرخيصة، الدنيئة، الغبية، الجاهلة، التي لا تعي، ولا تفقه، ولا تفهم، من العملاء الخونة، وليس هناك أي اعتبار ولا قيمة لتعليقاتهم أو مواقفهم، لكن كل الخبراء العسكريين، كل الجهات التي علَّقت على هذا الموضوع، من مراكز دراسات وأبحاث، وجهات مسؤولة، في الشرق والغرب، في كل أنحاء العالم، هم يدركون ويعبِّرون ويتحدَّثون عن مستوى أهمية هذا الموقف، وتأثيرات هذا الموقف.
ثم بالمعيار الإيماني والديني ما بيننا وبين الله، علينا أن نعمل ما نستطيعه، أن نتحرَّك في سبيل الله بمقدار استطاعتنا، أن نجاهد بالمال والنفس في المستوى المستطاع والمقدور، ونسعى مع ذلك لبناء واقعنا؛ وهـذا الذي هو قائم، وهذا يرضي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهذا في إطار ما أثنى الله عليه في القرآن الكريم في آياته الكثيرة، آياته عن الجهاد والمجاهدين، والمؤمنين، المستجيبين لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في حدود ما يستطيعون ويتمكَّنون، والذي نحن فيه- بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- له تأثيره الواضح، وفي نفس الوقت يستحق منَّا التضحية التي هي في سبيل الله، يقدِّرها الله، يتقبَّلها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في وعده الحق، يجزي عليها خير الجزاء في الدنيا والآخرة، ورضى الله فوق كل غاية، وفوق كل اعتبار، وفوق كل أهمية.
والبديل هو ماذا؟ استسلام الآخرين، خنوع الآخرين، خضوع الآخرين، معادلات مخزية، البديل هو الإثم، هو الوزر، هو موت الضمير الإنساني، هو التبلُّد، هو الذلَّة أمام من ضرب الله عليهم الذلَّة والمسكنة، من اليهود، من إخوة القردة والخنازير، هل يرضى إنسانٌ بذلك؟
موقفنا- بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”– يستحق مِنَّا العطاء، يستحق مِنَّا التضحية، يستحق مِنَّا الاستمرار، يستحق مِنَّا الثبات، نحن بهذا الموقف أحرار، أعِزَّاء، كرماء، نثبت حُرِّيَّتنا، نحن لم نخضع للأوامر الأمريكية، والإملاءات الإسرائيلية، نحن لم نستسلم للتهديدات والاعتداءات الأمريكية والإسرائيلية، نحن في موقف الحُرِّيَّة، والعِزَّة، والكرامة، والجهاد، في طريق رضوان الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في طريق الخير والشرف، في ميدان الكرامة والعِزَّة، أليس هذا شيئاً عظيماً؟! فيه كل الخير في الدنيا والآخرة.
الآخرون ينطلقون في مواقف تخدم الأعداء، يبذلون لها النفس والمال والوقت، ويسخِّرون في سبيلها السِّنان واللسان، ينصرون العدو الإسرائيلي بألسنتهم، بأموالهم، بأنفسهم، يقدِّمون له كل شيء؛ فيما نحن نقدِّم ما نقدِّمه لله وفي سبيل الله.
قبل أن ندعو إلى الخروج المليوني ليوم غد، هناك أيضاً تأكيد من إخوتنا في كتائب الشهيد عز الدين القسَّام، في الدعوة لأبناء أُمَّتنا العربية والإسلامية للتضرع إلى الله تعالى لكشف الكرب، ورفع الغمة عن إخوانهم الصابرين المرابطين في غزَّة المكلومة، وذلك بِالتَّوَجُّه إلى الله “عَزَّ وَجَلَّ” بركعتين خاشعتين في المساجد والساحات العامَّة بعد صلاة العشاء مباشرة، من مساء الخميس ليلة الجمعة، الموافق لهذه الليلة يعني ليلة الجمعة مساء هذا اليوم، ثم الدعاء مجدَّداً: ((لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم)) مائة مرة، مع الدعاء برفع الغمة والكرب والنصر للشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزَّاء.
مِمَّا نبَّهنا عليه في الكلمات السابقة، هو: أهمية الاستمرار في الدعاء والتضرع، من المطلوب التلبية لهذه الدعوة، والاستجابة لها بشكلٍ كبيرٍ وواسع، والاستمرار كذلك في مسألة الدعاء كجزء من اهتماماتنا المستمرَّة، الدعاء بالنصرة، الالتجاء إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا مِمَّا أكَّد عليه القرآن الكريم.
أدعو شعبنا العزيز يمن الإيمان، يمن الحُرِّيَّة، والعِزَّة، والكرامة الإنسانية، والإباء، يمن الجهاد في سبيل الله تعالى، يمن العِزَّة، والشهامة، والمروءة، والقيم، والأخلاق، يمن الوفاء، إلى الخروج المليوني يوم غد الجمعة إن شاء الله تعالى، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات والساحات:
- جهاداً في سبيل الله تعالى.
- واستجابةً لأوامر الله جلَّ وعلا.
- ونصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم.
- ووفاءً لمجاهديه الأَعِزَّاء.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.
وَالسَّـــــلَامُ عَلَـيْكُـــمْ وَرَحْـمَـــــةُ اللَّهِ وَبَــرَكَاتـــُهُ؛؛؛
أقرأ أيضا : خطابات قائد الثورة خلال شهر سبتمبر
كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة المولد النبوي الشريف 12 ربيع الأول 1447هـ– 2025م