اليمن هو الاستثناء العربي في وحدة الموقف الشعبي والرسمي لنصرة غزة
مرتضى الحمران
في الوقت الذي تعاني فيه القضية الفلسطينية من خذلان رسمي عربي غير مسبوق، برز اليمن – وتحديدًا صنعاء – كنموذج فريد يتجلى فيه الانسجام النادر بين موقف الشعب وموقف الدولة في نصرة غزة، لا على مستوى الشعارات فقط، بل في أفعال عسكرية واستراتيجية أثّرت فعليًا في مسار الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خرجت بعض الشعوب العربية، في مظاهرات غاضبة تطالب بوقف المجازر ودعم المقاومة الفلسطينية. لكن معظم هذه التحركات اصطدمت بـصمت حكومي رسمي، أو تواطؤ واضح مع الضغوط الغربية، بل إن بعض الدول منعت التظاهرات وضيّقت على الناشطين، وواصلت التنسيق الأمني أو العلاقات التجارية مع كيان الاحتلال.
في المقابل، ظهرت اليمن – الواقعة تحت الحصار منذ أكثر من 9 سنوات – كقوة مغايرة تمامًا للمشهد العربي المأزوم, فرغم العدوان والحصار والضائقة الاقتصادية والانقسام السياسي، خرج النظام مع الشعب في موقف واضح وصريح مساند للمقاومة الفلسطينية، ورافض للهيمنة الصهيونية الغربية.
لم يكتفِ اليمنيون بالبيانات ولا بالتظاهرات الرمزية، بل انتقلوا إلى الجهاد المباشر، حيث أعلنت القوات المسلحة اليمنية تنفيذ عمليات بحرية ضد السفن المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي، وشكّلت هذه العمليات تحولًا استراتيجيًا غير مسبوق في معادلة الصراع.
وما يجعل الحالة اليمنية استثنائية هو أن القيادة السياسية في صنعاء تعكس بدقة نبض الشارع اليمني، بل تسبق الجماهير في بعض الأحيان بخطوات، فتتخذ مواقف جريئة في ظل تردد الآخرين, وهذا التناغم الكامل بين النظام والشعب في الموقف من فلسطين يكاد يكون معدومًا العواصم العربية.
وفي الوقت الذي تشهد فيه الشعوب العربية الأخرى انقسامًا حادًا بين الإرادة الشعبية المناصرة لغزة وبين الموقف الرسمي الذي يخشى “إغضاب واشنطن”، يثبت اليمنيون أن القرار المستقل والسيادة الوطنية هما الركيزة الأساس لنصرة قضايا الأمة.
اللافت في الموقف اليمني أن نصرة فلسطين ليست خيارًا سياسيًا ظرفيًا بل عقيدة راسخة، تتصدر الخطاب الرسمي والإعلامي والديني، وتمتد من مناهج التعليم إلى ثقافة الشارع, ومن هنا، فإن العداء للعدو الصهيوني في صنعاء ليس مجرد شعار موسمي، بل جزء من هوية سياسية وعقدية متجذرة.
والأكثر إثارة للإعجاب أن اليمن يخوض هذه المعركة وهو يرزح تحت حصار دولي وحرب مستمرة منذ نحو عقد من الزمن, ومع ذلك، لم تمنعه معاناته من أن يكون البلد الوحيد الذي يخوض اشتباكًا فعليًا مع الاحتلال الإسرائيلي من خارج فلسطين، وهو بذلك يُحرج العواصم العربية “المستقرة” التي لم تتجاوز حدود الإدانة اللفظية.
وأمام فظائع الاحتلال الإسرائيلي في غزة ، أثبت اليمن – شعبًا ونظامًا – أنه الاستثناء العربي الذي يُشرّف الأمة ويعيد المعنى الحقيقي للجهاد والمقاومة والانتماء.
إنه صوت الذين لا يساومون، ولا ينتظرون موافقة أحد للدفاع عن الحق.
وفي هذا الزمن العربي المتردي، يبقى اليمن هو البوصلة الأخلاقية والسياسية الوحيدة التي لم تنحرف عن مسار فلسطين.