تضحيات يمانية إسناداً لغزة.. دماء تتحد على درب الحرية

إسناد غزة.. اليمن يدفع ضريبة الموقف الحر في مواجهة قوى الاستكبار

في مواجهة الصمت العربي.. اليمن يرفع راية الكرامة والوفاء لفلسطين

الحقيقة  ـ جميل الحاج

في مشهدٍ يجسّد أنبل صور التضامن العربي والإسلامي، وقف الشعب اليمني، منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى، موقفاً أصيلاً نابعاً من ضميرٍ حرّ وإيمانٍ راسخ بوحدة المصير بين شعوب الأمة، معلناً وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الصهيوني الوحشي على قطاع غزة. هذا الموقف المبدئي لم يكن مجرد تعبير عن تضامنٍ شعبي أو سياسي، بل تحوّل إلى التزامٍ عمليٍّ ترجمته مواقف ميدانية وتضحيات جسام، جعلت اليمن في صدارة الشعوب المناهضة للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.

لكنّ ثمن هذا الموقف الوطني والإنساني كان باهظاً؛ إذ تعرّضت محافظات يمنية عدة لغاراتٍ إسرائيلية وأمريكية مباشرة، خلّفت مئات الشهداء والجرحى، ودمرت منشآتٍ حيوية وخدمية، في مشهدٍ يؤكد أن العدوان لا يفرّق بين من يساند المظلوم بالكلمة أو بالفعل.

تضحيات: أكثر من 1600 شهيد وجريح

بحسب بيان رسمي صادر عن وزارة الصحة والبيئة، فقد بلغ عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني على اليمن، منذ بدء الإسناد الشعبي لقطاع غزة وحتى أكتوبر الجاري، 1,676 شهيداً وجريحاً من المدنيين.

وأوضح البيان أن عدد الشهداء بلغ 319 مواطناً، بينهم 38 طفلاً و23 امرأة، فيما وصل عدد الجرحى إلى 1,357، بينهم 197 طفلاً و96 امرأة.

وأشار البيان إلى أن العدوان استهدف بشكل مباشر عدداً من المرافق والمنشآت الصحية، حيث دُمّرت ثلاث منشآت بشكل كلي، وتضررت أربع منشآت أخرى جزئياً، ما فاقم الوضع الإنساني والاقتصادي في بلدٍ يعاني أصلاً من تداعيات الحرب والحصار المستمر منذ أكثر من عقد.

استهداف مستشفى الأمل.. جريمة حرب مكتملة الأركان

من بين أبشع الجرائم التي شهدتها الساحة اليمنية، جريمة قصف مستشفى الرسول الأعظم لمرضى السرطان في محافظة صعدة خلال شهر مارس 2025م. فقد شنّ العدوان الأمريكي غاراتٍ مباشرة على مبنى المستشفى الذي كان في مراحله الأخيرة من التجهيز، ما أدى إلى تدميره بالكامل قبل افتتاحه.

كان المستشفى يمثل بارقة أمل لآلاف المرضى الذين أنهكتهم رحلة المعاناة والسفر إلى العاصمة صنعاء لتلقي العلاج، وكان المشروع سيُحدث نقلة نوعية في الخدمات الطبية بالمحافظة، غير أن الغارات الأمريكية أنهت هذا الحلم، وكشفت الوجه الحقيقي لواشنطن التي ترفع شعارات “حقوق الإنسان” فيما تمارس أبشع صور القتل والحرمان بحق الأبرياء.

أمريكا.. من راعية السلام إلى ناشرة الموت

لم تكن جريمة قصف المستشفى حدثاً معزولاً، بل حلقة في سلسلة طويلة من الاستهداف الممنهج ضد اليمن أرضاً وإنساناً، فمنذ العام 2015م، استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا و(إسرائيل) أسلحة محرّمة دولياً في ضرباتها الجوية، ما أدى إلى انتشار أمراض سرطانية قاتلة نتيجة المواد المشعة والسامة التي خلّفها القصف، وهو ما أكدته تقارير طبية دولية عدة.

