اليمن .. هزيمة العدوان وسقوط الهيمنة
شكل العدوان على اليمن في العام 2015م وصولاً إلى التدخل الأميركي البريطاني عام 2024م والعدوان الإسرائيلي مساراً متصلاً في بنيته وأهدافه، لا باعتباره سلسلة أحداث منفصلة، بل كجزء من استراتيجية واحدة تستهدف تعطيل تَشكّل دولة يمنية مستقلة القرار ذات حضور إقليمي مؤثر. فقد تم تسويق العدوان الأول تحت مبرر “استعادة الشرعية”، بينما تم تغليف العدوان الثاني تحت شعار “حماية الملاحة الدولية”. وعلى الرغم من اختلاف المسوغات الإعلامية والشعارات الدعائية، فإن كليهما يعكس توجهاً موحداً لإخضاع اليمن وإبقائه ضمن دائرة الهيمنة السياسية والعسكرية الأمريكية، ومنع أي تحول داخلي يقود إلى بناء سلطة وطنية مستقلة.
قال السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطابه بمناسبة الذكرى الثامنة للعدوان السعودي الأمريكي “اليوم الوطني للصمود” 1444هـ أن ” العدوان هدف إلى احتلال بلدنا والسيطرة التامة على شعبنا والمصادرة لحريتنا واستقلالنا بغية استعبادنا” يظهر أن من أول أهداف العدوان على اليمن هو احتلاله واستعباد أبنائه ولم يكن العدوان مجرد صراع عسكري مفاجئ أضطرت دول العدوان لشنه على اليمن لحماية أمنها ومصالحها كما تدعي، بل مشروعاً استعمارياً متكاملاً يهدف إلى إخضاع اليمن للوصاية الخارجية والسيطرة على قرارها الوطني.
لقد عمد المعتدون إلى إضعاف مؤسسات الدولة، وتفكيك النسيج الاجتماعي، واستنزاف الموارد الطبيعية، وتحويل اليمن إلى ساحة خاضعة للمصالح الأمريكية والبريطانية والقوى الإقليمية الداعمة لها، بما يضمن إخضاع الشعب اليمني سياسياً واقتصادياً وأمنياً. ولم يقتصر هذا العدوان على العمليات العسكرية المباشرة، بل ترافق مع حصار خانق، وتجويع ممنهج، واستهداف الموارد الحيوية، وإدارة اقتصادية مفروضة من الخارج، كل ذلك بهدف استكمال مصادرة حرية الشعب اليمني وحقه في تقرير مصيره الوطني.
شهدت اليمن خلال السنوات الماضية عمليات ممنهجة لنهب ثرواتها الوطنية من قبل قوى العدوان ومرتزقتها المحليين، وتركزت هذه العمليات على الموارد الحيوية الأساسية، لا سيما النفط والغاز الطبيعي. فقد تم تصدير ملايين البراميل من النفط الخام من ميناء الشحر في حضرموت، بأحمال تجاوزت مليونين وثلاثمائة ألف برميل، وبقيمة تقدّر بمئات المليارات من الريالات، في حين ظل اليمنيون يعيشون واقعًا مأساويًا من الحرمان وانقطاع الخدمات الأساسية. ولم يقتصر النهب على النفط الخام فقط، بل شمل أيضًا الغاز الطبيعي والإيرادات الأخرى من المعادن والموانئ الحيوية، ما أدى إلى تجميد فرص التنمية الاقتصادية وحرمان الدولة من الموارد اللازمة لدفع الرواتب وخصوصا بعد نقل البنك المركزي إلى عدن المحتلة.
وقد ساهمت هذه العمليات في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وجعلت الشعب اليمني رهينة لمخططات قوى العدوان، حيث استُغلت الثروات الوطنية لتعزيز السيطرة السياسية والاقتصادية وإخضاع البلد للهيمنة الخارجية. كما ساعد نهب الموانئ والمرافق الحيوية في إبقاء اليمن في دائرة الفقر والمعاناة، مع تعطيل أي استفادة وطنية من موقعه الجغرافي الاستراتيجي وثرواته الطبيعية. وتشير التقديرات إلى أن حجم الاستنزاف من النفط الخام وحده بلغ نحو ثلاثمائة مليون دولار شهرياً، وهو مبلغ كان كافياً لتغطية احتياجات الموظفين والخدمات الأساسية لعدة أشهر، ما يعكس الطبيعة الشاملة للعدوان وتأثيراته المباشرة على الاقتصاد الوطني.
