العدوان على اليمن وتضارب الأهداف من حماية الأمن الإقليمي إلى مشروع الهيمنة
الحقيقة ـ جميل الحاج
منذ اللحظة الأولى لاندلاع العمليات العسكرية التي قادتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بدعم وإسناد أمريكي واسع النطاق ضد اليمن في مارس 2015، برزت على السطح مجموعة من المبررات والمسوغات الجاهزة في الخطاب الإقليمي والدولي.
وُضعت هذه المبررات كواجهة سياسية وإعلامية لحملة عسكرية مدمرة، كان في مقدمتها شعار “إعادة الشرعية” للحكومة المعترف بها دولياً، وحماية الأمن الإقليمي من التهديدات المتصورة، ومواجهة النفوذ الإيراني المتنامي. هذه الأهداف المعلنة هيمنت على السردية الإعلامية والدبلوماسية، وغطت على الأبعاد الحقيقية والاستراتيجية للتدخل العسكري.
في المقابل، كشفت التطورات الميدانية والتحركات السياسية عن أهداف أخرى أكثر عمقاً تتعلق بالموقع الجغرافي الاستراتيجي الفريد لليمن، وقد أوضح السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في العديد من خطاباته، أن هذه الحملة العسكرية لم تكن مجرد رد فعل سياسي عابر، بل كانت تتويجاً لمشاريع هيمنة دولية وإقليمية طويلة الأمد، ووضع “الموقع الجغرافي” لليمن في قلب السردية الحقيقية للصراع، مؤكداً أن اليمن لم يكن يوماً بلداً هامشياً أو فقيراً في نظر القوى الكبرى، بل قطعة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها أو التفريط بها.
يكمن جوهر الأهمية الجيوسياسية لليمن في إشرافه المباشر على واحد من أهم الممرات المائية في العالم، وهو مضيق باب المندب الحيوي الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، وتمر عبره نسبة كبيرة من التجارة العالمية وإمدادات الطاقة، كما يتحكم اليمن بساحل بحري طويل يمتد على مساحات شاسعة من البحر الأحمر وخليج عدن، وهي مناطق تشهد تنافساً دولياً محتدماً وطموحات للسيطرة على خطوط الملاحة وأمن الطاقة.
وأوضح السيد القائد أن هذا الموقع جعل اليمن هدفاً دائماً لمشاريع السيطرة والهيمنة، وأن الحرب الدائرة هي امتداد لهذا الصراع العالمي على الهيمنة والنفوذ.
إن القوى المشاركة في هذا العدوان، وبتوجيه أمريكي مباشر وإشراف استخباراتي إسرائيلي ضمني، حاولت ومنذ اليوم الأول الإمساك بالموانئ الحيوية والجزر الاستراتيجية والمضائق المائية، وتحويل اليمن إلى منطقة نفوذ عسكري واقتصادي مغلقة تخضع لقرار خارجي بحت، بعيداً عن سيادة الشعب اليمني وحقه في استغلال ثرواته وموقعه الاستراتيجي لمصلحته الوطنية.
هذا التقرير يسعى لاستكشاف هذه الأبعاد الخفية، وكيف شكلت المطامع الجغرافية المحرك الأساسي لمشاريع الهيمنة الدولية على حساب استقرار وسيادة اليمن.
إلى جانب الموقع الجغرافي الذي وضع اليمن في بؤرة الصراع العالمي، كشف السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي عن بعد اقتصادي محوري يكشف حقيقة الأطماع الخفية.
فاليمن، على الرغم من التوصيفات الدولية المغلوطة التي تصفه بالدولة الفقيرة، يمتلك ثروة نفطية وغازية هائلة، إضافة إلى معادن ومقدرات طبيعية متنوعة، لم يُستكشف أو يُستغل معظمها بعد، هذه الموارد الكبيرة تمثل كنزاً اقتصادياً لا يستهان به، مما يجعله هدفاً رئيساً لمشاريع السيطرة والهيمنة الدولية.
من هذا المنطلق، يتسع نطاق السردية ليكشف أن توزيع القوات الأجنبية ونفوذ الفصائل من المرتزقة التي تم تمويلها وتدريبها من قبل تحالف العدوان لم يكن عشوائياً، بل استهدف بشكل مباشر المناطق الغنية بالثروات.
