الذكرى السنوية للشهيد: بين الوفاء والمسؤولية

شعفل علي عمير

في لحظةٍ يعلو فيها الصمتُ على الأصوات، ويتوقّف فيها الزمنُ احترامًا للتضحية، يحتفل اليمنيون كُـلَّ عامٍ بالذكرى السنوية للشهيد؛ ليس كطقسٍ تقليدي، بل كواجبٍ وطني وأخلاقي، يُجسّد اعتراف الأحياء بجميلِ من وهبوا أرواحهم فداءً للوطن.

هؤلاء الرجال، الذين لم يتردّدوا لحظةً في أن يدفعوا أغلى ما يملكون؛ مِن أجلِ أن نعيش في أمان وكرامة، يستحقّون منّا أكثر من الذاكرة؛ يستحقّون أن نبني على دمائهم واقعًا يليق بتضحياتهم.

لقد كان شهداء اليمن والمقاومة الدرعَ الحصين الذي صدّ العدوان، والجبهةَ الصُّلبة التي تحطّمت عليها مخطّطات الأعداء الرامية إلى النيل من سيادة الوطن واستقلاله.

لم يكونوا يدافعون عن حدودٍ جغرافية فحسب، بل عن هُــويةٍ وكرامةٍ ومستقبل.

وبفضل إيمانهم الراسخ وعزيمتهم التي لا تُقهَر، بات أبناؤنا اليوم ينعمون بواقعٍ أكثر أمنًا وحرية، وأصبحت الأرض التي سالت عليها دماؤهم رمزًا حيًّا لأحلامهم في غدٍ أفضل.

في الشهيد، تجسّدت أسمى صور الإيثار.

لم يحمل سلاحه طلبًا للمجد، بل دفاعًا عن الحق.

لم ينطلق إلى ميادين الشرف؛ طمعًا في الحياة، بل استجابة لنداء الواجب.

رسم لنا بدمه دروبَ الحرية، وترك لنا إرثًا من البطولة لا يُقاس بالكلمات، بل بالأفعال.

وتضحياته ليست مُجَـرّد ذكرى نستحضرها في يومٍ من العام، بل شمعةٌ تُضيء لنا طريق المستقبل، ومحفّزٌ دائمٌ على مواصلة المسير نحو العدالة والكرامة.

ومن هنا، فَــإنَّ إحياء ذكرى الشهيد لا ينبغي أن يقتصر على الكلمات المؤثرة أَو الاحتفالات الرمزية، بل يجب أن يتحوّل إلى التزام جماعي بالحفاظ على ما دفعوا ثمنه دمًا.

فكل لحظة سلام نعيشها، وكل نفس حرّ نتنفّسه، هي هبةٌ من هؤلاء الأبطال.

ومن واجبنا أن نحمي هذه الأمانة، ونواصل الدفاع عن القيم التي استُشهدوا؛ مِن أجلِها، بنفس الروح التي ميّزتهم: روح الإيمان، والتضحية، والثبات.

الأمر لا يقف عند الامتنان فحسب، بل يمتدّ إلى المسؤولية تجاه الأجيال القادمة.

فنحن مطالبون بأن نُورّث أبناءنا سِيَرَ هؤلاء الأبطال، لا كحكاياتٍ من زمنٍ مضى، بل كدروسٍ حيّة في الشجاعة والكرامة والانتماء.

يجب أن تصبح قصص الشهداء جزءًا من وجدان الأُمَّــة، تُغرس في نفوس الصغار قبل الكبار، لتظلّ نبراسًا يُضيء طريق المستقبل، ويُلهِم الأجيال بقيم العطاء والفداء.

وفي هذا المقام، نرفع أكفّ الدعاء أن يتغمّد الله أرواح شهدائنا الطاهرة برحمته الواسعة، وأن يسكنهم فسيح جنّاته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

ونسأله سبحانه أن يعيننا على حمل الأمانة، ومواصلة المسيرة التي بدأوها، رافعين راية الحق والحرية عاليةً في كُـلّ زمانٍ ومكان.

الشهيد ليس غائبًا، طالما بقيت ذكراه حيّة في قلوبنا، وطالما بقينا أوفياء لتضحيته.

فلنكن عند حُسن ظنّه، ولنجعلْ من ذكراه دافعًا للبناء، لا مُجَـرّد مناسبةٍ للبكاء.

فالتقديرُ الحقيقي للشهيد لا يكون بالدموع وحدَها، بل بالعمل على إبقاء دينِه حرًّا، كريمًا، عزيزًا، كما أراد.

قد يعجبك ايضا