وبينما تواصل واشنطن الادعاء بأنها “تحارب الإرهاب”، تُثبت الوقائع أن الإرهاب الحقيقي هو إرهاب الدولة الأمريكية، الذي يحاصر الشعوب، ويقصف المستشفيات والمدارس، ويمنع وصول الدواء والغذاء إلى المدنيين، في انتهاكٍ صارخٍ لكل القوانين الإنسانية والدولية.

جريمة حرب تستوجب المحاسبة الدولية

وفقاً للقانون الدولي الإنساني، فإن استهداف المنشآت الطبية يُعد جريمة حرب مكتملة الأركان بموجب المادة (8) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تجرّم أي عملٍ عدائي ضد المرافق الصحية أو المدنيين.

ومن هذا المنطلق، دعت المنظمات الحقوقية اليمنية والدولية إلى فتح تحقيقٍ عاجل ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، باعتبارها انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف الأربع، واعتداءً على الإنسانية جمعاء.

وحدة المظلومية والموقف بين صنعاء وغزة

رغم حجم الدمار والخسائر البشرية والمادية، يؤكد اليمنيون أن تضحياتهم لن تثنيهم عن دعم فلسطين، وأن موقفهم الثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني ليس سياسياً ولا مؤقتاً، بل نابع من إيمانٍ دينيٍّ وأخلاقيٍّ ووطنيٍّ عميق.

لقد توحّدت مظلومية الشعبين اليمني والفلسطيني في وجه العدوان، وامتزجت دماؤهما على درب الحرية، في وقتٍ تراجع فيه الموقف العربي الرسمي إلى حدّ الصمت أو التواطؤ.

ويرى مراقبون أن هذا التلاحم بين صنعاء وغزة يُمثّل نموذجاً حياً لوحدة المصير العربي المقاوم، وأن العدوان على اليمن ليس سوى محاولة لإخماد صوتٍ حرّ يصرّ على أن فلسطين هي القضية المركزية للأمة، وأن من يقف إلى جانبها سيدفع الثمن، لكنّه سينال شرف الموقف.

صمود يتحدى الحصار والخذلان

رغم سنوات الحرب والحصار المفروض على اليمن، لا تزال الجماهير اليمنية تخرج في مسيرات مليونية دعماً لغزة، حاملة رايات فلسطين ومرددة شعارات الرفض للعدوان الصهيوني والأمريكي، في وقتٍ يتسابق فيه بعض الأنظمة العربية نحو التطبيع مع العدو.

إن هذا الثبات الشعبي، الذي يواجه الموت يومياً، يعبّر عن روحٍ مقاومة لا تنكسر، تؤمن أن النصر الحقيقي ليس فقط في كسر الحصار أو صد العدوان، بل في الثبات على المبدأ والدفاع عن القيم الإنسانية في وجه الطغيان العالمي.

اليمن.. ضمير الأمة الحي

لقد أثبت الشعب اليمني أن القضية الفلسطينية ليست بعيدة عن صنعاء أو صعدة أو الحديدة، بل هي جزء من هوية هذا الشعب الذي يرى في فلسطين مرآة لكرامته وحرّيته.

فمنذ طوفان الأقصى وحتى اليوم، سطّر اليمنيون ملحمة من الإسناد والتضحية، مؤكّدين أن الدم اليمني والفلسطيني واحد، وأن العدوان مهما اشتدّ لن يطفئ جذوة الوعي ولا وهج المقاومة.

إن ألفاً وستمائة وستة وسبعين شهيداً وجريحاً ليسوا أرقاماً في سجلات الحرب، بل شواهد حيّة على ضريبة الموقف الشريف، ودليل على أن اليمن لا يساوم في قضايا الأمة، بل يقاتل ويصبر ويدفع أغلى الأثمان من أجلها.

قد يعجبك ايضا