عامان على الطوفان

عدنان عبدالله الجنيد

مرّ عامان على زلزال «طوفان الأقصى»، ذلك اليوم الذي لم يكن مُجَـرّد عملية عسكرية، بل كان طلقة وَعدٍ مُلزِم، وضرورة إلهية لاسترداد كرامة أُمَّـة طالما نسيت أن الحرية لا تُشترى بالمساومات، بل تُستحق بالدم والإرادَة.

اليوم، تثبت غزة – المثخَنة بالجراح، المُحاطة بالجبروت – أن الأرض المظلومة إذَا تمسّكت بحقها، فَــإنَّها تغلب أعظم أساليب القهر والقوة.

وأن صبر شعبٍ يروي ترابه بدمائه لا يُضيّعه الله، بل يصنع منه معجزة التحرير.

وها هي غزة تكلّم التاريخ من بين الركام:

«إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» (الشرح: 6).

الركن الأول: الأسرى – سلاح لا يُرام

لم يكن الأسرى وسيلة تكتيكية فحسب، بل كانوا رسالة استراتيجية: رسالة القوة التي تخرق جدران الجبروت.

بسرّ الأنفاق وحنكة المقاتلين، تحول الأسرى إلى سلاح ردعٍ فعّال، أجبر أعتى جيشٍ في المنطقة على الجلوس إلى طاولة لم يكن يتصور أن يُجبر عليها.

«وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ» (إبراهيم: 42).

الركن الثاني: اليمن – صاعقة البحر

ماذا لو أطبق البحر على قوافل الهيمنة؟

العمليات اليمنية في البحر الأحمر لم تكن هجمات عشوائية، بل كانت صفعة تأديبٍ موجعة لأعظم القوى، تمسّ شريانها الاقتصادي الحيوي، وتُذكّر العالم أن صورة العدل لا تُهان، وأن الحرية لا تُشترى بسعر النفط.

اليمن، بقوته الشعبيّة الباسلة، بات كابوسًا يرعد في أروقة البيت الأبيض، ويُحوّل أحلام الهيمنة الأمريكية إلى كوابيس لا تنتهي.

«وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ» (الحج: 40).

ولن تهدأ البحار حتى تهدأ القلوب في غزة.

الركن الثالث: حزب الله – حصن الشمال

لم يكن حزب الله ظلًّا داعمًا، بل كان جبلًا يُرعد فيرعد العدوّ.

بفتح جبهة الشمال، شتّت الجهود، وأرغم الكيان على تقسيم قوّاته بين جنوب وشمال، ليتحول شمال فلسطين المحتلّة إلى جحيمٍ مستعرٍ يلتهم ميزانيات الأمن الصهيوني، ويجعل كُـلّ جندي إسرائيلي يخشى نزول الليل.

وهنا تكمن وحدة المصير الحقيقية:

«مَا تَقْبَلُهُ حَمَاسٌ يَقْبَلُهُ الْمَحْوَرُ».

«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جميعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» (آل عمران: 103).

الركن الرابع: سرّ الصمود – دم الشهداء

الصمود ليس في الحجارة ولا في الصواريخ وحدها، بل في الولاية الإلهية التي تجعل من القلب حصنًا، ومن الدم بذرةً تنبت شجرة الحرية.

الشهداء لم يموتوا؛ بل هم أحياءٌ يرزقون، وهم من يُحيون الأُمَّــة بإيمانهم وتضحياتهم.

«وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» (آل عمران: 169).

الركن الخامس: صرخة العالم – لغة الإنسانية

صور المجازر كسرت حجاب الصمت العالمي.

خرجت الملايين في كُـلّ قارة، من طوكيو إلى بوينس آيرس، من جاكرتا إلى لندن، تنادي باسم الإنسان، لا باسم السياسة.

هذا هو التضامن الحقيقي: لغة القلب التي لا تحتاج ترجمة، وتحَرّك ضمير البشرية النائم.

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» (الحجرات: 13).

الركن السادس: خيانة القاصدين – صفعة الحق

لم تكن الخيانة فقط في الصمت، بل في التواطؤ مع الجلاد.

لقد وجه أبو عبيدة كلمةً كالسيف:

«أَنْتُمْ خُصُومُنَا أَمَامَ اللَّهِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ».

وصدق الله حين قال:

«وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الأرض قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ» (البقرة: 11).

الركن السابع: «وَإِن عُدْتُمْ عُدْنَا» – وعد الأبطال

ليست هذه الكلمات تهديدًا، بل وعدًا إلهيًّا متجسّدًا على الأرض.

«وَإِن عُدْتُمْ عُدْنَا» ليست مُجَـرّد شعار، بل هي بشارة بأن كُـلّ عدوان جديد سيفجّر ردًّا أعظم، يهزّ عروش التكبر من تل أبيب إلى واشنطن.

«وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا» (الشورى: 40).

الخاتمة: صلح الحديبية العصري – حكمة الغالبين

قبول حماس بالصفقة ليس ضعفًا، بل هو حكمة الغالبين.

إنه فنّ المناورة الاستراتيجية، حَيثُ يُقدّم التنازل المؤقت لانتصار دائم.

هذه الصفقة ستكون، بإذن الله، بداية النهاية لأُسطورة “القوة الإسرائيلية التي لا تُقهَر”.

أما ترامب، فقد أضاع هيبة القوة الأمريكية بسياساته العنصرية ودعمه الأعمى للإبادة، فباتت واشنطن تدافع عن جرائم تناقض كُـلّ القيم التي تدّعي حمايتها.

وسيكون إرثه التاريخي: رجلٌ أضاع أعظم قوة في التاريخ بغروره.

وأما نتنياهو، فقد دفع بكيانه إلى المصير المحتوم، فصنع من نفسه رمزًا للإبادة، ومن جيشه أضحوكة عسكرية عاجزة عن مواجهة أبطال الأنفاق، الذين لا يملكون دبابات، لكنهم يملكون إيمانًا لا يُقهَر.

في الذكرى الثانية لـ«طوفان الأقصى»، لا نحتفل بالنصر بعد، لكننا نُعلن أن النصر قادم؛ لأَنَّ الحق لا يُهزم، ولأن الدم الذي سُفِكَ على أرض فلسطين لن يضيع هدرًا.

قد يعجبك ايضا