قامت القوات المسلحة اليمنية باتخاذ خطوات حاسمة لوقف عملية نهب الثروات الوطنية، حيث أعلنت فرض حظر على نقل وتصدير المشتقات النفطية السيادية، ونفذت ضربة دقيقة استهدفت ميناء الضبة في حضرموت كإجراء ضروري لإيقاف تصدير النفط اليمني خارج إطار مصلحة الشعب، ومنع استمراره دون انعكاس مالي حقيقي على المرتبات والخدمات العامة. ويؤكد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطابه بذكرى استشهاد الشهيد القائد 1444هـ هذه السياسة الوطنية بقوله: «إن منع نهب الثروات الوطنية فيما يتعلق بالنفط وتسويق النفط اليمني إلى أسواق الخارج وسرقة ثمنه، نحن نمنع ذلك، ونجحنا – بفضل الله سبحانه وتعالى – في منعهم من ذلك؛ منعنا السفن التي تأتي لتحميل النفط، والباخرات التي كانت تأتي إلى ساحل حضرموت أو إلى ساحل شبوة، منعناها». كما أشار إلى دقة العمل العسكري المرافق لهذه السياسة قائلاً: «تمكنت القوة الصاروخية من إصابة حتى الحنفية “البزبوز” في ميناء حضرموت إصابة دقيقة جداً، بتوفيق الله وتسديده سبحانه وتعالى»، وهو ما يعكس مستوى الجدية والالتزام في حماية الثروة الوطنية ومنع العبث بمقدرات الشعب اليمني.
وتبرز هذه الحقائق أن نهب الثروات كان أداة استراتيجية تهدف إلى استمرار الهيمنة والسيطرة، وإدامة حالة الفقر والمعاناة، وإبعاد الشعب اليمني عن ممارسة حقوقه المشروعة في التنمية والاستقلال الوطني والعيش الكريم، بما يمكّن القوى الأجنبية والمرتزقة المحليين من ممارسة نفوذهم واستغلال الموارد لصالح أجنداتهم الخاصة على حساب مصالح الوطن والمواطن.
كان سقوط الهيمنة الأمريكية على اليمن بعد ثورة 21 سبتمبر أحد المحركات الأساسية التي دفعت قوى العدوان إلى شن حربها على اليمن، في محاولة لإعادة النفوذ والحضور الأمريكي إلى مركز القرار في صنعاء. إلا أنه، وبعد عشر سنوات من العدوان بأساليبه المتنوعة من القصف العسكري والحرب الاقتصادية والإعلامية واستهداف النسيج الاجتماعي وصولًا إلى أدوات الحرب الناعمة، أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن مشروعها في إعادة اليمن إلى مربع الوصاية قد فشل، وأن الشعب اليمني تجاوز مرحلة التأثير الخارجي وأثبت قدرته على امتلاك قراره السيادي بإرادة وطنية صلبة. ومع ارتفاع مستوى الوعي الشعبي وتماسك الجبهة الداخلية وتطور القدرات الدفاعية والردعية، وجدت واشنطن نفسها أمام يمنٍ حرٍ مستقلٍ لم يعد قابلًا للإملاءات أو التبعية، وهو ما رسّخ تحولًا تاريخيًا في موقع اليمن السياسي والاستراتيجي وأثبت استحالة عودة الهيمنة الخارجية عليه. وفي هذا السياق، أكد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في كلمته بذكرى الهروب المُذل للمارينز الأمريكي من العاصمة صنعاء 1444هـ أن “النّعمة عظيمة على شعبنا العزيز في تحرّره من الهيمنة والسيطرة الأمريكية”
ويأتي موقف اليمن في إسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة كنتيجة مباشرة لتحرره من الهيمنة والسيطرة الأمريكية. وقد أوضح السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي هذه الحقيقة في كلمته بذكرى الهروب المُذل للمارينز الأمريكي من صنعاء 1444هـ بقوله: “موقف بلدنا رسمياً وشعبياً ما كان ليكون بذلك المستوى الصادق والجاد في إسناده للشعب الفلسطيني لولا التوجه المتحرر من الهيمنة الأمريكية»، مشيرا إلى أن الموقف اليمني المناهض للهيمنة والعدوان على غزة يعبر عن إرادة الشعب اليمني وينسجم مع هويته الإيمانية الأصيلة. وأكد أن دعم جبهات الإسناد للشعب الفلسطيني جاء لأنها قوى متحررة من الهيمنة الأمريكية وليست خاضعة لتوجيهات أو ضغوط أجنبية. كما شدد في ذات الخطاب على أن “الخلاص من الهيمنة الأمريكية حفظَ لشعبنا العزيز كرامته الإنسانية وحريته واستقلاله وحفظ له عزته الإيمانية”.