المنظمات العابرة للحدود: إنسانيةٌ في الشعار.. قاتلةٌ في الخفاء!
رهيب التبعي
لم تعد المنظمات التي تتحَرّك تحت لافتات الإنسانية والحقوق مُجَـرّد جهات تقدم برامج ظاهرها الدعم والتنمية، بل أصبحت جزءًا من منظومة عالمية تعمل بصمت لإعادة تشكيل وعي الشعوب، وتفكيك قيم المجتمعات، وإضعاف الروابط التي تحفظ هوية الإنسان وتماسكه الأخلاقي.
إنها تأتي بشعار “الإنسان أولًا”، بينما تُخفِي في الأعماق مشاريع تستهدف هذا الإنسان نفسه؛ فتسلبه مناعته، وتجرّده من قيمه، وتعيد صياغته بما يخدم مصالح الخارج.
تبدأ هذه المؤسّسات عملها بخطوات تبدو بريئة وهادئة: محاضرات وندوات وورش عمل تحمل عناوين براقة لا تثير الشك.
لكن ما يجري خلف هذه الواجهات هو بناء مسار طويل من التأثير الناعم الذي يستهدف ضرب القيم الإيمانية والأخلاقية، وتشويه المفاهيم، وتطبيع ثقافة الانحلال تحت مسميات “الحرية” و”الحقوق الفردية”.
وحين يفقد الإنسانُ انتماءَه الأخلاقي، يصبح أدَاةً سهلةً للتوظيف في مشاريع سياسية أَو ثقافية بعيدة كُـلّ البعد عن مصلحة مجتمعه.
وتستغل هذه المنظماتُ الظروفَ الاقتصادية الصعبة، فتستخدم المال كأدَاة لتوجيه العقول والسيطرة على المواقف.
فالفقر بالنسبة لها ليس قضية إنسانية تحتاج إلى حلول، بل هو مدخل للهيمنة؛ إذ يتحول الإنسان المحتاج إلى تابع مضطر، يقبل بكل ما يُقدَّم له، حتى لو كان على حساب قناعاته.
وهكذا، يصبح المال، بدلًا عن أن يكون وسيلة لرفع المعاناة، سلاحًا لترويض الضحايا وإسكات أصواتهم.
أما الفئاتُ التي تفتقرُ إلى الوعي والحصانة المعرفية؛ فهي الأكثر عرضة للاستقطاب.
يتم إقناعها بسرعة، وتُساق بسهولة، وتُعاد صياغتها فكريًّا حتى تصبح جُزءًا من المشروع الخفي.
تُقدَّم المبادئ الدخيلة على أنها “حقوق”، والقيم المنحلة على أنها “تقدم”، والانفلات على أنه “حرية”.
ومع تكرار الرسائل وتراكم الدورات، يجد البعض أنفسهم وقد انتقلوا دون وعي من دائرة المبادئ الراسخة إلى دائرة التبعية الفكرية.
وحين تنكشف حقيقة هذه المنظمات، يكون الكثير قد تغير دون أن يشعر المجتمع.
فالمظهر الإنساني لم يتبدل، لكن النتائج على الأرض تكشف أثرًا مدمّـرًا: تراجع في الالتزام، تفكك في القيم، وضياع في المفاهيم.
إنها ضرباتٌ صامتة لكنها قاتلة، تعمل في الخفاء بأدوات ناعمة لا تُحدث ضجيجًا، لكنها تُحدث أخطر أنواع الانهيار: انهيار الإنسان من الداخل.
لهذا، فَــإنَّ حماية المجتمع من هذا النوع من الغزو لا تكون بالصدام المباشر، بل بالوعي، وببناء مناعة ثقافية وإيمانية قوية.
إنها مسؤولية تبدأ من الأسرة، وتمر بالتعليم والإعلام والمسجد، لتحصين الإنسان حتى يبقى ثابتًا أمام هذه الموجات، قادرًا على التمييز بين عمل إنساني حقيقي، ومشروع أجنبي يرتدي قناع الإنسانية ليقتلها.