واشنطن بين النفي والإقرار: أين تقف أمريكا من الضربات الإسرائيلية في عزة ولبنان؟
وقف إطلاق النار يتحوّل إلى مظلّة عملياتية: قراءة في الاغتيالات الأخيرة في غزة ولبنان
الحقيقة ـ جميل الحاج
تكشف عمليتا الاغتيال اللتان نُفذتا خلال الأسبوع الماضي في دير البلح وحارة حريك واستهدفتا مسؤولاً بارزاً في كتائب القسام وقائداً جهادياً في حزب الله، عن مستوى جديد من التنسيق العسكري والأمني بين الولايات المتحدة و”إسرائيل “، وفق ما تشير إليه المعطيات المتداولة في الأوساط الإعلامية والسياسية.
فالضربتان، اللتان حدثتا خلال 24 ساعة، تُقدَّمان كدليل على أنّ وقف إطلاق النار لم يتحوّل إلى مساحة تهدئة بقدر ما أصبح، بحسب هذه القراءات، إطاراً عملياتياً يتيح لـ “إسرائيل ” تنفيذ ضربات دقيقة تحت غطاء أمريكي مباشر أو غير مباشر.
تشير الوقائع المتداولة إلى أنّ التعاون العسكري الأميركي الإسرائيلي اتخذ منحى عملياتياً أكثر وضوحاً، خصوصاً مع دور القيادة المركزية الأمريكية سنتكوم في متابعة تطبيق اتفاقيات وقف إطلاق النار في غزة ولبنان.
وبحسب ما تورد هذه المصادر، فإنّ هذا الدور لا يقتصر على “المراقبة”، بل يسمح ببيئة ميدانية تُسهِّل:
ـ تعقّب خطوط الإمداد اللوجستي لقوى المقاومة.
ـ مراقبة تنقّل كوادرها، وربما استهداف بعضهم.
ـ إدارة مساحة ضغط مستمر تمنع المقاومة من إعادة بناء قدراتها بسهولة.
هذا التحول يندرج ضمن استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد تُعرف بسياسة “جزّ العشب”، غير أنّ الجِدّة هنا، وفق هذا الطرح ، هي أنّها تجري تحت رعاية أو اطلاع مباشر من ضباط أمريكيين.
تقدّم بعض التحليلات أنّ آليات مراقبة وقف إطلاق النار، سواء في كفر غات بالنسبة لغزة أو ضمن آلية في جنوبي لبنان، باتت عملياً ساحات مفتوحة لمواصلة الضغط العسكري على المقاومة، في ظل غياب إدانة أمريكية للضحايا الذين يسقطون نتيجة الغارات الإسرائيلية.
ومع تكرار عمليات الاغتيال، يزداد الاعتقاد لدى هذه الأوساط بأنّ “إسرائيل ” تستخدم الهدوء النسبي لتمرير ضربات مركّزة تستهدف المشاريع التي تعمل على إعادة بناء قدرات المقاومة، سواء كانت عسكرية أو مدنية.
إنّ استهداف شخصيتين معروفتين بدورهما في إعادة بناء القدرات العسكرية لكل من القسام وحزب الله، يُفهم ضمن القراءة السياسية المطروحة على أنّه رسالة واضحة من “تل أبيب” تهدف إلى:
ـ عرقلة جهود الإعمار العسكري بعد الحرب.
ـ منع ترميم القدرات البشرية والتنظيمية لدى الفصائل.
ـ الحفاظ على تفوّق استخباراتي في بيئة ما بعد المعركة.
ضمن هذا السياق، يُطرح أنّ تسريع وتوسيع عمليات إعادة البناء، وفق رؤية هذه القوى، هو الردّ الطبيعي لإفشال فعالية الاغتيالات.
ارتبطت عمليتا الاغتيال بمؤشرات عدّة، أبرزها:
ـ تكثيف تحليق الطائرات الأمريكية من طراز MQ-9 وMQ-4 فوق لبنان والمشرق، وهي طائرات تُستخدم غالباً في مهام استخباراتية طويلة المدى.
وطبيعة هذه الطلعات بحسب جهات رصد مختصة لا تتوافق مع مجرد مراقبة تنفيذ هدنة، بل تحمل طابع جمع معلومات عملياتية.
وهذا التزامن بين النشاط الجوي والاغتيالات يُستخدم كقرينة لدى بعض المحللين على وجود تكامل استخباراتي بين الجانبين.
رغم محاولات واشنطن نفي مشاركتها في تنفيذ الضربات، خصوصاً في لبنان، فإنّ تصريحات مسؤولين أمريكيين سابقين وحاليين تُظهر أنه تم إبلاغ واشنطن مسبقاً بتنفيذ ضربة حارة حريك، من دون الكشف عن هوية المستهدف لها بحسب المسؤول السابق في الخارجية توماس واريك، وأنه اعتبار الطباطبائي مصنفاً أمريكياً كـ “إرهابي” حسب زعمهم، ما يفسّر وفق تحليلات واشنطن عدم اعتراض الولايات المتحدة على الضربة.
ونقل تقرير إعلامي عن مسؤول في البنتاغون يشير إلى أنّ “إسرائيل ” أخطرت الإدارة الأمريكية بالعملية، لكن من دون تأكيد منح “ضوء أخضر مباشر.
هذه المواقف المتباينة تعكس رغبة أمريكية في تجنّب الظهور كطرف مباشر، مع الإبقاء على مستوى من المشاركة أو المعرفة العملياتية.
ختاماً: تُظهر القراءات المطروحة أنّ وقف إطلاق النار لم يعد إطاراً لخفض التوتر بل مساحة تعمل فيها “إسرائيل ” بمرونة أكبر، في ظل مراقبة أمريكية تُقدَّم أحياناً كغطاء وتُنفى أحياناً أخرى.
ومهما كانت دقة الاتهامات المتداولة، فإنّ ما هو واضح هو:
ـ وجود تحول في طبيعة الدور الأمريكي من إدارة السياسة الإقليمية إلى الانخراط في تفاصيل العمليات الأمنية.
ـ استخدام الهدنة كوسيلة ضغط استراتيجية لمنع إعادة تموضع القوى المعادية لـ”إسرائيل “.
ـ تسارع معركة استخباراتية تهدف لمنع بناء القدرات قبل انفجار جولة جديدة محتمَلة.
بهذا يصبح المشهد الراهن امتداداً لصراع مفتوح، حيث الاغتيال بات أداة مركزية لإدارة ميزان القوى، والتنسيق الأمريكي الإسرائيلي بدرجاته المختلفة أصبح جزءاً ثابتاً من المعادلة العملياتية.