إرادَة الإنسان بين السعي والامتحان وإرادَة الله بين الحكمة والعدل

شاهر أحمد عمير

لم تكن علاقة الإنسان بإرادَة الله يومًا علاقة صراع أَو تضاد، بل علاقة انسجام ودروس وامتحانات، يُختبر فيها صدق السعي ونقاء النية وعمق الإيمان.. وفي الوقت الذي يسير فيه الإنسان بخطواته المحدودة، يظل القدر يمضي وفق مشيئة الله المطلقة، فيتحقّق قول الحقيقة الخالدة: “أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد”.

هذه العبارة تلخّص فلسفة الوجود الإنساني، حَيثُ يسعى الإنسان بما أوتي من عقل وقوة، ويجتهد، ويخطط، ويقاتل الظلم، ويجاهد في سبيل الله ونصرة المظلومين، لكن تبقى النتائج مربوطة بحكمة الله وعدله، فهو الأعلم بما نريد، والأعلم بما يريد عدونا، والأعلم بالمآلات التي تخفى على عقول البشر مهما بلغت معرفتهم.

وحين نعيد قراءة واقع الأُمَّــة العربية والإسلامية اليوم، ندرك أن الفجوة بين إرادَة الشعوب وإرادَة الأنظمة الحاكمة أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.

الشعوب تريد العزة والكرامة، تريد أن تقف مع غزة، تريد أن تقول كلمة الحق، تريد أن تنتصر للمظلومين في فلسطين ولبنان واليمن وبقية ساحات المواجهة.

لكن كَثيرًا من الأنظمة اختارت طريقًا آخر، طريق الصمت والتطبيع والخنوع، طريق التخلي عن الأُمَّــة في أشد لحظاتها ظلمة، وكأنها نسيت أن إرادَة الله فوق كُـلّ إرادَة، وأن حساب الشعوب قد يصبر لكنه لا ينسى، وحساب الله أعظم وأدق.

الإيمان الحقيقي لا يظهر في لحظات الراحة، بل يختبر في أوقات المحن، والإرادَة الصادقة لا تُقاس بالشعارات، بل بالمواقف.

وعندما نرى من يقف مع الحق رغم التهديد والحصار، ويدافع عن المظلوم رغم التجاهل الدولي، ويجاهد في سبيل الله بما يستطيع، ندرك أن هؤلاء فهموا جوهر الإيمان، وأنهم يوقنون أن إرادَة الله لا تخذل صاحب موقفٍ عادل.

فالله يعلم من يعمل لنصرة الحق، ويعلم من يقف إلى جانب المحتلّ أَو المهزوم نفسيًّا، ويعلم من يخون أمته في لحظة يختبر فيها التاريخ معادن الرجال.

وفي سياق ما تتعرض له غزة من حصار ومجازر وإبادة جماعية، تتجلى بوضوح فجوة الإرادات: إرادَة المقاوم الذي يقاتل بثبات، إرادَة الشعوب التي تصرخ؛ مِن أجلِ الحق، وإرادَة المحتلّ الذي يقتل ويدمّـر، وإرادَة الأنظمة التي تقف عاجزة أَو متواطئة، ثم فوق ذلك كله… إرادَة الله التي تدير المشهد من حَيثُ لا يشعر الظالمون.

وقد رأينا عبر التاريخ أن إرادَة الله لا تنتصر للباطل مهما طال الزمن، وأن الظلم لا يدوم، وأن من يقف مع المظلومين، صادقًا، مخلصًا، ثابتًا، يُكتب في سجل الله قبل أن يُكتب في سجل البشر.

إن من يتأمل المصاعب التي تمر بها الأُمَّــة اليوم يكتشف أن الله يدفعنا إلى لحظة وعي كبرى، لحظة تمييز بين من يريد نصرة الحق ومن يريد نصرة عدوه، بين من يحمل هَمَّ الأُمَّــة ومن يحمل مصالح الأجنبي، بين من يجاهد في سبيل الله ونصرة المستضعفين ومن يجاهد لإرضاء المحتلّ.

ورغم كُـلّ هذا فإن القدر يمضي وفق الحكمة الإلهية التي قد تخفى على الكثيرين، وقد يُغلق الله بابًا ليمنح الأُمَّــة بابًا أعظم، ويقصم الظالمين من حَيثُ ظنوا أنهم الأقوى.

ولأن الله يعلم ما نريد وما يريد عدونا، فإنه يهيئ الظروف، ويُسقط الحسابات، ويقلب الموازين، لتصبح قوة الظالم ضعفًا، وصمود المظلوم معجزة، وإرادَة المحتلّ خاسرة مهما امتلك من سلاح وتحالفات.

وهذا ما نراه اليوم في غزة التي كسرت أنظمة وجيوشًا في عزّ قوتها، وفي المقاومة في لبنان واليمن التي أربكت مشاريع كبرى رغم فوارق العتاد.

الإيمان الحقيقي لا ينفصل عن الوعي السياسي، ولا عن الموقف الأخلاقي.

ومن يفهم أن الله يفعل ما يريد يدرك أن عليه أن يعمل، لكن دون أن يتكبر على القدر، وأن يسعى، دون أن يغفل أن القرار النهائي بيد الله.

وهذا الفهم هو ما يمنح المؤمن ثباتًا، ويمنح المظلوم أملًا، ويمنح المجاهد يقينًا بأن نصر الله آتٍ ولو بعد حين.

وهكذا، تبقى القاعدة الأبدية ثابتة: نحن نريد، وعدونا يريد، لكن الله يفعل ما يريد.

ومن كان الله إلى جانبه فلن يهزمه أحد، ومن كانت نيته نصرة المظلومين فلن يضيعه الله، ومن وقف مع الحق فسيأتيه نصر الله ولو كره المنافقون.

قد يعجبك ايضا