وتتركز هذه التحركات العسكرية والسياسية بشكل خاص في المحافظات التي تحوي أكبر الاحتياطات النفطية والغازية، وخاصة حضرموت وشبوة، وهو ما يشير إلى أن الهدف الاقتصادي لم يكن هامشياً، بل كان ركناً أساسياً في مشروع الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
إن ما شهدته هذه المحافظات من عمليات إدارة منفصلة عن الدولة المركزية في صنعاء، وتوقيع اتفاقيات نفطية خارج المؤسسات الرسمية، وتصدير النفط والغاز إلى الخارج دون أن تعود عوائده على الشعب اليمني، يؤكد بوضوح أن النهب الممنهج لهذه الثروات هو أحد الأهداف الرئيسية للعدوان، ففي الوقت الذي يعاني فيه الشعب اليمني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، يتم استغلال موارده الطبيعية لتمويل أجندات خارجية لا تصب في مصلحة اليمنيين.
يؤكد السيد القائد أن الهدف الاقتصادي يتقاطع بشكل مباشر مع الهدف الجيوسياسي، حيث تسعى أمريكا و” إسرائيل” إلى فرض سيطرة شاملة على اليمن لضمان السيطرة على موارده الطبيعية بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي.
وهذا يكشف طبيعة المؤامرة الأمريكية والإسرائيلية وأدواتهم في المنطقة التي تستغل المعاناة الإنسانية كغطاء لنهب الثروات، وتحويل اليمن إلى مجرد ورقة في لعبة الشطرنج الدولية، إن كشف هذه الأهداف الاقتصادية المبيتة يعتبر خطوة أساسية لفهم أبعاد الصراع وتحديات السيادة الوطنية التي تواجه اليمن.
في خطابات متعددة ومتواصلة، يؤطر السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي العدوان على اليمن ضمن سياق إقليمي أوسع وأشمل، يتجاوز الحدود اليمنية ليربط بين ما يجري في اليمن وما يجري في بقية المنطقة العربية.
ويشدد على أن الهدف النهائي للولايات المتحدة و”إسرائيل” ليس محصوراً في اليمن فقط، بل تسعى القوى إلى إخضاع المنطقة كلها لنفوذهما وهيمنتهما، وتحويل الدول العربية إلى كيانات تابعة تُدار سياسياً وأمنياً واقتصادياً من قبل المحور الأمريكي والإسرائيلي، في سعي محموم لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة تحت مسمى ” الشرق الأوسط الجديد” بما يخدم مصالحهما.
ويشير السيد القائد إلى أن هذه الأجندة الشاملة تواجه عقبات في بعض الدول، ويأتي اليمن في مقدمتها، فاليمن، بحضارته المتجذرة في التاريخ وعراقته، وطابعه الإيماني الراسخ، وثقافته المقاومة التي ترفض الذل والهيمنة، يقف كعقبة كبرى وصخرة صلبة أمام المشروع الأمريكي والإسرائيلي التوسعي.
ولذلك، لم يكن العدوان على اليمن حدثاً معزولاً أو صدفة تاريخية، بل كانت جزءاً لا يتجزأ من معركة طويلة الأمد تهدف إلى كسر إرادة الشعوب الحرة، وتطويعها، وإلغاء أي صوت مقاوم يرفض التبعية.
من هنا، يبرز التأكيد المتكرر على الطابع الأمريكي الإسرائيلي المباشر في توجيه العمليات العسكرية وإدارتها وتمويلها لوجستياً واستخباراتياً، هذا الحضور المباشر أصبح أكثر وضوحاً وجلاءً في التطورات الأخيرة، خصوصاً في مسرح عمليات البحر الأحمر، حيث تتواجد القوات الأمريكية والبريطانية بشكل مباشر، وفي استهداف القدرات الدفاعية اليمنية السيادية التي بناها الشعب اليمني لحماية أمنه وسيادته ومياهه الإقليمية.
إن ربط الساحة اليمنية بالصراع الأوسع في المنطقة، وخصوصاً التطورات المتعلقة بالكيان الصهيوني، يوضح أن المعركة هي معركة وجود وسيادة ضد مشروع هيمنة شامل لا يقبل بأنصاف الحلول أو الحلول الوسط.
في سياق تحليل الأبعاد الداخلية للعدوان، حدد السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي أدوات التفكيك الداخلي كواحدة من أهم الأهداف الأساسية للتحالف المعتدي، وإن الهدف لم يكن محصوراً في السيطرة العسكرية المباشرة أو النهب الاقتصادي فحسب، بل امتد ليشمل تفتيت النسيج الاجتماعي والسياسي لليمن من الداخل، وتحويل مناطقه المتنوعة إلى مجرد ساحات نفوذ متصارعة ومتناحرة.
