المولد النبوي الشريف وغزة صمود الأُمَّــة في وجه الطغيان

شاهر أحمد عمير

يعيش العالَمُ اليوم على وقع واحدةٍ من أبشع الجرائم في التاريخ الحديث، حَيثُ تحولت غزة إلى محرقة مفتوحة أُمطرت بأطنان من القنابل والصواريخ، فتهدمت المنازل فوق ساكنيها، ودمّـرت المساجد والمستشفيات والمدارس، وتحولت شوارع القطاع الصغير إلى أنقاض تغطيها دماء الأطفال والنساء والشيوخ. وما يحدث هناك ليس مُجَـرّد صراعٍ عابر، بل إبادة جماعية مكتملة الأركان تكشف سقوط القيم الإنسانية، وتعرّي عجز العالم وصمته المخزي أمام الظلم.

ورغم هذا الدمار الهائل، أثبتت غزة أن الإرادَة أقوى من الحديد والنار، وأن صمود الشعوب المؤمنة بعدالة قضيتها لا يُقهر. فالصمود الغزّي ليس ردّ فعلٍ عابرًا، بل رسالةٌ للأُمَّـة بأسرها: أن الحق لا يموت، وأن المستكبرين مهما امتلكوا من قوة، لن يستطيعوا كسر عزيمة الشعوب التي تؤمن بعدالتها. وفي خضم هذا المشهد المأساوي، ارتفع صوت السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، مجسدًا الضمير العربي والإسلامي الحر، ليؤكّـد أن فلسطين ليست وحدها، وأن الوقوف معها واجبٌ ديني وإنساني وسياسي، يعكس انتماء الأُمَّــة لهويتها وقضيتها المركزية، ويُظهر أن الكرامة لا تُشترى بالمال ولا تُقهر بالقوة.

ويزداد التأثير معنويًا حين تتزامن هذه الأحداث مع ذكرى المولد النبوي الشريف صلى الله عليه وآله وسلم؛ المناسبة التي تتجاوز كونها احتفالا بذكرى الميلاد، لتصبح محطة تذكير بالقائد الأعظم الذي انتشل البشرية من ظلمات الجهل والظلم إلى نور العدالة والحرية. النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن نبيًا منعزلًا عن الواقع، بل كان في قلب المعركة، يقود الصفوف، ويجسّد قيم التضحية والفداء، ويزرع في أصحابه روح الصبر والشجاعة. لقد جمع بين القيادة الروحية والسياسية والعسكرية، ووحّد القبائل المتناحرة تحت راية التوحيد، وبنى أُمَّـة من لا شيء، مؤكّـدًا أن الاحتفال به لا يكتمل إلا بترجمة قيمه إلى مواقف عملية في مواجهة الظلم والطغيان.

حين ننظر اليوم إلى غزة تحت القصف، نستحضر بدرًا وأحدًا والخندق، ونرى كيف جسّد المسلمون الأوائل أرقى معاني الثبات أمام عدوٍّ متفوقٍ في العتاد، وكيف تحقّق النصر بالصبر والتضحيات. وغزة اليوم تعيد إنتاج نفس الدرس: أن النصر لا يولد إلا من رحم الإيمان والوفاء والصلابة في الموقف، وأن الأُمَّــة التي تصدق برسالتها لا يمكن أن تنهار أمام القهر والظلم.

وهكذا يصبح المولد النبوي الشريف اختبارا حقيقيًّا للأُمَّـة: هل نحن أوفياء لرسولنا الأعظم؟ هل نترجم سيرته ومبادئه إلى مواقف عملية في نصرة المظلومين ومواجهة المستكبرين؟ إن صمود غزة اليوم هو امتداد لجهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واحتفالنا بذكرى مولده يجب أن يتحول إلى عهدٍ متجددٍ على السير في درب المقاومة والصمود، حتى يتحقّق وعد الله بالنصر والتمكين، وتستعيد الأُمَّــة كرامتها ومكانتها بين الأمم.

إن المولد النبوي الشريف ليس مُجَـرّد ذكرى تاريخية، بل هو منارة تهدينا لنصرة الحق، ودعوةٌ للأُمَّـة كي تعيش قيمه عمليًّا في كُـلّ موقف، وتكون واقفة مع المظلومين، صامدةً في وجه الطغاة، ومتمسكةً برسالة العدالة والإيمان التي حملها أعظم قائد عرفته البشرية.

 

قد يعجبك ايضا