من الخيال العلمي إلى الواقع المرّ: تقارير دولية تعلن “وفاة” مشروع نيوم العملاق
تداعيات خطيرة: فشل ذا لاين يهدد مصداقية رؤية 2030 ويكشف هشاشة الاقتصاد السعودي
مراجعات قسرية وتخفيضات حادة… هل تتخلى السعودية عن أكبر مشاريعها الطموحة؟
فشل مشروع نيوم.. تداعيات مالية وسياسية تهز طموحات السعودية
الحقيقة ـ جميل الحاج
بعد ما يقرب من عقدٍ من الزمن على إطلاق رؤية 2030 بوساطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يبدو أن أحد أبرز مشاريعها، مدينة نيوم وخصوصًا مشروع “ذا لاين”، يواجه أزمة خطيرة من حيث التمويل والتنفيذ، ما يثير تساؤلات حول جدوى الطموحات الكبرى التي رُوج لها إعلاميًا.
من الحلم الطموح إلى مراجعة القائمين
في أبريل 2016، أعلن الأمير محمد بن سلمان عن رؤية طموحة تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي بعيدًا عن النفط، وإنشاء مشاريع ضخمة ومستقبلية تعيد تشكيل البنية التحتية للمملكة. وكان مشروع نيوم من أهم هذه الرؤية، حيث شُرع في بناء مدينة ذكية على البحر الأحمر، تضم مدينة خطية (“ذا لاين”) بطول يصل لـ 170 كيلومترًا، مغطاة بالزجاج، وتُدار بتقنيات حديثة للنقل والبنية التحتية.
لكن التقارير الحديثة تكشف أن صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، الذي يمول نيوم، أُجبر على إطلاق مراجعة استراتيجية واسعة لمشروع “ذا لاين”، وذلك بسبب ضغوط مالية متزايدة.
وفق تقرير من CNBC، فقد استعانت السعودية بشركات استشارية لتقييم جدوى المشروع من جديد، مع التركيز على التكلفة وإمكانية استكماله ضمن أولويات واقعية في ظل بيئة تمويل متشددة.
الأرقام تتحدث: ارتفاع التكاليف وأزمة السيولة
ما كان في البداية مشروعًا يُقدّر بـ 500 مليار دولار، أصبح اليوم عبئًا ماليًا ضخمًا: وفقًا لتقارير متعددة، قد تصل التكلفة المستقبلية لنيوم إلى 8.8 تريليون دولار، استنادًا إلى مراجعة داخلية.
تقرير داخلي، نقلته وسائل إعلام، يشير إلى أن جزءًا من القيادة التنفيذية لـ نيوم بدعم من استشاريين خارجيين مثل ماكينزي، وقد استُخدمت افتراضات مالية مبالغ فيها لتبرير الإنفاق الضخم.
أيضًا، وجدت هذه المراجعة «تلاعبًا متعمدًا» في الأرقام من بعض أعضاء الإدارة، ما أثار شكوكًا حول الشفافية والمساءلة.
تقليص الخدمات والتنفيذ الفعلي
رغم التصاميم الطموحة التي تروّج لمدينة بطول 170 كم، إلا أن الواقع مغاير: بعض التقارير تشير إلى تقليص كبير في نطاق “ذا لاين”، حيث تخطط السعودية الآن لإنجاز نحو 2.4 كم فقط بحلول رؤية 2030، بدلًا من الأهداف الأصلية الكبيرة.
كما أفادت مصادر بأن قوة العمل في موقع نيوم قد انخفضت بشكل كبير، مع إعادة توطين مئات الموظفين إلى الرياض، ما يعكس إعادة تقييم للأولويات التشغيلية.
المشاكل الهندسية “الخيالية” والحلم المستحيل
لم تقتصر الأزمات على الجانب المالي فحسب؛ هناك تحفظات هندسية كبيرة، وفق تحقيقات إعلامية، تصميم “ذا لاين” يواجه تحديات فيزيائية، فالأبراج الزجاجية المرتفعة جدًا، والهياكل المعلقة، تثير تساؤلات حول جدوى بنائها فعليًا.
المهندسون يشيرون إلى أن بعض التصاميم قد تخالف قوانين الجاذبية، وهناك مخاطر متعلقة بحركة المباني وتأرجحها، وهو ما يضع المشروع على مفترق بين الطموح والواقع.
تبعات اقتصادية وسياسية
ضغوط الميزانية: تزامن ارتفاع تكاليف نيوم مع تراجع عائدات النفط، مما يزيد العبء على خزينة الدولة.
ثقة المستثمرين: فشل جذب استثمارات أجنبية كبيرة، إلى جانب تأخر تسليم المرافق، يقلّل من مصداقية المشروع كاستثمار مناسب.
إعادة ترتيب أولويات رؤية 2030: مع إعادة التقييم، يبدو أن القيادة السعودية تميل إلى التركيز على مشروعات ذات عائد سريع مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بدلًا من المدن العمرانية الضخمة.
المخاطر السياسية: فالفشل في مشروع رمزي كهذا يُضعف من مصداقية الرؤية الكبرى التي بناها بن سلمان، وقد يُعطي خصومه مادة نقدية كبيرة، داخليًا وخارجيًا.
هل انهار الحلم؟
رغم التصريحات الرسمية التي تؤكد أن “ذا لاين” لا يزال هدفًا طويل الأجل ضمن رؤية 2030، إلا أن الحقائق الميدانية والتقارير المستقلة تشير إلى أزمة عميقة: من الأرقام المالية المقلقة إلى التحديات الهندسية الثقيلة، إضافة إلى المراجعة الشاملة التي يطلقها صندوق الاستثمارات.
ما بدأ كحلم طموح تحول إلى اختبار حقيقي لقدرة القيادة السعودية على تنفيذ مشاريع عملاقة في الواقع، وليس فقط على الورق.
وفي حال استمر الحال على هذا المنوال، قد يكون “نيوم” مثالًا على مدى صعوبة ترجمة الرؤى الطموحة إلى حقيقة مستدامة.