ويشرح السيد القائد بوضوح كيف تعتمد الولايات المتحدة و”إسرائيل” على استراتيجية خبيثة لإثارة الانقسامات المناطقية، والمذهبية، والسياسية، والقَبَلية. هذه الاستراتيجية تقوم على مبدأ “فرق تسد”، حيث تُغذَّى خطوط التوتر والانقسام داخل المجتمع اليمني بشكل ممنهج ومدروس. الهدف الأسمى من هذه السياسة هو إبقاء اليمن في حالة ضعف دائم، وغياب للاستقرار، وشلل سياسي واقتصادي يمنعه من الوقوف على قدميه كدولة موحدة وذات سيادة.
من هذا المنظور، يرى السيد القائد أن الفوضى العارمة التي تعيشها البلاد ليست نتيجة عَرَضية غير مقصودة للحرب، بل هي جزء لا يتجزأ من خطة مدروسة ومبيتة، وتهدف هذه الخطة إلى منع اليمن من بناء دولة قوية ومؤسسات فاعلة ومستقلة وقادرة على اتخاذ قراراتها السيادية.
وأن الهدف منها هو إبقاء اليمن دولة ممزقة تتنازعها سلطات متعددة، سواء كانت فصائل مسلحة مدعومة خارجياً أو إدارات محلية منفصلة، لا تمتلك قراراً موحداً ولا رؤية وطنية جامعة، مما يسهل السيطرة عليها واستغلالها من قبل القوى الخارجية.
ومضي السيد القائد إلى بعد أكثر عمقاً، وهو البعد الثقافي والهوياتي، مؤكدا أن العدوان لم يكن مجرد حرب سلاح، بل حرب فكر وصورة، تهدف إلى تشويه الإسلام كدين وتشويه الهوية الإيمانية للشعب اليمني.
ويرى أن الهجمات الإعلامية الواسعة، والحملات التي رافقت الحرب، هي جزء من مخطط أكبر لتغيير وعي المسلمين، وربط الإسلام بالعنف والفوضى، وتشويه قيمه الحضارية الأصيلة.
وأكد في عدد من خطاباته أن اليمن في قلب هذه المعركة، لأنه يحمل موروثاً دينياً عريقاً ومشروعاً ثقافياً يختلف عن النمط المشوّه الذي يعمل الأعداء على نشره.
ضمن الأهداف المعلنة والخفية للعدوان على اليمن، أكد السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي على البعد العسكري كهدف رئيسي ومحوري لهذه الحملة، وشدد على أن الولايات المتحدة و”إسرائيل”، ومن خلال وكلائهما الإقليميين، تسعيان بشكل ممنهج ومدروس إلى إزالة وتدمير أي قدرة عسكرية يمنية يمكن أن تشكّل تهديداً مباشراً أو غير مباشر لمشاريعهما التوسعية والسيطرة على مضيق باب المندب والمنطقة ككل.
إن التصعيد العسكري المستمر الذي تشهده السواحل اليمنية والمياه الإقليمية، لا سيما في الآونة الأخيرة ضمن سياق الأحداث الإقليمية في البحر الأحمر، ليس مجرد مناورات أو استهدافات تكتيكية عابرة، بل هو محاولة حثيثة لتحطيم القوة اليمنية الصاعدة، ومحاصرتها، وإعادتها إلى وضع العجز العسكري الذي كانت عليه قبل بداية العدوان، ويهدف هذا الضغط العسكري إلى تجريد اليمن من أي أوراق قوة يمكن أن يستخدمها للدفاع عن سيادته واستقلاله.
ويرى أن استهداف القدرات العسكرية لا يُعد مجرد استهداف تكتيكي ضمن العمليات العسكرية، بل هو بمثابة إجراء استراتيجي يهدف إلى إبقاء اليمن في حالة من الضعف وعدم القدرة على الدفاع عن نفسها، وهو ما يسهّل بدوره التحكم في قراراتها السيادية ومواردها من قِبل القوى الخارجية.
مع مرور السنوات وتغيّر الوقائع على الأرض، يؤكد السيد الحوثي أن شعار “إعادة الشرعية” سقط عملياً، إذ لم يعد له أي صلة بالتصرفات العسكرية والسياسية التي يقوم بها التحالف.
فالسيطرة على الموانئ والجزر، وتأسيس قواعد أجنبية، وإدارة المحافظات خارج إطار الدولة اليمنية، كلها في خطابات السيد دلائل واضحة على أن الهدف لم يكن سياسياً ولا قانونياً، بل هدفاً استراتيجياً يقوم على إعادة صياغة اليمن بالكامل.
وهكذا تتحول الرواية إلى سردية متكاملة تربط بين الأحداث الخارجية والداخلية، بين ما يجري على الأرض وما يجري في الكواليس، لتصل إلى خلاصة تؤكد أن اليمن كان ولا يزال يواجه مشروعاً يستهدف هويته وموارده وموقعه، وأن الحروب لم تكن سوى واجهة لهذا المشروع.